على الرغم من أن سوق العملات المشفّرة يُحيط به الكثير من الغموض وعدم اليقين، وبعيد عن متناول الشعوب من حيث الوصول لأسباب كثيرة، وبعيد عن الفهم التامّ والشامل حتى بالنسبة للمتخصصين الأفارقة، وخاصةً في إفريقيا جنوب الصحراء؛ إلا أنه يبدو أن هذا القطاع يُشكّل مراكز حُكم العالم الآن، وله ديناميكياته وتأثيراته السياسية والجيوسياسية وغيرها. والدليل فوز ترامب بالانتخابات الأمريكية 2024م بدعمٍ من أباطرة هذا القطاع الحيوي.
إن هذا التطور الخطير بالطبع سيُلقي بظلاله على القارة الإفريقية بلا شك. تلك القارة التي لعبت فيها العملات المشفرة دورًا بارزًا في محاولات الاستقلال النقدي في إفريقيا الوسطى عن الاستعمار الاقتصادي الفرنسي.
ومن هنا أحاول بإيجاز من خلال هذا المقال، التطرق إلى دور قطاع الكريبتو في السياسة، والآثار المتوقعة لفوز ترامب على أداء العملات المشفرة، وانعكاس ذلك على بلدان القارة الإفريقية. ثم التطرق إلى تحليل سوق العملات المشفرة في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك من خلال المحاور التالية:
- أولاً: قطاع الكريبتو بين المشهد السياسي والصراع الجيوسياسي.
- ثانيًا: سوق العملات المشفرة في إفريقيا جنوب الصحراء.
- ثالثًا: دوافع تبنّي العملات المشفرة في إفريقيا.
- رابعًا: المخاوف والتحديات وحلولها.
- أولاً: قطاع الكريبتو بين المشهد السياسي والصراع الجيوسياسي
اقتحم أباطرة العملات المشفّرة عالَم السياسة في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من خضوع القطاع لسيطرة مجموعة صغيرة من الأثرياء؛ إلا أنهم يستهدفون تجاوز الرقابة التنظيمية، وتعزيز سلطتهم، وإعادة هيكلة السياسة الأمريكية لصالحهم. غير أن بعض المراقبين يرون أن ذلك لن يؤدي إلا إلى تشويه الحقيقة، وأنه يُشكِّل تهديدًا خطيرًا للديمقراطية الأمريكية.
وبحسب تقرير Chainalysis لعام 2022م، فإن 1% من الأعضاء يسيطرون على 90% من أسهم التصويت في عشر منصات تشفير لامركزية كبيرة. وتُظهِر صناعة التشفير نفس الهيكل الأوليغارشي للتمويل التقليدي. فالعديد منهم مدفوعون لإعادة تأسيس عصر ذهبي جديد من العملات المشفرة، وإلى ما يسمى “دول الشبكة” خارج الدول والأنظمة الديمقراطية واستبدالها.
إن الإنفاق السياسي على العملات المشفرة يُعزّز أصوات بعض الشركات على أصوات المواطنين العاديين. فقد قدَّم عدد صغير للغاية من شركات العملات المشفرة والمديرين التنفيذيين ما يقرب من نصف أموال الشركات المتبرع بها للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024م. ودعمت لجان العمل السياسي المموّلة بالعملات المشفرة، المرشحين المؤيدين للعملات المشفرة في الانتخابات التشريعية.
بالنسبة للعديد من الشباب الأفارقة، تمثل العملات المشفرة أكثر من مجرد استثمار عصري؛ بل إنها شريان حياة للشمول المالي والفرص الاقتصادية. وبعد خطوةٍ أحدثت صدًى واسعًا في المشهد المالي العالمي، كشفت عائلة ترامب عن أحدث مشاريعها في عالم العملات المشفرة (World Liberty Financial (WLF؛ والذي يُعَدّ “ثورة مالية”، ويستهدف إضفاء الطابع الديمقراطي في الوصول إلى العملات المشفرة. وهو ما قد يؤثر بشكل كبير على الشباب الأفارقة. وعلى الرغم من أنه قد يزيد من الاهتمام العالمي بالنظام البيئي للعملات المشفّرة في إفريقيا، ومِن ثَم تسريع التبنّي والاستثمار، إلا أنه يثير المخاوف أيضًا؛ فقد يخلق حواجز جديدة للتجار والمطورين الأفارقة.
