أصبح من الواضح أن الهوة تتسع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الأمريكي بايدن. باعتقادي هناك سببان رئيسيان لذلك: الأول، هو عدد الشهداء الفلسطينيين الذي تجاوز الـــ 31,000 شهيد حتى الآن، معظمهم من النساء والأطفال ما يدحض الحجة الإسرائيلية بأن ما تقوم به دفاع عن النفس وما أدى إلى تغير واضح في الرأي العام الدولي الذي لم يعد يقبل هذا العدد الكبير من القتلى.
أما السبب الأهم في رأيي هو تأثير سياسة الرئيس الأمريكي على أصوات العرب والمسلمين الأمريكيين والتي يمكن أن تؤدي إلى خسارة بايدن للانتخابات الرئاسية نهاية هذا العام. قد تكون السياسة الخارجية الأمريكية وخاصة ما يتعلق منها بالحرب على غزة من المرات النادرة التي قد تؤثر على نتيجة الانتخابات، وذلك بسبب تركز الناخبين العرب والمسلمين في ولايات محورية يحتاجها بايدن كي يربح الانتخابات من حيث أن فرق الأصوات فيها بين بايدن وترامب أقل من عدد هؤلاء الناخبين. ما ليس واضحا هو إن كانت هذه العوامل ستؤدي إلى تغيير كبير في سياسة بايدن تجاه إسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما لم يحدث بعد.
بالرغم من ذلك، فإن دلائل الامتعاض من الموقف الإسرائيلي داخل الحزب الديمقراطي لا يمكن إنكارها. لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة أن اتخذ زعيم الأغلبية (من الديمقراطيين) في مجلس الشيوخ، السناتور تشاك شومر، وهو من أكبر مناصري إسرائيل، موقفا علنيا ضد نتنياهو بما في ذلك دعوته لتغيير القيادة الإسرائيلية الحالية عن طريق الانتخابات، وهو موقف ساندته فيه رئيسة الكونغرس السابقة نانسي بيلوسي المعروفة بدعمها الكبير لإسرائيل أيضا. كما أن هناك مواقف غير مسبوقة أيضا من عدد من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين كالسناتور كريس فان هولن الذي تتزايد انتقاداته العلنية لإسرائيل حتى وصف قبل بضعة أيام، ومن خلال واحد من أهم البرامج التلفزيونية الحوارية في الولايات المتحدة، الادعاء الإسرائيلي أن الأونروا تتعاون مع حماس «بالكذبة الكبيرة».
العامل الجديد هذه المرة هو الصوت العربي. لم يكن الصوت العربي مؤثرا كثيرا في السابق، خاصة أن العرب والمسلمين متفرقون في ولايات عدة، والكثير منهم في كاليفورنيا التي تصوت للمرشح الديمقراطي بكثافة تفوق بكثير عددهم. لكن الفارق البسيط بين بايدن وترامب في ولايات باتت مفصلية لبايدن بدأ يظهر أهمية الصوت العربي أكثر من السابق. وعلى سبيل المثال، فقد ربح بايدن ولاية ميشغان عام 2020 بفارق 154,000 صوت عن ترامب بينما يبلغ عدد الجالية العربية في ميشغان حوالي نصف مليون شخص. فإذا اعتبرنا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن 17٪ فقط من العرب سيصوتون لبايدن مقارنة بـ 60٪ في العام 2024، فان هذا يعني أن بايدن قد يخسر أكثر من 200,000 صوت وهو أكثر من الفارق عام 2020، مما قد يعني خسارته لولاية هامة للغاية.
لم يؤد ذلك بعد لتغيير جذري في السياسة الأمريكية بالرغم من بعض التحسن اللفظي في انتقاد إسرائيل. لا زالت الولايات المتحدة ترسل أسلحة غير مشروطة لإسرائيل، ولا زالت ترفض دعم أي جهد دولي في الأمم المتحدة لوقف دائم لإطلاق النار. هناك جهود من البعض داخل الادارة الأمريكية لإقناع الرئيس الأمريكي بإبداء المزيد من التعاطف تجاه الجانب الفلسطيني، بل لإقناعه ايضا بالاعتراف بدولة فلسطينية على أساس حدود 1967 هذا العام، وقبل الانتخابات الأمريكية، ولكن هذه الجهود لا تحظى بعد بأغلبية داخل الإدارة تؤدي لقرار من هذا القبيل.
العرب الأمريكيون غاضبون جدا من بايدن بسبب موقفه الداعم لإسرائيل. في العام 2020، كانت الحجة التي استخدمتها حملة بايدن مع العرب الأمريكان مفادها أن عليهم انتخاب بايدن حتى يعكس قرارات ترامب فيما يتعلق مثلا بالحظر الذي فرضه على دخول رعايا عدد من الدول الإسلامية ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس. ترى الجالية العربية اليوم في هذه الحجة إهانة لها وانتقاصا من مواقفها، فمنع دخول رعايا من بعض الدول الإسلامية اقل ضررا لها من السكوت على مقتل أكثر من 31,000 فلسطيني. لم تعد الجالية العربية تكتفي بصوتها «السلبي» ضد ترامب، بل تريد أن يحترم الرئيس الأمريكي رأيها من العديد من القضايا التي تهمها وعلى رأسها موقف الادارة الأمريكية من الحرب على غزة. بمعنى آخر، فان حجة «أما أنا أو ترامب» لم تعد كافية لإقناع الناخب العربي للتصويت لبايدن، خاصة أن الكثير من وعود بايدن السابقة لم يتم تحقيقها، خاصة بالنسبة للقضية الفلسطينية.
يقول العديد من العرب الأمريكيين أيضا أنه حتى إن جاء ترامب فإن فرص حل الصراع شبه معدومة من الحزبين، فبايدن لم يفعل الكثير للقضية الفلسطينية أصلا، ولذلك فإن عدم تصويتهم لبايدن استثمار في المستقبل حتى يدرك أي مرشح أمريكي مستقبلي أهمية أخذ الصوت العربي والمسلم في الاعتبار في أية انتخابات مقبلة.
ما ينطبق على ميشغان ينطبق أيضا وبدرجات متفاوتة على ولايات مثل ويسكنون وبنسلفانيا وجورجيا، وذلك أيضا بسبب ربح بايدن هذه الولايات في عام 2020 بفوارق بسيطة.
من غير المتوقع أن تنجح كل العوامل أعلاه في تحول السياسة الأمريكية تجاه المنطقة بشكل جذري هذا العام.
إلا أنها بلا شك تطورات مهمة تستدعي التوقف عندها وأخذها بعين الاعتبار في التعامل مع الإدارة الأمريكية.