تقارير

صحفيو العالم العربي ضحايا القمع والعنف والانتهاكات في مناطق النزاع

في يومهم العالمي..

لم يعد سهلا، بل بات محفوفا بالمخاطر، هكذا أصبح العمل الصحفي في ميادين النزاعات والحروب، حيث يدفع الصحفيون ثمنا باهظا قد يصل إلى حد فقدان حياتهم، إضافة إلى جملة من الانتهاكات والجرائم في غيبة من القانون الدولي الإنساني.

ويحيي العالم، اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، في 2 نوفمبر من كل عام، نظرا لما يمثله من تحديات تعد الأكثر تعقيدًا في العصر الحديث، لا سيما وأنه شرط أساسي لضمان حرية التعبير وحصول جميع المواطنين على المعلومات.

وفي عام 2024، شهد العالم العربي تصاعدًا كبيرًا في عدد الضحايا من الصحفيين، خاصة في المناطق التي تشهد حروبا وصراعات ونزاعات شديدة، حيث يتعرض الصحفيون إلى مضايقات وهجمات واعتقالات من جميع أطراف النزاع رغبة في إخفاء الانتهاكات والجرائم.

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن العديد من الهجمات على الصحفيين المتواجدين في مناطق النزاع قد تكون استراتيجية متعمدة بهدف تقييد التغطية الإعلامية، رغم تمييز الصحفيين بوضوح من خلال ستراتهم ومركباتهم الإعلامية.

اقرأ أيضا.. إيران تهدد.. هل تشهد المنطقة حربًا نووية؟

ويواجه الصحفيون تحديات مستمرة، إذ يُستهدفون من قبل السلطات والجماعات المسلحة على حد سواء، مما يجعل العمل الصحفي خطيرًا للغاية، إذ تشكل التهديدات العنيفة والاعتداءات جزءًا من المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون يوميا خلال أداء مهامهم.

وهذه الأحداث تؤكد استمرار البيئة الخطرة للعمل الإعلامي في عدة دول عربية، حيث يُعد الصحفيون ضحايا للنزاعات وللجهود المبذولة لإسكاتهم، ما يعرضهم لخطر الاعتقال، والاعتداء، أو حتى القتل أثناء تأدية عملهم.

تحديات قاتلة

ويتعرض الصحفيون في مناطق النزاع والحروب في العالم العربي، إلى تحديات جمة تهدد حياتهم وتحدّ من قدرتهم على القيام بعملهم بأمان ويتمثل معظمها في التهديدات الأمنية والمخاطر الصحية، حيث يعمل الصحفيون في بيئات شديدة الخطورة ويتعرضون للقصف والاعتداءات المباشرة، رغم ارتدائهم ملابس تحمل علامات واضحة تدل على هويتهم الصحفية.

كما يواجه العديد من الصحفيين الاعتقالات والمضايقات في عدة مناطق، مثل قطاع غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان واليمن وليبيا والعراق، إذ يتعرض الصحفيون للاعتقالات والمضايقات من قِبَل السلطات أو الجماعات المسلحة، ويُحتجز الصحفيون أو يتم تقييد حركتهم لمنعهم من تغطية أحداث معينة، ما يعيق وصول الأخبار إلى الجمهور ويقيد حرية الصحافة.

فيما تشير العديد من التقارير الدولية إلى أن هناك استهدافاً متعمداً لبعض الصحفيين ووسائل الإعلام في مناطق النزاع بهدف إسكاتهم ومنعهم من نقل الحقائق، وعلى سبيل المثال، في مناطق النزاع المسلح، يُنظر إلى الصحفيين كأهداف ذات أهمية استراتيجية للحد من وصول المعلومات إلى العالم الخارجي.

وبسبب الصعوبات المتكررة والمخاطر العالية، يواجه الصحفيون تحديات نفسية، منها تأثير فقدان زملائهم أثناء أداء مهامهم، كما حدث عندما فقد أحد الصحفيين في قناة الجزيرة عائلته بالكامل نتيجة للقصف، الأمر الذي يزيد من وطأة الضغوط النفسية عليهم ويؤثر على استمراريتهم في العمل.

كما تمثل تحديات التمويل وقيود الموارد أحد أبرز المعوقات أيضا، حيث يعاني الصحفيون في ظل بيئات العمل غير المستقرة، من نقص في الموارد الأساسية والتقنية التي تمكنهم من القيام بعملهم بفعالية، فيما تعاني المؤسسات الإعلامية في هذه المناطق من ضعف الدعم المالي، ما يزيد من صعوبة توفير الحماية اللازمة للصحفيين.

