سياسات اللجوء الأوروبية وموقف دول المتوسط
توصلت أوروبا إلى اتفاق “ملزم ومتشدد” لمواجهة موجات اللاجئين القادمة من جنوب المتوسط. وفيما أثار ما أطلق عليه البرلمان الأوروبي “تعديل سياسات اللجوء” احتجاج الجمعيات والمنظمات الإنسانية التي تعنى بأوضاع اللاجئين، صمتت دول جنوب المتوسط عن التعليق عدا رد مبطّن من الرئيس التونسي قيس سعيد أعاد فيها اللاءات الحمراء التي رفعتها بلاده قبل أكثر من سنة بشأن قضية استقبال اللاجئين.
ولا يختلف الاتفاق الذي توصل إليه الأوروبيون عما تطالب به أصوات اليمين المتشدد بشأن التشدد في معاملة اللاجئين الجدد وإعادتهم من حيث جاؤوا، وأهميته في أنه حل مشكلة الخلافات بين الأوروبيين وبين دول الوصول التي ظلت لسنوات تواجه لوحدها موجات المهاجرين وكذلك بين الدول التي حرصت على أن تنأى بنفسها عن القصة لكونها بعيدة عن مسرح الأزمة. فالاتفاق ألزم الجميع بالتضامن إما بالاشتراك المباشر أو بدفع الأموال وتقبل “كوتا” من اللاجئين “المفيدين”.
الاتفاق جاء في صالح إيطاليا واليونان كأكبر بلدين متضررين من المواجهة المنفردة مع قوارب المهاجرين ومهرّبي البشر الذين يجمعون الأموال مقابل إغراق روما وأثينا بالهاربين من بلدان الجنوب.
والنتيجة أن أوروبا توحدت للدفاع عن أمنها ومصالحها ووضعت آليات عملية للتصرف تجاه المخاطر المتعلقة باللاجئين. بالمقابل تستمر دول الجنوب بالتصرف بشكل فردي ومن خلال اتفاقيات مباشرة مع الأوروبيين، وهو ما سيجعل السنوات القادمة صعبة، خاصة أن ما يخفيه منطوق الاتفاق أن أوروبا ستكون متشددة في استقبال اللاجئين إما بوضعهم في مراكز احتجاز على الحدود أو بإرجاعهم إلى دول العبور، أي الدول التي جاؤوا منها مثل تونس وليبيا ومصر والجزائر والمغرب.
الاتفاق الذي توصل إليه الأوروبيون لا يختلف عما تطالب به أصوات اليمين المتشدد بشأن التشدد في معاملة اللاجئين الجدد وإعادتهم من حيث جاؤوا.
وتشمل “الإصلاحات” التي تضمنها التعديل الأوروبي بناء مراكز حدودية لاحتجاز طالبي اللجوء وإرسال بعضهم إلى دول خارجية “آمنة”، وكذلك تحديد أيّ من المهاجرين الذين يمكن أن يحصلوا على تدابير مسرّعة ومستعجلة أو عادية لمعالجة طلباتهم، ومن يمكن إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية أو تلك التي مروا بها.
الخطة تقوم أولا على تجميع اللاجئين في مراكز احتجاز على الحدود البحرية. فلم تعد هناك فرص كي تتغاضى دولة عن المهاجرين ليتسللوا من أراضيها وجبالها ويمروا إلى بلد آخر “نكاية” فيه، أو يفتح لهم ملاك الأراضي والمزارعون فرصة الاختباء لفترات والاشتغال في الزراعة.
سيكون كل شيء تحت السيطرة الأمنية وبعد ذلك تأتي الاعتبارات الإنسانية ويأتي التفكير في من يصلح كي يكون مهاجرا مطلوبا كعمالة واعدة بفعل دبلوماته أو شهادات خبراته أو عمره.
ومن المسكوت عنه في “تعديل السياسات” أن أوروبا، التي تنوي الكف عن تسامحها وتساهلها مع موجات الهجرة الناجمة عن انسداد الأفق في دول جنوب المتوسط أو شرقه، يمكن أن تلجأ إلى استعمال القوة لإعادة المهاجرين من حيث جاؤوا، وأن الحديث عن عمليات الإغراق المعزولة والمنفردة قد تصبح أمرا مألوفا وتوجها رسميا وإن كان غير معلن.
أوروبا قررت أن تستنبت أنيابا حادة للدفاع عن أمنها القومي بدلا من الأسلوب القديم الذي راكم لها الأزمات وجعلها في موقع الضعيف الذي يكتفي بالدفاع. الصورة ستنقلب الآن، والأزمة ستصبح على عاتق دول العبور.
