مع اقتراب حفل تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال أسابيع قليلة، تبرز واحدة من أكثر أولوياته إثارةً للجدل وتأثيراً التي سيعمل سريعاً على تنفيذها، وهي الترحيل الجماعي لملايين المهاجرين غير الشرعيين.
إذا نجحت هذه الخطة، فإنها ستقوض أهداف الإدارة الجديدة المتعلقة بتحفيز الاقتصاد وخفض الميزانية وتقليص البيروقراطية، بينما تتسبب في تمزيق النسيج الأسري للمهاجرين. ورغم وصف ترمب المتكرر للمهاجرين غير الشرعيين بمصطلحات مسيئة مثل ملوثي دماء الأمة ومجرمين وحيوانات وغزاة، إلا أن هؤلاء الأشخاص عاشوا في الولايات المتحدة لفترات طويلة، وشغلوا وظائف أساسية في قطاعات وصناعات حيوية، ما يثير تساؤلات حول أسباب جعل الترحيل الجماعي محوراً أساسياً في أجندة الإدارة القادمة.
سياسة الترحيل الجماعي الأميركية
فكرة الترحيل الجماعي ليست جديدة على السياسة الأميركية، حيث شهدت الولايات المتحدة عقوداً من تنفيذ هذه السياسات. وضخ الكونغرس والإدارات المتعاقبة استثمارات هائلة في إنفاذ قوانين الهجرة، وصلت إلى زيادة بمعدل تسعة أضعاف بالقيمة الحقيقية المقومة بالدولار منذ عام 2002. ومع ذلك، يزعم مؤيدو ترمب أن خطته ستتطلب استثمارات إضافية “ضخمة”.
خلال فترة رئاسته الأولى، سجلت إدارته معدلات ترحيل سنوية أقل مقارنة بالإدارات السابقة. أما الآن، يتعهد ترمب في فترته الثانية بترحيل مليون شخص سنوياً وإغلاق الحدود مع المكسيك. ومع ذلك، تبدو هذه الأهداف غير قابلة للتحقيق، لكنها ستؤدي إلى عواقب وخيمة على المهاجرين.
إقرأ أيضا : هكذا تخطط روسيا لإعادة ضبط إستراتيجيتها في إفريقيا
ومن المتوقع أن يدفع الخوف من الترحيل العديد من الأسر المهاجرة إلى تجنب طلب الخدمات العامة التي يحق لهم الحصول عليها، كما قد يترددون في الإبلاغ عن الجرائم أو التعاون مع السلطات في التحقيقات. من جهة أخرى، ستتصاعد جرائم الكراهية ضد المهاجرين مع انتشار قوانين محلية تستهدف جيرانهم غير الشرعيين، مثل مشروع قانون مجلس الشيوخ رقم 72 في ولاية ميزوري، الذي يقترح مكافآت مالية للمواطنين للإرشاد عن جيرانهم غير الشرعيين واعتقالهم.
حتى مع هذه الضغوط، من غير المرجح أن يغادر المهاجرون البلاد طواعية، كما تأمل الإدارة القادمة. فمعظمهم بنى حياة مستقرة في الولايات المتحدة، ويعتقدون أن أطفالهم الذين يحمل معظمهم الجنسية الأميركية سيحظون بمستقبل أفضل هنا مقارنةً بما قد يجدونه في بلدانهم الأصلية. لذا، سيفعلون كما فعل المهاجرون دائماً، ويحاولون الصمود.
ادعاءات وخطط ترمب
يواصل ترمب الترويج لخططه من خلال مزيج من الادعاءات المضللة، والمقترحات التي يصعب تطبيقها قانونياً. فقد بالغ في تقدير أعداد المهاجرين غير الشرعيين، مدعياً أنها تتراوح بين 15 و20 مليوناً، وبالغ في تصوير حجم التهديد الذي يمثلونه. بينما تشير التقديرات إلى وجود حوالي 11.7 مليون مهاجر غير شرعي في الولايات المتحدة، وهو عدد أقل قليلاً من الذروة التاريخية التي بلغت 12 مليوناً في عام 2008.
بدلاً من تقليص أعداد المهاجرين غير الشرعيين، ستؤدي خطط ترمب إلى زيادتها، خاصة أنه يسعى إلى إلغاء الوضع القانوني لمجموعات حصلت على إقامة مؤقتة لأسباب إنسانية (تُقدر بحوالي 2.5 مليون شخص)، مثل الفنزويليين والنيكاراغويين والهايتيين. ومن المرجح أن يُجبر هؤلاء على العودة إلى البلدان الخطرة التي فروا منها.