وعلى الرغم من مهاجمة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في ولايته الأولى قطاع الكريبتو، واعتبر البيتكوين عملة تجار المخدرات، وتبعه الرئيس بايدن في ذلك. حضر ترامب أثناء حملته الانتخابية 2024م مؤتمر البيتكوين الأخير، وكان نجم حفل البيتكوين الأول، وبلغت قيمة حصيلته من العملات المشفرة 6.6 مليون دولار منها 2.6 مليون لعملة أسَّسها بنفسه تحمل اسمه.
ومع استيقاظ العالم على أنباء فوزه تفاعلت العملات الإفريقية. فمثلاً انخفض الراند بنسبة 1.83%، ثم استرد بعض خسائره، في حين انخفضت النيرة بنسبة 0.89%، والفرنك الإفريقي بنسبة 1.73%. في حين بلغ الدولار أعلى مستوى له في ثماني سنوات.
وبغضّ النظر عن الطريقة التي تتغيَّر بها صناعة العملات المشفَّرة تحت حكم ترامب، هناك شيء واحد يبدو مؤكدًا: لقد عزَّزت الانتخابات مكانة أسواق العملات المشفرة، وأصبحت الآن قانونية بشكل أساسي في الولايات المتحدة، مما يُمثّل نقطة تحوُّل رئيسية لهذه الصناعة. التعديلات الصديقة للعملات المشفرة لديها القدرة على دفع القيمة السوقية الإجمالية لسوق العملات المشفرة إلى 10 تريليونات دولار بحلول نهاية عام 2026م، وهي قفزة كبيرة من المستوى الحالي البالغ 2.5 تريليون دولار. وقد يصل سعر البيتكوين إلى 200 ألف دولار بحلول نهاية العام المقبل.
وبالفعل ارتفعت قيمة البيتكوين إلى أعلى مستوًى لها على الإطلاق عند نحو 80 ألف دولار، وذلك بفضل دعم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للأصول الرقمية وإمكانية وجود مُشرّعين مؤيدين للعملات المشفّرة في الكونجرس؛ حيث ارتفعت بنسبة 4.3% إلى 79771 عقب إعلان فوزه، كما ارتفعت أيضًا عملات أصغر مثل كاردانو ودوجكوين.
وفي منطقة جنوب الصحراء كانت إفريقيا الوسطى ثاني دولة في العالم تقبل عملة البيتكوين كعملة قانونية. وبعد مرور عام تراجعت لأسباب عديدة، بما في ذلك عدم توفر الإنترنت؛ حيث كان الفرنك الإفريقي عملة مهيمنة منذ نهاية الحكم الاستعماري الفرنسي. وعلى الرغم من مزاعم أن هذه العملة سهَّلت التجارة بشكل أفضل بين دول غرب إفريقيا، مما أدَّى إلى زيادة الاستقرار مقارنةً بالعملات الإفريقية الأخرى؛ إلا أن تلك البلدان لم تتقدم إلى ما هو أبعد من كونها مجرد مُصدّر للمواد الخام؛ حيث ينظر المراقبون إلى الفرنك الإفريقي باعتباره آلية لنقل الثروة إلى فرنسا. وتم قمع أيّ محاولات للانتقال إلى شيء مثل البيتكوين.([7])
وقال رئيس إفريقيا الوسطى والذي يحمل درجة الدكتوراه في الرياضيات: إن تبنّي البيتكوين من شأنه أن “يُحسِّن ظروف المواطنين، ويضع الدولة على خريطة الدول الأكثر جرأة ورؤية في العالم”.
