سوريا تحت القصف
منذ إباحة النظام قتل المدنيين وقصف المدن والقرى فقد شرعيته أمام السوريين، وأمام المجتمع الدولي
فقد النظام شرعيته مع أول صاروخ أطلقه على السوريين، وصار القصف على سوريا متاحًا لكل راغب، وتحولت سوريا إلى ميدان يجرب فيه الآخرون أسلحتهم فوق السوريين أسوة بنظام الأسد.
منذ إباحة النظام قتل المدنيين وقصف المدن والقرى فقد شرعيته أمام السوريين، وأمام المجتمع الدولي، وصارت سوريا كلها متاحة للقصف إذ لا يستطيع النظام الادعاء بأنه يدافع عن السوريين، ولا عن الأراضي السورية، فهو أول من قتل مئات الألوف، وحول مدنًا كبيرة وصغيرة إلى خرائب، وهجر نصف السكان من بيوتهم ومن بلدهم ما جعل موقفه غريبًا عندما يدّعي الدفاع عن السوريين وعن الأراضي السورية.
وحدها الزلازل جاءت قبل عام من اليوم ودمرت مناطق في سوريا لمرة واحدة، قتلت، وجرحت، وهجرت من السوريين ما شاءت، أما بقية الجهات الدولية والمحلية فلا تزال مستمرة في القصف على السوريين، ولا تفرق بينهم سواء كانوا معارضين لنظام الأسد أو موالين له، فالقصف بكل أشكاله ممتد من مخيمات اللاجئين في الشمال السوري مرورًا بالبوكمال إلى حي المزة في دمشق وصولًا إلى السيدة زينب ودرعا والسويداء.
ومثل بطاقات الاشتراك الشهرية والسنوية التي يستخدمها المشتركون في شركات النقل، أو المشتركون على المواقع الإلكترونية، فإن الإيرانيين مع أتباعهم، والروس، والإسرائيليين، لديهم بطاقات اشتراك للقصف شبه دائمة، أما الأمريكيون والأتراك فيستخدمون القصف بشكل متباعد، ولا يزال الأردن جديدًا في أعمال القصف ولم تتشكل بعد آلية قصفه على الجنوب السوري بشكل واضح.
لا يبالي أي من الأطراف القاصفة بالمدنيين السوريين، ولا بحالتهم، حتى ولو كانوا في مخيمات بائسة، بل لقد أدمن الروس قصف المخيمات، وصار ولعهم الرئيس قصف المدارس والأسواق كنوع من التدريبات للجيش الروسي قبل الحرب على أوكرانيا وفي أثنائها بما في ذلك استخدام الغازات الكيماوية التي يهدد بأمثالها من أسلحة الدمار الشامل نائب رئيس الأمن القومي الروسي ميدفيديف بشكل دائم!
يقصف الأمريكيون مواقع إيرانية في سوريا، وتقصف الميليشيات العراقية مواقع أمريكية في سوريا، وقد حصل خروج عن قواعد اللعبة الأسبوع الماضي عندما تم قصف القوات الأمريكية قرب “البرج 22” وقتل ثلاثة جنود أمريكيين، وأثار القصف ضجة إعلامية كبيرة، ولو أن هذا القصف وقع على جنود أو مدنيين سوريين فلن تهتم المواقع ووكالات الأنباء بما هو مكرر على رؤوس السوريين بشكل يومي من قبل قوات النظام وميليشياته، ومن قبل كل الأطراف المشتركة في حفلات القصف على سوريا.
يستخدم القاصفون أسلحة حديثة تكلفتها ملايين الدولارات، وتقتل سوريين يحلمون بربطة خبز، وبليتر مازوت للتدفئة، ويعاني من بقي منهم على قيد الحياة من التشليح على الحواجز، أو من ضغوط الميليشيات وباعة “الكبتاجون”، أو من مدّعي التدين الذين يهددونهم دائمًا بدخول جهنم وكأنها مكان أكثر سوءًا من سوريا اليوم!
يتلقى السوريون أخبار قصف بلادهم من وكالات الأنباء ومن شاشات التلفزة وشبكات التواصل الاجتماعي كخبر شبه يومي، ونادرًا ما يسمعون تحليلات القوى المتصارعة وأهدافها الجيوسياسية والتنبؤات الجيواستراتيجية وكل هذا الهراء لا يعني لهم إلا تبرير الموت المستدام للسوريين من قبل القوى القاصفة بكل أشكالها، وبكل قومياتها، وبكل أديانها، وبكل أنواع القذائف التي تستخدمها، فسوريا تحولت إلى ميدان للرمي أسسه نظام الأسد وأتاحه لكل راغب بتجريب أسلحته فيها.
يتفرج مؤيدو النظام على القصف الروسي والإيراني وتوابعه بشغف، وينتشون وهم يستمعون إلى وكالة “سانا” وهي تزف لهم قتل المزيد من الإرهابيين القابعين في مخيمات الشمال السوري أو أينما كانوا.
ويتفرج المعارضون بأسى على تدمير مطار “دمشق الدولي”، ومطار “حلب”، وعلى ضواحي دمشق، وعلى السويداء، وعلى درعا، وعلى قصف بلدات الفرات التي احتلها الإيرانيون، أو على حقول البترول التي استولت عليها القوات الأمريكية وأوكلت إدارتها لأنصار حزب “العمال الكردستاني” من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وستجد كثيرًا من السوريين الذين ينددون بهذا القصف ويفرحون لذاك، ولكن كل القذائف ومعظم القتلى هم من السوريين، وكل وكالات الأنباء تعنون القصف الجديد باسم سوريا، وتعرض بعد العناوين خريطة سوريا المرقطة بألوان الاحتلالات المختلفة الأشكال.
يتسابق العرب من أجل شرعنة نظام الأسد وقصفه للسوريين علّهم يستطيعون استبعاد الزحف الإيراني إلى بلدانهم، وتعرض تركيا محو الماضي مع نظام الأسد من أجل الاحتفاظ بإدارة الأجزاء التي تشرف عليها في شمالي وشرقي سوريا، وتعرض “قسد” التفاوض مع النظام من أجل وقف القصف التركي عليها، ويشجعها الأمريكيون على ذلك علّهم يتخلصون من النفوذ الإيراني في سوريا، فالجميع متفقون على إعادة الشرعية لنظام الأسد في حال استجاب لهذا المطلب أو ذاك، وحدهم الإيرانيون والروس يتشبثون برقبة النظام الطويلة ويدعون الأطراف إلى التفاوض معهم مباشرة وليس مع النظام.
إذا فتحت التلفزيون في الصباح فستجد خبرًا جديدًا عن القصف في سوريا، أو ستجد محللًا يشرح أبعاد القصف الذي حدث قبل يوم أو أكثر ونتائجه، ويقدّر مدى تأثير هذا القصف على النظام، ولا يلقي بالًا للسوريين وخسائرهم في الأرواح والبيوت والخيام، ولا يهتم أبدًا بتأثير القصف على مستقبل السوريين، ولا على بلدهم الذي لا يزال تحت القصف من مختلف الدول والميليشيات حتى هذه الساعة!