بالإضافة إلى ذلك، يؤيد توم هومان، مرشح ترمب لمنصب مشرف أمن الحدود، ترحيل الأطفال الأميركيين الجنسية مع آبائهم غير الموثقين. لكن في كثير من الحالات، سيبقى هؤلاء الأطفال في الولايات المتحدة مع والدين آخرين أو وصي قانوني، أو ربما يتم وضعهم في رعاية بديلة.
من المتوقع أيضاً أن تعمل الإدارة المقبلة على إعادة بناء ما يُسمى بـ”حاجز الإجراءات” الذي يشمل فرض رسوم جمركية مرتفعة ووضع عقبات بيروقراطية ومتطلبات تنظيمية معقدة. هذه السياسات التي اعتُمدت خلال فترة ترمب السابقة ستجعل من الصعب على المهاجرين الحصول على الوضع القانوني والإقامة الدائمة، وبالتالي ستزيد أعداد المهاجرين غير الشرعيين.
حواجز قانونية وإدارية أمام المهاجرين
يواجه معظم المهاجرين غير الشرعيين ظروفاً تجعل ترحيلهم أمراً غير ممكن أو غير مبرر؛ إذ يعاني كثير منهم، على سبيل المثال، من تراكمات ضخمة في نظام الهجرة الأميركي، الذي يشمل حالياً حوالي 3.6 مليون قضية معلقة في محاكم الهجرة، بجانب نحو 4.1 مليون طلب تأشيرة معتمدة تنتظر التنفيذ. بعض هؤلاء الأشخاص يواجهون تحديات في كلا الفئتين، أو تأخيرات إضافية، مثل أكثر من مليون طلب لجوء رسمي قيد الانتظار.
أفضل طريقة للتعامل مع هذه المجموعات هي انتظار الفصل في قضاياهم. كما أن أفضل طريقة لحل المشكلة الأساسية تكمن في إصلاح نظام التأشيرات وزيادة الاستثمار في المحاكم المعنية بالهجرة وهيئات تقييم طلبات اللجوء.
يحظر قانون “بوسي كوميتاتوس” لعام 1878 استخدام القوات العسكرية في إنفاذ القوانين المدنية. ومع ذلك، زعم ترمب أنه قادر على نشر الجيش لترحيل المهاجرين، مستنداً إلى ادعاءات بأنهم “ليسوا مدنيين” (رغم أنهم كذلك)، لكنهم غزاة (وهم ليسوا كذلك)، وبأنهم يشكلون تهديداً “لم تشهده أي دولة من قبل” (قل ذلك للأوكرانيين). كما تعهد بـ”إنقاذ كل مدينة وبلدة تم غزوها والسيطرة عليها” (وهو ما لن يحدث).
حرمان المواليد من الجنسية الأميركية
اقتراح ترمب المتعلق بحرمان منح الجنسية للأطفال المولودين في الولايات المتحدة لآباء غير شرعيين بموجب مرسوم تنفيذي، يعكس منطق قرار دريد سكوت التاريخي المثير للجدل. وهذا المقترح يتعارض بشكل مباشر مع النص الواضح للتعديل الرابع عشر للدستور الأميركي، ويهدد بتحويل البلاد من نموذج عالمي في دمج المهاجرين إلى مجتمع يخلق طبقة اجتماعية وراثية من الأشخاص “غير الشرعيين”.
كما تعهد بإعطاء الأولوية لترحيل المجرمين المدانين والمثيرين للتهديدات الأمنية. ومع ذلك، كانت هذه الفئات بالفعل ضمن أولويات جميع الإدارات الأميركية الحديثة، باستثناء إدارة ترمب الأولى، التي وضعت سياسات فضفاضة جعلت من الصعب تحديد فئات مستهدفة واضحة. علاوة على ذلك، كانت هناك برامج وأنظمة قائمة منذ فترة طويلة لترحيل الأشخاص بعد انقضاء مدة عقوباتهم. وينطبق الأمر ذاته على أولئك الذين صدر بحقهم أوامر ترحيل من قضاة الهجرة. ومع ذلك، فشلت هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك في تنفيذ 1.4 مليون أمر ترحيل معلق لأسباب متعددة.