وعلى الرغم من تحذير أنصار العملات الورقية من أن تبنّي البيتكوين قد يُفسد العلاقات مع المؤسسات الدولية، فضلاً عن تسهيل غسيل الأموال والتهرب الضريبي في بلد لا يستطيع 85% من الناس الوصول إلى الإنترنت أو الكهرباء؛ إلا أن خيار الدولة كان يتعلق بالجغرافيا السياسية أكثر من الاقتصاد؛ أو كوسيلة لتقويض الفرنك الإفريقي، حتى لو كان هناك احتمال استخدام البيتكوين من قبل العملاء الروس اللذين يديرون منجم ذهب؛ فقد يسهل عليهم نقل الأموال داخل وخارج البلاد أو تجاوز العقوبات المفروضة بعد غزو روسيا لأوكرانيا. لقد أصبحت العملات المشفرة شائعة للغاية في نيجيريا لدرجة أن البنك المركزي حظرها فقط لإطلاق أول عملة رقمية في إفريقيا: eNaira.
لكن ينظر آخرون إلى تداعيات انقلاب زيمبابوي؛ حيث ارتفع سعر البيتكوين مع ارتفاع الطلب على العملة؛ حيث تُظهر الديناميكية قيمة العملات المشفّرة في أوقات عدم الاستقرار السياسي وتنذر بتغيير في كيفية حماية النخبة في إفريقيا لأصولها ونقلها للخارج، وهو ما قد يكون له عواقب لا حصر لها على اقتصادات المنطقة.
ثانيًا: سوق العملات المشفّرة في إفريقيا جنوب الصحراء
على الرغم من أن القارة الإفريقية لا تتلقى سوى 2% من القيمة العالمية لجميع العملات المشفرة؛ إلا إن نموّها السريع سيُحْدِث تحولاً في التمويل. وقد وجد تقرير حديث صادر عن Chainalysis، وهي منصة بيانات blockchain، أنه بين يوليو 2020م ويونيو 2021م، تلقى الأفارقة مدفوعات بالعملة المشفرة بقيمة 105.6 مليار دولار؛ بزيادة قدرها 1200% عن العام السابق. وصنَّف التقرير كينيا وجنوب إفريقيا ونيجيريا ضمن أفضل 10 دول في استخدام العملات المشفرة.
ولأن منصات العملات المشفرة تتجاوز الخدمات المصرفية التقليدية من خلال تقديم خدمات الإقراض اللامركزية من نظير إلى نظير، فإنها يمكن أن تساعد في تسوية الملعب الاقتصادي وتوسيع خيارات التمويل. وإن العملات المشفّرة في وضع جيد لمعالجة عدد من التحديات الاقتصادية في المنطقة، من تقليص فجوات التمويل لقطاعات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم إلى تسهيل تحويلات الأموال.
وفي الواقع، تشير تقديرات شركة تشين إلى أن ما يصل إلى 562 مليون دولار من مدفوعات التحويلات المالية تم تسهيلها من خلال العملات المشفرة مثل الريبل، من بين 48 مليار دولار تم تحويلها إلى إفريقيا جنوب الصحراء في عام 2019م. كما عملت تلك العملات على تسريع الرهن العقاري بأسعار معقولة.
إن شركة Empowa، وهي شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في موزمبيق، تقوم بهذه الطريقة بتمويل تطوير العقارات السكنية؛ وهي تثبّت مفهوم التمويل اللامركزي، والالتفاف على التعقيدات البيروقراطية التقليدية. وبالمثل، قامت شركة Pezesha -وهي شركة تكنولوجيا مالية كينية تُركّز على تسجيل الائتمان وتأسيس القروض للمؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم- بفتح رأس مال جديد من خلال تحويل مجتمع العملات المشفرة إلى مقرضي المؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم في شرق إفريقيا، وتقديم مجموعة عالمية من المقرضين للاستثمار مباشرة في الشركات الكينية. وقد شهدت زيادة في حجم الأعمال بمقدار ثلاثة أمثال لإحدى محافظ القروض قصيرة الأجل في فترة أربعة أشهر.
