بعد 14 يوما فقط، تُكمل الحرب فى غزة، عامها الأول، وتتسع لتمتد على طول الجبهات، حرب إبادة فى غزة، وجرائم حرب ضد الإنسانية ومذابح وحصارا وحرب تجويع على القطاع، نتنياهو حرق كل ورقة للسلام، بل إنه يفتح جبهة واضحة فى جنوب لبنان، بشكل مباشر بعد عمليات اغتيال واختراق.
كل هذه الشواهد تؤكد أن الحرب هذه المرة تحول مختلف، يفترض أن تكون لدى الأطراف المختلفة قدرة على تفهم الأمر تكتيكيا واستراتيجيا، لأن ما يجرى على جبهة جنوب لبنان من مواجهة، يمثل تحولا كبيرا، وحربا مباشرة تختلف – بشكل كبير – عن حروب ومواجهات حزب الله وإسرائيل، والتى كانت آخر جولاتها الكبرى فى صيف 2006، وحتى 7 أكتوبر الماضى كانت إيران أو حزب الله، وهو ما يمثل تحولا فى الحرب، وفى قضية الشرق الأوسط فى الصراع الإقليمى، يزيل الستار والأقنعة، ليدور مباشرة بين إسرائيل وإيران.
هناك بالفعل تحليلات وتصريحات تشير إلى رغبة فى تغيير معادلة الصراع، بحيث يكون الصراع مباشرا بين أطراف ظلت تتعامل بشكل غير مباشر، وبجانب استمرار القصف والحرب، ويزعم نتنياهو القضاء على حماس أو هزيمتها، وفى الوقت ذاته يدخل فى مواجهة مع إيران، باعتبار ما أعلنته بعض الجهات عن كون عملية طوفان الأقصى «إيرانية»، وهو ما يدفع نتنياهو إلى المواجهة وفتح جبهة مع الطرف الأصيل بهدف الفصل بين الجبهات، أو توحيدها، بما يجعل المواجهة أكثر وضوحا.
هذه المواجهة التى توسع احتمالات اتساع الصراع، وتمثل بالفعل تغييرا لأول مرة منذ نهاية السبعينيات من القرن العشرين، وتمثل نوعا من التغيير بالإقليم، وهو ما تنبه إليه مصر على مدى العام الماضى، ومنذ سعيها لتوحيد الفصائل والدفع نحو لم الشمل بشكل يدعم مسارات سياسية.
الكثير من المراقبين يرى أن عمليات الاختراق والتجسس والاغتيالات التى نفذتها إسرائيل فى جنوب لبنان، وعمليات تفجير «البيجر» وأجهزة الاتصالات، تعنى أن عمليات الاختراق والتنفيذ تمت بعد استعداد وتجهيز، وهو ما يشير إلى أن الاحتلال هو الطرف الذى كان جاهزا لرد فعل انتقامى على «طوفان الأقصى»، وأن بقية الأطراف لم تكن تتوقع أو تقدر حجم رد الفعل ومدى استعداد الطرف الإسرائيلى.
اقرأ أيضا| سرقة الأرض وتهويدها وسياسات التهجير المتلاحقة
والآن يواصل الاحتلال الإسرائيلى تحديه للمجتمع الدولى، ويبدأ حربا فى جنوب لبنان، ربما تكون خطوة لفرض أمر واقع على جبهة الشمال، أو فتح مجال لعقد اتفاقات مع إيران تنهى المواجهة غير المباشرة والتى تواصلت بالوكالة، أو عمليات نوعية محدودة حتى شهور، ومع رفض إيران وحزب الله الانخراط فى حرب شاملة، يبدو أن الطرف الإسرائيلى يهدف لإغلاق هذه الجبهة نهائيا.
وإذا كان نتنياهو فشل حتى الآن فى جر إيران أو حزب الله إلى حرب إقليمية، فهو يواصل الحرب من خلال تنفيذ اغتيالات وعمليات نوعية ضد قيادات حزب الله، ووصل العدد لأكثر من 400 قيادى، لم يكن آخرهم إبراهيم عقيل القيادى المهم، والذى لحق بفؤاد شكر، بل وأيضا ما مثلته عملية اغتيال إسماعيل هنية، بما قد يشير إلى عمليات اختراق واسعة للمعسكر الإيرانى، واستمرار الغارات الجوية التى تضاعف من أعداد الضحايا، وأعلن الجيش الإسرائيلى، أنه ينفذ موجة من الضربات ضد أهداف لحزب الله فى لبنان، ستستمر وتكثف، وبحسب صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، فإن مجلس الوزراء سيعقد اجتماعا موسعا، وسط تصعيد خطير فى القتال بين إسرائيل وحزب الله فى لبنان.
كل هذا يضاعف من تأزم الأوضاع فى لبنان، ويفتح مجال التكهنات بشكل ومضمون رد الفعل من قبل حزب الله، لاستعادة التوازن، حيث أطلق صواريخ تجاه مناطق شمال إسرائيل، استهدفت قواعد ومطارات، ومُجمعات الصناعات العسكرية فى منطقة زوفولون شمال مدينة حيفا.
وبالرغم من تصاعد المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، يستبعد الكثير من المراقبين أن تقوم إسرائيل باجتياح برى للبنان، قد يفتح حربا واسعة، تجر الولايات المتحدة إليها، بجانب رد فعل الحكومة اللبنانية تجاه قصف مناطق مدنية وقتل المدنيين بما يمثل عدوانا وتجاوزا لخطوط المواجهة.
كل هذه الوقائع، تضع المنطقة على شفا حرب شاملة، سعت كل الأطراف الكبرى لتلافيها، وعلى رأسها مصر التى تسعى – مع الولايات المتحدة وقطر – لوقف الحرب، والدفع نحو مسارات سياسية تقود الى حل الدولتين، وتعمل مصر – طوال ما يقرب من العام – على معالجة تتجاوز مناورات الاحتلال، لخبرتها وإدراكها لحجم التحولات، التى تفرض تغييرا فى طريقة التعامل باعتبار القتال مرحلة تسلم لمرحلة أخرى يمكنها تجاوز الحرب إلى مسارات السياسة، وانتزاع فتائل لا تفيد سوى تجار الحرب داخل وخارج إسرائيل.
تتحرك مصر بدقة وتتعامل مع تقاطعات وتشابكات ومناورات كل الأطراف، بهدف تلافى إشعال حروب إقليمية، تضيع فرص وتضاعف من أزمات الإقليم الذى لم يغادر الأزمات منذ عقد ونصف العقد على الأقل.