يرتكز تبرير ترمب للترحيل الجماعي على ادعاء غير دقيق بأن غالبية المهاجرين يدخلون الولايات المتحدة “دون فحص أو تدقيق”. لكن الواقع يظهر عكس ذلك، حيث إن معظم الأشخاص الذين يعبرون الحدود يقدمون أنفسهم طوعاً لوكلاء الحدود. كما أن الغالبية العظمى من المهاجرين غير الشرعيين في الأعوام الأخيرة دخلوا البلاد بشكل قانوني عبر تأشيرات مؤقتة، ثم تجاوزوا المدة المسموح بها لإقامتهم.
يزعم ترمب أن الولايات المتحدة لن تحتاج إلى بناء “معسكرات احتجاز جديدة للمهاجرين” لأنهم “سيُرحلون خارج البلاد”، إلا أن تعييناته التي أجراها في إدارته تدعم إنشاء “معسكرات” ومنشآت احتجاز واسعة النطاق.
أحد الأمثلة البارزة على ذلك هو العفو الذي أصدره لجوزيف أربايو، العمدة السابق لمقاطعة ماريكوبا بولاية أريزونا، والذي أثار الجدل بسبب احتجازه المهاجرين في خيام صحراوية تحت درجات حرارة قاسية، وإجبار الرجال على ارتداء ملابس داخلية وردية. هذه الممارسات كانت جزءاً من نمط أوسع من التنميط العنصري وانتهاكات الحقوق الدستورية. ويبدو أن هذا النهج قد يصبح النموذج الذي ستتبناه الإدارة الجديدة.
تأثير ترحيل المهاجرين على الاقتصاد
صوّت بعض المهاجرين لصالح ترمب اعتقاداً بأنه سيركز على تحسين الاقتصاد وترحيل المجرمين. لكن إذا كان الماضي مؤشراً لما سيحدث، فإن الإدارة الثانية لترمب ستتعامل مع جميع المهاجرين غير الشرعيين وأطفالهم كما لو كانوا مجرمين. وهذا يعني محاولة إزالة 4.8% من القوى العاملة الأميركية في وقت تعيش فيه البلاد أعواماً متتالية من التوظيف الكامل تقريباً.
يُعتبر ثلاثة أرباع المهاجرين غير الشرعيين “عمالاً أساسيين”، مقارنة بنحو 65% من الأميركيين المولودين في البلاد. ويعمل هؤلاء المهاجرين في صناعات ومهن أكثر خطورة من تلك التي يشغلها السكان الأصليون، وفقاً للإحصاءات المتعلقة بالإصابات والوفيات. تشمل الصناعات الأكثر تضرراً قطاعات الزراعة والضيافة والبناء والرعاية الصحية. وسيختفي الموظفون، وسترتفع تكاليف المستهلكين، وستواجه الشركات، سواء صغيرة أو كبيرة، خطر الفشل.
حلول بديلة لمعالجة أزمة الهجرة
هناك بديل مطروح. فمنذ عام 1929، قدمت الولايات المتحدة خياراً قانونياً (يُعرف باسم “التسجيل”) للمقيمين غير الشرعيين ذوي السجل الأخلاقي الجيد، لتعترف بأن هناك مهاجرين مستحقين يسقطون ضحية الثغرات في نظام الهجرة القانوني. في العقود الأولى من تطبيق هذا القانون، كان الكونغرس يعدّل بانتظام تاريخ الأهلية للانضمام إلى البرنامج. لكن اليوم، يجب أن يكون المهاجر غير الشرعي قد دخل الولايات المتحدة قبل أكثر من نصف قرن للتأهل.
يمكن لمشروع قانون من جملة واحدة، يغير تاريخ الأهلية إلى 1 يناير 2010، أن يشمل 79% من سكان الولايات المتحدة غير الشرعيين، ويخفف الضغط على وكالات الهجرة الفيدرالية.
إذا كانت الإدارة الأميركية الجديدة جادة بشأن إصلاح نظام الهجرة، فعليها تبني برنامج التسجيل، وزيادة التمويل المقدم لمحاكم الهجرة، وإصلاح عملية منح التأشيرات. فمثل هذه الإجراءات ستساهم بشكل أكبر في إنشاء نظام هجرة، وبلد، ناجح وآمن، مقارنة بسياسة الترحيل الجماعي القاسية.