ويُتيح هذا المشروع للمقرضين الأجانب إرسال عملة مستقرة بالدولار (نوع من العملات الرقمية المرتبطة ببعض الأصول الخارجية، مثل العملة الورقية أو أصول أخرى مثل الذهب)، وتحويلها إلى شلن كيني، والاستفادة من مرافق تسجيل الائتمان الأخرى لسدّ الفجوة الرأسمالية بين الشركات الصغيرة والمتوسطة والمستثمرين. وقد سهَّلت أكثر من 3751 قرضًا في كينيا و344 في غانا، حتى مارس 2022م. إلا أن العديد من البلدان تجاهلت هذا الابتكار المالي، وفشلت في تقديم إطار تنظيمي أو السماح بالتداول البسيط، ولم توفر له بورصة للتداول. وقد يؤدي ذلك إلى تمويل القطاعات الحيوية ومدفوعات التحويلات المالية في الوقت الذي تحتاج فيه إفريقيا إلى هذه الخيارات أكثر.
والدول التي لديها بورصات للعملات المشفرة، ولكن ليس لديها إطار تنظيمي، هي الكاميرون، وكوت ديفوار، وغانا، ونيجيريا، والسنغال، وجنوب إفريقيا، أما الدول التي تسمح بالتجارة في العملات الرقمية، ولكنها لا توفر التبادل هي بوتسوانا، كينيا، زيمبابوي. وقد أنشأت كينيا مؤخرًا “بيئة تنظيمية” لجمع التمويل الجماعي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وكان نهج كينيا تجاه الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين هو توفير مساحة آمِنَة للإشراف على التقنيات أو الخدمات الناشئة مع إمكانية إفادة الجمهور.
تستحوذ منطقة جنوب الصحراء على حصة ملحوظة تبلغ 9.3% من حجم معاملات العملات المشفرة العالمية، على الرغم من أنها تمتلك أصغر اقتصاد لها بين مناطق العالم وفقًا لتقرير شركة Chainalysis. وفي الفترة ما بين يوليو 2022م ويونيو 2023م، ارتفعت عمليات تبادل العملات الافتراضية داخل المنطقة إلى 117.1 مليار دولار.
وقد اخترقت تلك العملات الأسواق الرئيسية، وأصبحت جزءًا مهمًّا من الحياة اليومية للعديد من السكان. وتحتل نيجيريا المرتبة الثانية في مؤشر تبنّي العملات المشفرة العالمي، وتحتل كينيا (21) وغانا (29) وجنوب إفريقيا (31). وكانت أبرز الملاحظات بشأن منطقة جنوب الصحراء:
- تبنّي واستخدام البيتكوين في منطقة جنوب الصحراء هو الأعلى في العالم.
- يستمر أداء البورصات المحلية في التفوق على البورصات العالمية.
- كانت نيجيريا واحدة من ست دول فقط في العالم؛ حيث نما حجم المعاملات على أساس سنوي بمعدل 9%؛ حيث أدت أزمة النيرة إلى المزيد من تبني العملات المشفرة.
ومن المتوقع أن تصل إيرادات سوق العملات المشفرة في إفريقيا إلى 3.1 مليار دولار في عام 2024م. ومن المتوقع أن يُظهر معدل نمو سنوي بنسبة -3.92٪، مما ينتج عنه إجمالي متوقع قدره 2.9 مليار دولار بحلول عام 2025م.
إقرأ أيضا : هل السياسة الخارجية الأمريكية تفيد إفريقيا أم تُعيق تقدمها؟
وخلال الشهر الأخير من العام الجاري، من المتوقع أن يبلغ متوسط الإيرادات لكل مستخدم في سوق العملات المشفرة 57 دولارًا. وتحقق الولايات المتحدة أعلى الإيرادات؛ حيث بلغت 9788 مليون دولار في عام 2024م. أما بالنسبة لإفريقيا، فمن المتوقع أن يصل عدد المستخدمين في سوق العملات المشفرة إلى 53.89 مليون مستخدم بحلول عام 2025م. ومن المتوقع أن يبلغ معدل انتشار المستخدمين 4.13% في عام 2024م، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 4.05% بحلول عام 2025م. ويتزايد اعتماد العملات المشفرة في إفريقيا بشكل مطّرد؛ حيث تقود دول مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا الطريق من حيث مشاركة المستخدمين ووضع الأطر التنظيمية.
ثالثًا: دوافع تبني العملات المشفرة في إفريقيا
توفر تقنية البلوك تشين سبل استثمار شاملة وبديلاً مقنعًا للأنظمة المالية التقليدية. ويرجع بروزها المتزايد إلى عوامل مختلفة، بما في ذلك فوائدها المتأصلة والجاذبية الطموحة لمستثمري العملات المشفرة الناجحين. وعلاوةً على ذلك، فإن عدم اليقين الاقتصادي ومخاوف التضخم والحاجة إلى معاملات سلسة عبر الحدود تدفع هذا الاتجاه إلى الأمام؛ حيث توفّر كفاءة محسنة في التحويلات الدولية، فضلاً عن تأمين الاقتصادات من خلال اللامركزية وتعزيز الشمول المالي.
ومن المتوقع أن تستفيد المنطقة بشكل كبير من الابتكار في مجال العملات المشفرة. وقد وضعت هذه التوقعات في المقام الأول بناءً على طبيعة سكان إفريقيا وحالات الاستخدام الفريدة للعملات الرقمية في المنطقة؛ وحيث إن سكان إفريقيا هم الأصغر سنًّا في العالم، وهذه التركيبة تخلق أرضًا خصبة لتبنّي أشكال جديدة من التكنولوجيا، مع وجود بيئة مواتية لتكوين عواصم تكنولوجية جديدة مليئة بالبناة والمبتكرين اللازمين لدفع نظام Web3 البيئي إلى الأمام؛ حيث يمكن للعملات المشفرة والابتكارات المرتبطة بها أن تعيد صياغة النظام المالي بأكمله. من المدفوعات الأوسع نطاقًا في القارة، والتي انقسمت حاليًّا إلى التحويلات الخارجية، والمعروفة أيضًا باسم التحويلات المالية، والتي تلعب دورًا كبيرًا في الناتج المحلي الإجمالي للعديد من البلدان الإفريقية، فقد حلت العملات المشفرة مثل Bitcoin والعملات المستقرة مثل (USD Coin USDC) و(Tether (USDT) و(Binance USD BUSD) محل الخدمات المصرفية التقليدية والمنصات مثل Western Union وMoneyGram.
كما أن الطبيعة غير المستقرة للعملات الإفريقية ومستوى التضخم المرتفع يجعلانها بديلاً أفضل لتوفير وتخزين الثروة؛ حيث يصعب على المواطنين الادخار بعملاتهم المحلية والخيارات الأخرى مثل الادخار بالدولار، باهظة الثمن. كما يخلق هذا المشهد فرصًا جديدة لمنطقة تكافح مستويات عالية من البطالة.
عند النظر إلى أهم أسواق العملات المشفرة في إفريقيا. في الوقت الحالي، تتم معظم أنشطة العملات المشفرة من خلال قنوات مركزية مثل البورصات. والطبيعة الصعبة العامة لجمع البيانات المتعلقة بالتكنولوجيا، تجعل من الصعب التوصل إلى إجماع بشأن أسواقها الرئيسية. غير أن بيانات Triple-A تضع نيجيريا في صدارة الدول التي تمتلك أكبر عدد من العملات المشفرة، تليها كينيا، وجنوب إفريقيا، ومصر. ووفقًا لـ CoinGecko، فإن الدول الأكثر اهتمامًا بالعملات المشفرة في عام 2023م في القارة الإفريقية تشمل نيجيريا وجنوب إفريقيا والمغرب وغانا. وفي تقرير أكثر شمولاً حول البلدان الأكثر فضولاً بشأن العملات المشفرة، احتلت نيجيريا المرتبة الأولى، بينما احتلت كينيا المرتبة الخامسة عشرة.
كما تتوسع العملات المشفرة بسرعة في جميع أنحاء إفريقيا، مما يوفّر تحوطًا ضد التقلبات الاقتصادية، ويعزز الدعم التشريعي لتنشيط سوقها الناشئة.
وقد يساعد الوضوح التنظيمي الذي توفّره موجة التشريعات الأخيرة على نمو صناعة العملات المشفرة المحلية في إفريقيا. وقد صدرت العديد من أهم لوائح العملات المشفرة التي سنَّتها أكبر دول إفريقيا في أوائل عام 2023م؛ حيث تعمل السوق فوق الأرض وبصورة رسمية، وهناك تفاعل أكثر إنتاجية بين الجهات التنظيمية والبورصات. كما أن سلامة المستهلك التي تُوفّرها اللوائح، والثقة التي تمنحها للمستهلكين، وقدرة شركات التشفير المحلية على الامتثال لهذه اللوائح قد تكون جزءًا من سبب تفوُّق البورصات الإفريقية المحلية على المنافسين الدوليين في النمو داخل المنطقة منذ أوائل عام 2023م.
رابعًا: المخاوف والتحديات وحلولها
ولكن لا تزال هناك تحديات كبرى بعد الفضيحة المتعلقة بالعملات المشفرة أدَّت إلى زيادة مستويات التشكك في الأصول الرقمية. بدأت محاكمة قطب العملات المشفرة سام بانكمان فريد في نيويورك بتهمة الاحتيال الإلكتروني فيما يتعلق بانهيار بورصة العملات المشفرة FTX في نوفمبر الثاني 2022م. وإن انهيار FTX، على سبيل المثال، أثَّر بشكل كبير على نظام العملات المشفرة والتكنولوجيا المالية في إفريقيا، فلقد تم ارتكاب العديد من عمليات الاحتيال باسم العملات المشفرة في إفريقيا، وقد تفاقم هذا الأمر بسبب ذلك. ولكن يتم حل هذه المشكلة من خلال مبادرات التطبيع الشعبي مع العملات المشفرة والبلوك تشين، وتعليم الناس كيفية إدارة هذه الصناعة الناشئة.
وتستعد إفريقيا لتشديد التنظيمات والقواعد المنظِّمة لهذا المجال، مع بدء الحكومات في الانتباه إلى هذه التقنية الناشئة، وكيف ستعطل الأنظمة المالية التقليدية؛ “لقد أدَّت التشريعات الحكومية، مثل ضريبة الأصول الرقمية المقترحة في قانون الإدارة المالية في كينيا، والمقترحات التنظيمية التقدمية في ناميبيا وموريشيوس، إلى إضفاء الشرعية على الأصول الرقمية وإثبات صحتها، مما شجَّع المزيد من الناس على تبنّيها. ومع ذلك، فإن معظم الحكومات الإفريقية لا تدرك كيفية القيام بذلك. وللتغلب على هذه المشكلة، فإن إفريقيا تحتاج إلى محادثات وتعاون بين المشرّعين وأصحاب المصلحة في تقنية العملات الرقمية والبلوك تشين
خاتمة:
يتشكل عهد جديد للعملات المشفرة بعد فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية جديدة، وهو ما يُعدّ انقلابًا عن مواقف سابقة له. وبرغم الفضائح التي لحقت بكبار أباطرة القطاع وواحد من أكبر أسواقها، إلا أنه قرر مَن سيحكم العالم الآن وطريقة حُكمه. وعلى البلدان الإفريقية أن تعي ذلك. وحتى لو كان معدل تبنّي العملات المشفرة في القارة مرتفعًا؛ إلا أنه لا تزال البنية التنظيمية والوصول إلى الإنترنت في أدنى مستوياتها مقارنة بمناطق العالم الأخرى. ولكن يمكن الاستفادة من هذا التطور في التغلب على معضلات التضخم والتمويل وغيرها؛ إن أحسنت القارة وضع إطار سليم لتنظيم قطاع العملات الرقمية والبلوك تشين والرقابة عليه.