لم يشر تعديل السياسات الذي تبناه الاتحاد الأوروبي ويبدأ العمل به في 2026 إلى الدعم الذي ستقدمه أوروبا لدول العبور لكي تنهض بمهمة الصمود والتصدي لموجات القادمين من الجنوب، جنوب الصحراء في أفريقيا، ومن الدول الهشة أمنيا واقتصاديا في آسيا مثل سوريا ولبنان والعراق وأفغانستان. وطرح سؤال الدعم مهمّ لأن الخطة الأوروبية تتحدث عن إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية أو إلى دول العبور.
فدعم الدول الأصلية ليس مهمة مرتبطة بشكل مباشر بمواجهة موجات اللاجئين وإن كان هو الحل المطلوب إستراتيجيا. من ذلك أن أفريقيا جنوب الصحراء، التي تعيش اهتزازات أمنية في حروب مع الجهاديين أو في ظل انقلابات عسكرية ناشئة كرد فعل على غياب الدعم الغربي، ستظل تدفع بالآلاف من أبنائها إلى حين تتحرك أوروبا وتتبنى إستراتيجيات تقوم على تجفيف منابع الهجرة بتحسين حياة الأفارقة ودعمهم على بناء اقتصاديات منتجة.
المشكلة التي تحتاج إلى وضوح في المواقف هي علاقات التعديلات الأوروبية بدول العبور، لماذا لم يفكر البرلمان الأوروبي وهو يتبنى خطته في حدود تنفيذها إذا رفعت تونس أو ليبيا أو المغرب أو مصر أياديها عن هذه المهمة وتركت الحبل على الغارب.
ومثلما أن من حق أوروبا أن تحمي أمنها فمن حق دول العبور أن تحصل على الدعم الكافي ماليا ولوجستيا لمساعدتها على الحد من موجات الهجرة إلى أراضيها أولا ولاحقا إلى أراضي الغرب.
التعديلات الأوروبية نظرت إلى أزمة الهجرة بعين واحدة، وهذا أهم عنصر سيفضي إلى إفشال المقاربة أو على الأقل إرباكها وتوتير علاقات أوروبا مع جيرانها.
ماذا يمكن أن تفعل تونس لوحدها لمساعدة الآلاف من الأفارقة الموجودين حاليا على أراضيها. بالتأكيد لا شيء، وهي ستجد أن الإنفاق سيكون من الأولى أن يتم لصالح مشاريع داخلية أو في شكل منح للفئات الضعيفة بدلا من إنفاقه لترضية أوروبا وحماية أمنها.
والسؤال المهم، ما المقصود بدول ثالثة “آمنة” هل المقصود تبنّي مقاربة بريطانيا بإرسال اللاجئين إلى بلد مثل رواندا، وهي المقاربة التي تلاقي معارضة واسعة لدى المنظمات الحقوقية والإنسانية. مقاربة تحصر اهتمامها في أمن أوروبا دون تفكير في تأثيرها النفسي على اللاجئين الذين يغامرون بالهجرة بحثا عن تحسين أوضاعهم وأوضاع عائلاتهم ليجدوا أنسفهم في دولة بعيدة وحياة أشبه بالعيش في مراكز الاحتجاز.
التعديلات الأوروبية نظرت إلى أزمة الهجرة بعين واحدة، وهذا أهم عنصر سيفضي إلى إفشال المقاربة أو على الأقل إرباكها وتوتير علاقات أوروبا مع جيرانها، وهو ما بدا واضحا في حديث الرئيس التونسي الجمعة حين أكد أن بلاده ترفض أن تكون معبرا أو مستقرا للهجرة غير النظامية.
ولا شك أن هذا الكلام ناجم عن قراءة أولية للتعديلات الأوروبية، كما أنه رسالة واضحة لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني التي ينتظر أن تزور تونس وسط الأسبوع في حملة تفسير وشرح بشأن التعديلات وطمأنة تونس من أن أوروبا ستستمر في دعمها.
وشدد سعيد مجددا على أن “تونس التي تعامل المهاجرين معاملة إنسانية ترفض أن تكون معبرا أو مستقرا (للمهاجرين غير النظاميين)”. وأشار إلى أن “هذه الظاهرة التي تتفاقم كل يوم لم تكن تونس أبدا سببا من أسبابها بل بالعكس هي تتحمل تبعات نظام عالمي أدى إلى هذه الأوضاع غير الإنسانية”. وتابع أن ”المنظمات الدولية المتخصصة التي كان من المفترض أن تقف إلى جانب تونس تكتفي في أغلب الأحيان بالبيانات أو تحاول فرض أمر واقع لن يقبل به التونسيون أبدا”.
ووفق وسائل إعلام إيطالية تقوم رئيسة الحكومة جورجيا ميلوني بزيارة إلى تونس في 17 أبريل الجاري، حيث سيكون على رأس اهتماماتها ملف الهجرة المنطلقة من تونس في اتجاه السواحل الإيطالية. وفي سبتمبر 2023، أعلنت المفوضية الأوروبية تخصيص 127 مليون يورو مساعدات لتونس، تندرج ضمن بنود مذكرة التفاهم الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، جزء منها للحد من توافد المهاجرين.