وهذه التحديات تجعل من الصحافة في مناطق النزاع بالمنطقة العربية مهمة خطيرة ومعقدة، إلا أن العديد من الصحفيين ما زالوا يعملون بشجاعة لنقل الحقيقة وإيصال صوت من يعيشون في هذه الظروف الصعبة.

تكلفة باهظة للصراعات

في الأراضي الفلسطينية، قُتل أكثر من 180 صحفيا وإعلاميا ومصورا على يد قوات الجيش الإسرائيلي، منذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، بحسب تقديرات نقابة الصحفيين الفلسطينيين، وهو عدد غير مسبوق مقارنة بالنزاعات السابقة.

واستُهدف العديد من الصحفيين الفلسطينيين أثناء تغطيتهم للأحداث أو قُتلوا مع أسرهم في غارات جوية على المناطق السكنية، وأدى هذا الاستهداف المتعمد للصحفيين في غزة، إلى أن يكون القطاع ضمن أخطر بيئات العمل في العالم، حيث كانت عمليات القتل جزءاً من نمط متكرر يستهدف الصحفيين لمنع إيصال الحقائق عن الأوضاع المأساوية في غزة إلى المجتمع الدولي.

وفي لبنان، أشارت تقارير إعلامية محلية ودولية، إلى مقتل نحو 6 صحفيين ومصورين لبنانيين، بينهم امرأة، وذلك منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة أواخر العام الماضي.

ونعت وسائل إعلام دولية، مقتل عصام عبدالله (رويترز) وكامل كركي (فضائية المنار)، وهادي السيد (الميادين أونلاين) وفرح عمر وحسين عقيل والمصور ربيع المعماري (فضائية الميادين)، وذلك إثر هجمات إسرائيلية على الأراضي اللبنانية.

ومنذ 8 أكتوبر 2023، تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان، أبرزها “حزب الله”، مع الجيش الإسرائيلي قصفا يوميا عبر “الخط الأزرق” الفاصل، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى معظمهم بالجانب اللبناني.

وفي اليمن، لم يُسجّل حتى الآن أي تقرير رسمي دقيق يشير إلى عدد الصحفيين اليمنيين الذين قتلوا خلال عام 2024، إلا أنه منذ بداية الحرب في اليمن عام 2015، قُتل العديد من الصحفيين، حيث واجه الإعلاميون انتهاكات شديدة، بما في ذلك الإخفاء القسري، والتعذيب، والأحكام القضائية الجائرة، ويُعتبر اليمن من أخطر الأماكن للعمل الصحفي.

ويستمر الوضع الصعب للصحفيين اليمنيين بسبب الاستهداف المستمر من قبل الأطراف المتنازعة، وخصوصًا جماعة الحوثيين، حيث يتعرض الصحفيون لخطر الاعتقال أو القتل عند محاولتهم تغطية النزاعات أو الأوضاع الإنسانية الصعبة، كما أفادت التقارير بفرار العديد من الصحفيين إلى خارج البلاد هربًا من هذه المخاطر.

وفي سوريا، يواجه الصحفيون السوريون تحديات متزايدة تتعلق بسلامة الشخصية، حيث لا تزال البلاد تصنف من بين أخطر الدول للإعلاميين بسبب استمرار النزاع وتواجد أطراف متنازعة تستهدف الإعلاميين.

ووفق تقارير منظمات حقوقية، مثل الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد سُجل مقتل عدد من الصحفيين في سوريا خلال عام 2024، إلا أن الأعداد الدقيقة والمتاحة محدودة نتيجة لبيئة النزاع التي تعيق التوثيق الشامل.

ولا تقتصر الانتهاكات بحق الصحفيين في سوريا على القتل فحسب، بل تشمل أيضًا الاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري، وهو ما يُصعّب على الصحفيين العمل بأمان ويحد من حرية الإعلام في البلاد.

وفي السودان، منذ اندلاع الصراع المسلح في أبريل 2023، قُتل ما لا يقل عن 13 صحفيًا سودانيًا حتى أكتوبر 2024، وفق تقديرات نقابة الصحفيين السودانيين.

ويتعرض الصحفيون في السودان لمخاطر عديدة تشمل الاعتقال، والاستهداف المباشر، وأعمال التخويف والتهديد، خصوصًا مع تصاعد التوترات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وقد أدت هذه الانتهاكات إلى تدهور كبير في حرية الصحافة، وأجبرت العديد من الصحفيين على مغادرة البلاد أو التوقف عن ممارسة عملهم حفاظًا على سلامتهم.

وفي ليبيا، لم يُسجل حتى الآن مقتل صحفيين ليبيين خلال ممارسة عملهم خلال عام 2024، إلا أن الصحفيين في ليبيا يواجهون بيئة شديدة الخطورة بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة وانتشار الجماعات المسلحة.

