أمريكا تقول إنها لن تسمح بأن تكون سوريا أرضا خصبة للإرهاب. روسيا تكشف عن سبب انهيار الجيش السورى أمام الفصائل الإرهابية المسلحة. أمريكا تؤكد على محاسبة المسئولين عن المقابر الجماعية فى سوريا. بريطانيا تتخوف من عودة الدواعش حاملى الجنسية البريطانية قادمين من سوريا بعد انتهاء دورهم. فرنسا تطالب بالحفاظ على الشركاء الأكراد فى شمال شرق سوريا.
إسرائيل تتوغل فى العمق السورى. نتنياهو يؤكد أن الوجود الإسرائيلى فى سوريا مستمر لحين ضمان أمن إسرائيل. وفود أوروبية إلى سوريا لرسم ملامح ومعالم سوريا بعد سقوط الأسد. تركيا تكثف وجودها العسكرى والسياسى فى العمق السورى. اتهامات لتركيا بمواصلة هجومها العسكرى على شمال سوريا. أمريكا تعلن تمديد وقف إطلاق النار بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية. إيران تحذر من انتقال حالة انعدام الأمن فى سوريا إلى العراق. العراق يعمل على إعادة الجنود السوريين الفارين إلى سوريا. تظاهر جنود سوريين فروا إلى العراق فى شوارع بغداد.
لا موطئ قدم واحدة للمعارضة السورية «غير المسلحة» فى سوريا «الجديدة»، حتى الآن. من روائع الخداع الذهنى ألا ترتعد أوصالك أو تنتابك شكوك أو تهيمن عليك الدهشة حين تسمع عبارة «المعارضة المسلحة». حتى القانون الدولى احتار فى شأنها. المعارضة تكون سياسية، وحين لا تؤتى ثمارها، قد ترفع السلاح، وهنا تتحول إلى مقاومة أو تمرد أو ميليشيا.
اقرأ أيضا.. الإصلاح السياسي الصعب في مصر
ومن نكد الدنيا على المنطقة أن ينخرط البعض فى خلافات عميقة، ويتم التراشق باتهامات مريعة حول إذا ما كان الفكر الجهادى المتطرف المسلح أفضل أم أسوأ لسوريا من نظام قمعى ديكتاتورى. ويتفاقم النكد حين يجد الفريق المناهض لحكم تنظيم القاعدة لدولة عربية مجاورة نفسه موضوعاً فى خانة الاتهام بالخنوع والخيانة من قبل الأحرار والثوريين والليبراليين الذين يرون فى أى نظام آخر غير نظام الأسد ما هو أفضل لسوريا.
المضحك، ولكنه ضحك البكاء، أن «نمسك فى خناق بعضنا» بينما نقارن بين حكم جماعة متطرفة مسلحة موضوعة على رأس قوائم الإرهاب، وبين نظام الأسد، بينما إسرائيل المتوغلة فى الأراضى السورية، وقوى العالم تحدد مصيرها، وتركيا تستعد لاستعادة الحلم، وإيران تلملم جراحها وتأمل فى اللحاق ولو بقضمة الكعكة.
نمسك فى خناق بعض بينما إسرائيل تجنى ثمار السابع من أكتوبر دون هوادة. تهيمن، وتفرض سطوتها، وتبسط إرادتها على ما تبقى من فلسطين والفلسطينيين. فى تلك الأثناء أيضاً تتقهقر وتترنح أخبار غزة والضفة فى نشرات الأخبار، ولا تجد مكاناً أو مكانة على الشريط الخبرى العاجل. إنها سوريا وكعكة سوريا ومصائر السوريين التى يجرى تحديدها فى ضوء ما سبق من عناوين أخبار.
مثل تلك العناوين التى تتعامل مع قرارات أمريكا، وتحركات تركيا، وتفسيرات روسيا، ونوايا إيران وغيرها من قوى العالم ودوله فى مصير سوريا باعتبارها أخباراً عادية ما زالت قادرة على إصابة قلة قليلة من المحتفظين بعقولهم بدهشة صادمة.
كيف تمكنت هذه الجموع الغفيرة من التغافل عن رؤية تأثير الدومينو؟! طوفان الأقصى، دك غزة، خنق أوردة ومفاصل الضفة، تفكيك حزب الله وجنوب لبنان وما تيسر فى الداخل اللبنانى، تحطم طائرة الرئيس الإيرانى، مناوشات طفولية بين إيران وإسرائيل، ترحيب إسرائيلى بسقوط النظام السورى وترحيب مكتوم بنظام هيئة تحرير الشام، تصريحات متواترة لقادة الهيئة، جميعها يؤكد حل الجيش السورى وإلغاء التجنيد الإلزامى وعدم شن هجمات على إسرائيل والسعى إلى السلام والوئام، هرولة تركيا نحو الداخل السورى، والبقية تأتى، وستأتى!
المسألة ليست أمانى وأغانى. بالطبع نتمنى السلامة لسوريا وأهلها، لكن حين تخبرنا العملية الحسابية البسيطة أن واحداً زائد واحد لا يمكن أن يكون مجموعهما 50 أو 70 بأى حال من الأحوال، فإن الأمانى والآمال لا تجدى كثيراً.
هناك أمراض مزمنة لا علاج شافياً لها. قد تنجح التدخلات، الجراحية أو الدوائية فى تخفيف الآثار أو تمويه الأعراض، لكنها لا تشفى. واعتناق الفكر المتطرف بدرجاته مثله مثل الأمراض المزمنة. يخفت قليلاً، يتراجع بعض الشىء، لكنه يتمكن تمكن «القراض» من القلب.
القلب لمصر والعين عليها. أسقطنا حكم الجماعة فى عام 2013، وتبقى الذيول تلعب وتحاول إعادة بناء نفسها. نجحنا فى اجتياز حواجز مريعة ورهيبة، لكن وبدون زعل، وقف الخطاب الدينى محلك سر. مقاومة التجديد شديدة، والممانعة فى التطهير والتنقيح عاتية.
دعوات ومطالبات الرئيس السيسى للتجديد والتنقية تكررت كثيراً. رؤى العين تؤكد أن الشارع يتحول نحو السلفية بخطى وثيقة واثقة. صحيح أن التحول منزوع الفكر، لكنه غارق فى التشدد والرجعية والانغلاق والانقياد لكل من قال «قال الله» و«قال الرسول»، لا من أعلى المنابر، ولكن من أسفلها.
حائط الصد المصرى وطنى وعظيم، لكن الثغرات الثقافية والفجوات الفكرية والجحور المسمومة ترتع، ولا تحتاج مواجهة أمنية، بل ثقافية ورياضية وتعبيرية وسياسية، اللهم بلغت، اللهم فاشهد.