منذ نيل السودان استقلاله، واجهت قبيلة البني عامر سلسلة من التحديات بسبب سياسات الأنظمة المتعاقبة التي استندت إلى مخلفات استعمارية، مما أدى إلى شكوك حول انتمائهم الوطني وتصنيفهم كـ “غير سودانيين”. الاستبعاد الممنهج الذي تعرضوا له لم يقتصر فقط على الإقصاء من الفرص الوظيفية الحكومية، بل امتد ليشمل التهميش الاجتماعي والثقافي.
مؤخرًا، أعاد اللواء المتقاعد بدر الدين عبد الحكم بتصريحات بائسة تفيض بالبغض العنصري، معيدًا إلى الأذهان ظلال التهميش والاستبعاد السابقين. وصف بشكل فج شخصيات بارزة من البني عامر، بما في ذلك الوزير السابق إبراهيم محمود، بأنهم “غير سودانيين”. شكك في ولائهم ودعا إلى سحب الجنسية من هذا المكون الاجتماعي، مصنفًا إياهم كـ”لاجئين”. وحذر من تجنيدهم في صفوف المستنفرين، مدعيًا أنهم يشكلون خطرًا يهدد الأمن القومي. الأسوأ من ذلك، أن هذه التصريحات تمت عبر قناة رسمية حكومية، إذاعة أم درمان، واستخدمت فيها عبارات عنصرية تمثل خطرًا حقيقيًا على النسيج الاجتماعي الوطني.
الدعوة إلى سحب الجنسية السودانية من البني عامر وحرمانهم من الدفاع عن أراضيهم ليست فقط محاولة لإضعافهم، بل تعد محاولة لمحو وجودهم. هذه النداءات لا تؤجج النزاعات فحسب، بل تزيد من توترات المنطقة الملتهبة أصلاً، وتطرح تساؤلات جدية حول الأجندات التي قد تخدمها هذه الرسائل الخطيرة.
يأتي هذا التصريح كإضافة مؤسفة لمسلسل طويل من الفتن والتحريض. بدلاً من التركيز على التحديات الحقيقية التي تواجه السودان، والتي تتمثل في تهديدات الميليشيات الغازية والتي تعبث بأمن واستقرار البلاد، يختار اللواء تجديد الهجمات اللفظية على قبيلة تسعى فقط للعيش بسلام على أرضها.
ولا يخفى على ذي بصيرة أن السودان، وخصوصًا منطقة شرقه، كانت ولا تزال مسرحًا لتأثيرات خارجية تسعى لزعزعة استقراره عبر استغلال التنوع القبلي والعرقي. التدخلات الأجنبية، وبخاصة من قبل بعض الأجهزة المخابراتية، تُمارس بشكل ممنهج من خلال تبني آراء ناشزة تُفضي إلى إثارة التحديات بين المكونات القبلية في الشرق، محاولةً إشعال فتن بينها.
من الضروري التأكيد، في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ السودان، على أن أرض البني عامر هي أرض أجدادهم والتي توارثوها منذ أمد التاريخ. على الرغم من أن المستعمر رسم الحدود وقسم تواصلهم الطبيعي عبر السودان وإريتريا، فإن الحقيقة التي يجب أن تسود هي أن البني عامر جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني السوداني. المحاولات لمحو هويتهم أو تشويهها تعد هجومًا على تاريخ السودان وتنوعه.
في هذه اللحظات الفارقة من تاريخنا، يجب التأكيد بحزم على إدانة هذه التصريحات سواء من قبل منظمات المجتمع المدني، السياسيين، الأحزاب، ورفض الأصوات العنصرية. يجب أن نعمل جنبًا إلى جنب لبناء مستقبل يقوم على التعايش والتفاهم المتبادل، حيث يجد كل مواطن مكانه في سودان يسوده السلام والاستقرار. إن الطريق إلى مستقبل مزدهر يمر عبر بوابة الوحدة والتضامن، وليس من خلال الانقسام والفرقة. فلنختار طريق الوحدة والسلام، فهو الطريق الوحيد لضمان مستقبل مزدهر لكل السودانيين.