ومنذ بداية النزاع المسلح في ليبيا، تم استهداف الإعلاميين بعمليات اغتيال واعتداءات متكررة، في ظل غياب المحاسبة وإهمال التحقيقات في مثل هذه الجرائم، ما يشكل بيئة محفوفة بالمخاطر لحرية الصحافة، كما أن الإفلات من العقاب لا يزال سائدًا، ما يجعل الصحفيين عرضة للتهديد المستمر من أطراف الصراع في مختلف المناطق الليبية.

أما العراق، فيعد من أخطر البلدان على الصحفيين، إذ يأتي العراق في المرتبة الأولى عالميًا من حيث عدد الصحفيين الذين فقدوا حياتهم خلال العقود الأخيرة، بمقتل أكثر من 400 صحفي منذ عام 2003، وفق تقديرات التقارير الدولية.

وفي سياق الصراعات وأعمال العنف المستمرة في العراق، يتعرض الصحفيون للقتل بسبب دورهم في تغطية الأحداث الحساسة، وهذا الوضع يساهم في تصنيف العراق بمؤشر حرية الصحافة في المرتبة 169 من بين 180 دولة، ما يعكس خطورة العمل الصحفي هناك في ظل تزايد العنف وانعدام الحماية الكافية للصحفيين.

غيبة القانون الدولي

بدوره قال تحسين الأسطل، نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين، إن العاملين في مجال الإعلام يدفعون ضريبة باهظة قد تصل إلى فقدان حياتهم في مناطق النزاعات والحروب، حيث يتم استهدافهم بشكل متعمد، لعدم فضح الممارسات الإجرامية لأطراف النزاع، وارتكاب جميع الانتهاكات بحق المدنيين بعيدا عن عيون الإعلام لمنع وصولها إلى العالم.

وأوضح الأسطل، في تصريحه لـ”جسور بوست” أنه في حالة قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان فإن القوات الإسرائيلية تمارس سياسات ممنهجة لحجب صوت الضحايا من المدنيين وارتكاب كافة الجرائم دون نقلها للعالم، حيث يتم إغلاق المؤسسات الصحفية والتضييق على وسائل الإعلام ومحاصرة الصحفيين واستهدافهم بالقصف، إلى جانب قطع الاتصالات والإنترنت بشكل مستمر ومتواصل.

وأضاف: “إن القانون الدولي الإنساني يحمي الصحفيين من الاستهداف في مناطق النزاعات والحروب، ولكن إسرائيل تضرب بهذا القانون عرض الحائط وتتمادى في ارتكاب الانتهاكات وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، في مشاهد مشاهد كارثية لم يشهد العالم مثيلا لها”.

محاسبة المعتدين وتوفير الحماية

ومن جانبها قالت الكاتبة الصحفية السودانية نضال عجيب، إن الانتهاكات ضد الصحفيين والصحفيات تتصاعد بشكل غير مسبوق في مناطق النزاعات والصراعات، ما يستوجب من الجهات المعنية، داخلياً وخارجياً، تحمل مسؤولياتها لضمان محاسبة المعتدين وتوفير الحماية اللازمة للعاملين في الصحافة، الذين يخاطرون بحياتهم لإيصال الحقيقة.

وأشارت عجيب، في تصريح لـ”جسور بوست” إلى أن حجم الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون لا تقتصر على القتل فحسب، بل تشمل أيضا الاختطاف والاحتجاز القسري، والاعتداءات الجسدية والجنسية، ونهب الممتلكات، والتهديدات الشخصية، وتدمير المعدات المهنية وغيرها.

ودعت الصحفية السودانية إلى ضرورة ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين واتخاذ كافة الإجراءات القانونية لتحقيق العدالة، لا سيما وأن هذه الجرائم تتطلب تحقيقات نزيهة ومحاكمات شفافة، تكفل للضحايا وعائلاتهم الإنصاف وتوفر الردع الضروري لمنع تكرار هذه الاعتداءات الوحشية.

وأكدت أنه بموجب القانون الدولي الإنساني، يحق للصحفيين والعاملين بمجال الإعلام، التمتع بالحماية كمدنيين أثناء الحروب والنزاعات، وبالتالي فإن الهجمات المستهدفة وقتل الصحفيين تعد ضمن جرائم الحرب.

وأشارت إلى أن المادة 48 من اتفاقية جنيف تنص على “التمييز بين المدنيين والمقاتلين بغية ضمان احترام وحماية السكان المدنيين والممتلكات المدنية”، وشددت على أنه “يجب على أطراف النزاع أن تميز في كل الأوقات بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، وأن توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية فقط”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى