سديه تيمان.. معتقل فجّر أزمة تحاول إسرائيل الإفلات من عواقبها
فجّر اسم معسكر الاعتقال الإسرائيلي “سديه تيمان” أزمة سياسية كبرى، لا تزال مستمرة حتى اليوم في إسرائيل، لا سيما بعد الكشف عن جرائم وانتهاكات ضد المعتقلين الفلسطينيين.
وجاءت ضربة البداية بعد اعتقال الشرطة العسكرية 10 من حرّاس المعتقل بتهمة اغتصاب جماعي لأسير فلسطيني وتعذيبه، ما أدى إلى إدخاله المستشفى مصابا بكسور في الأضلاع وتمزق في الشرج والمستقيم والرئتين.
ووصفت منظمات حقوقية إسرائيلية، معتقل سديه تيمان بأنه “جحيم على الأرض” تُرتكب فيه “جرائم مروعة”، فيما شبهه بعض الإسرائيليين بسجون أبو غريب وغوانتانامو ومعسكرات الاعتقال النازي.
ومن جهة أخرى، عبّر آلاف الإسرائيليين ونواب في الكنيست وعدد من الوزراء عن دعمهم للسجانين المتهمين بالاغتصاب، واقتحم العشرات منهم قاعدتين عسكريتين في يوم واحد، وذلك للمطالبة بالإفراج عنهم وتكريمهم.
وطالب الوزير عميحاي شيكلي ورئيس لجنة الدستور، سيمحا روثمان، الخميس الماضي، “مناقشة عاجلة”، زعما فيها أن “التحقيقات أصبحت وقودا لمعاداة السامية ومعاداة إسرائيل”، وفقا لصحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية.
بين هذين الفريقين، وجدت الدولة العبرية استراتيجية جديدة بين إدانة ما يجري في معسكر، سديه تيمان، أو الدفاع عنه، حيث تقوم الاستراتيجية على إنكار كل ما يحدث هناك بشكل مطلق.
فيما تحدث البعض عن كيفية إخفاء إسرائيل جحيم سديه تيمان.. وهل تنجح المنظمات الحقوقية الإسرائيلية في إقناع المحكمة العليا بإغلاق المعتقل.
سديه تيمان هو في الأصل قاعدة عسكرية للسلاح الجوي الإسرائيلي، جرى تحويلها بعد الـ7 من أكتوبر لمعسكر اعتقال مؤقت للفلسطينيين، وجميع من يتم نقلهم لسديه تيمان هم من المدنيين الذين لم تتم إدانتهم أو توجيه أي تهم لهم أو محاكمتهم.
تبدأ القصة المأساوية، باعتقال الجيش الإسرائيلي جميع الرجال الأحياء من سن 15 عاما وحتى العجائز في أي منطقة سكنية يجتاحها وإجبارهم على التجرد من ملابسهم وتصويرهم.
بعدها، يجري استجوابهم بشكل أولي في مراكز تجمع القوات الإسرائيلية وقواعده العسكرية داخل غزة، وفي العادة تكون القواعد هي مدارس قام الجيش الإسرائيلي بالسيطرة عليها وتحويلها إلى ثكنات عسكرية.
ويجري نقل المعتقلين لسديه تيمان بالشاحنات العسكرية وهم معصوبو الأعين ومقيدو الأرجل والأيدي ويقوم الجنود بالاعتداء عليهم طوال الطريق حتى وصولهم للقاعدة العسكرية.
ويجري فرزهم على أقفاص حديدية ويجبرون على الجلوس على الأرض طوال اليوم، وعدم الحديث أو التحرك أو رفع العصبة عن أعينهم، ويبقون على تلك الوضعية حتى موعد النوم على الأرض في الصحراء شديدة البرودة ليلاً، عالية الحرارة نهاراً.
بعض الأسرى يجري إجبارهم على ارتداء حفاضات، ويمنع الأسرى من الاستحمام لأسابيع طويلة ويحصلون على أقل من الفتات الذي يحول دون موتهم.
ويختلف معسكر سديه تيمان عن السجون الإسرائيلية العادية في كونه يجري تشغيله على يد الجيش، وجميع السجانين من الجنود والاحتياط، بينما في السجون النظامية يكون السجانون من الشرطة ومن إدارة مصلحة السجون.
ويمارس الجنود والضباط شتى أنواع التعذيب والضرب والاغتصاب ضد الأسرى على مدار الساعة، وقد قتل في السجن أكثر من 36 أسيرا.
الاثنين الماضي، تم الإعلان عن مقتل الأسير عمر جنيد داخل سديه تيمان بعد 8 أشهر على اعتقاله في شهر ديسمبر الماضي.
بعض الأسرى يصلون لسديه تيمان وهم مصابون بأعيرة نارية أو شظايا صواريخ وقذائف أو من الضرب والتعذيب، ويجري علاجهم عادةً داخل عيادة في القاعدة العسكرية نفسها يسميها الأطباء “جنة المتدربين”، لأن الكوادر الطبية فيها يقومون بتعذيب المرضى واستخدامهم للتجارب وإجراء عمليات جراحية عليهم دون تخدير وإهانتهم، حسب ما كشف تحقيق لشبكة “سي إن إن”.
وتقر إسرائيل بأنها اعتقلت أكثر من 14,500 فلسطيني في سديه تيمان خلال 10 أشهر، بعض الأسرى يتم الإفراج عنهم بعد أشهر وبعضهم ما زال هناك وبعضهم يتم تحويله لسجون نظامية إذا اعترف تحت التعذيب بأنه توجد أي صلة بينه وبين أي فصيل فلسطيني مسلح في غزة.
ويجري استعمال سديه تيمان لتخزين جثث فلسطينيين استولى عليها الجيش الإسرائيلي خلال الحرب، سواء أشخاص قتلهم أو جثث من قبور تم نبشها، حيث توجد حاويات كاملة مليئة بجثث الفلسطينيين القتلى.
محاولة تصوير سديه تيمان كمنتجع
ولأشهر طويلة تمارس الحكومة الإسرائيلية التعتيم على سديه تيمان، إلى أن بدأت بعض الصحف الغربية بالتطرق لما يحدث، وبدأ بعض الجنود تسريب تفاصيل عن طبيعة الحياة في المعتقل.
وقامت منظمات حقوقية إسرائيلية باستعمال تلك التقارير لرفع قضية أمام المحكمة العليا الإسرائيلية لإغلاق المعسكر.
وفي دفاعه أمام المحكمة العليا، زعم ممثل الحكومة الإسرائيلية، أن “سديه تيمان” يحوي حالياً فقط 28 أسيرا فلسطينيا وأن واحدا منهم فقط يتلقى العناية في المستشفى.
هذا الرقم غير المعقول مقابل الصور المسربة من المعتقل التي تظهر تكدس الأسرى قد يكون سره أن الحكومة تعترف فقط بالأسرى الذين تنوي توجيه تهم لهم، بينما تعتبر باقي المعتقلين محبوسين احتياطياً لدوافع أمنية أو قيد الاستجواب وبذلك تخفي عددهم الكامل.
ما أثار السخرية أن مزاعم الحكومة تلك صدرت في اليوم، الذي قامت فيه أكبر منظمة حقوقية إسرائيلية بتسليم تقريرها عن الجرائم الممنهجة في سديه تيمان وباقي السجون الإسرائيلية حمل عنوان “أهلاً بك في الجحيم”.
وتزعم إسرائيل أيضاً أن السجناء يحصلون على 3 وجبات طعام يومياً على الرغم من أن شهادات معتقلي سديه تيمان جميعها تشير إلى أنه يجري تجويع المعتقلين لحافة الموت.
وتزعم الحكومة الإسرائيلية، أيضاً أنه تمنح المعتقلين وصولاً لصنابير المياه وأنها تقوم بتصوير ظروف الاعتقال 24 ساعة يومياً وأن المنشأة تدار “وفقاً للقانون”.
وحول تقييد أيدي وأرجل المعتقلين وعصب أعينهم، كان تبرير الدولة أمام المحكمة أن ذلك “إجراء احترازي” يتم تنفيذه “وفقًا لتقييم المخاطر الأمنية الفردية لمسؤولي الأمن في ما يتعلق بكل معتقل محتجز”.
وتقر الحكومة أنها تعتبر أي شخص يجري اعتقاله في غزة على أنه “بمستوى عالٍ جداً من الخطورة كقاعدة عامة”، ما يعني أن الجميع يخضع للتقييد.
ولقطع الطريق أمام المطالبات الحقوقية بإغلاق معتقل سديه تيمان، زعمت الحكومة أنها ستحول معسكر التعذيب والاعتقال ذاك لسجن رسمي دائم في غضون شهر وأنها ستقوم ببناء منشأتين جديدتين فيه ومكان لـ786 سجينا جديدا.
وزعمت إسرائيل أيضاً أنها ستقوم بمنح المعتقلين الوصول للماء الساخن 3 مرات أسبوعياً لـ 10 دقائق كحد أقصى، وستسمح للمعتقلين بالمشي في الفناء في فترات معينة بدلاً من إجبارهم على الجلوس طوال اليوم وستمنحهم وقتاً للصلاة.
ولكن الحكومة أصرت على استمرار تقييد كل معتقل وتعصيب عينيه “حتى يتم التأكد من خطورته” وإخضاع المعتقلين لتحقيق خلال 96 ساعة من الاعتقال.
أعمال تعذيب واغتصاب
رواية الحكومة الإسرائيلية الوردية عن ظروف الاحتجاز في معتقل سديه تيمان تقابلها شهادات عشرات ومئات المعتقلين الذين خرجوا بأجساد نحيلة للغاية وتظهر عليهم علامات التعذيب بشكل واضح.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز”، إن أحد كبار الممرضين في غزة تعرض للاغتصاب بعصا حديدية مثبتة على الأرض أمرت ضابطة جنديين بإجلاسه عليها بالقوة.
وأضافت الصحيفة الأمريكية، أن موظفاً للأمم المتحدة للأونروا تعرض أيضاً للاغتصاب في سديه تيمان بقضيب حديدي ساخن، بينما نقلت الصحيفة عن ذلك الموظف قوله إن أسيراً آخر قتله الجنود عبر اغتصابه بعصا كهربائية.
ونقلت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، عن أحد مراسليها أنه عند مجرد الدخول لقاعدة سديه تيمان، يلاحظ الزائر رائحة قوية للغاية لجراح المعتقلين التي أصابها العفن من الإهمال ولا تخطئ الآذان صوت همسات الأسرى لأنفسهم نظراً لحرمانهم من التحدث مع بعضهم البعض.
أما صحيفة “هآرتس”، فقالت إن الأطباء في معسكر تعذيب سديه تيمان يقومون ببتر أطراف الأسرى “بشكل روتيني” نظراً لتفاقم إصابتهم جراء تقييد أيديهم وأرجلهم طوال الوقت.
الإبلاغ عن الاغتصاب بالخطأ
وفي السياق، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال”، إن قضية الاغتصاب الجماعي للأسير التي أدت لاعتقال واستجواب 10 سجانين تم اكتشافها فقط بمحض الصدفة لمجرد أن الأسير كان في حالة صعبة وجرى نقله لمستشفى مدني نظراً لتدهور حالته الصحية.
هذا يعني أنه إذا جرى علاج الأسير داخل عيادة معسكر الاعتقال، لما خرجت قصته للعلن، وهو ما ينذر بأن هناك العشرات من القصص المشابهة التي لم يسلط عليها الضوء بعد.
حتى الطبيب الذي قام بالإبلاغ عن الاغتصاب الجماعي، قام بذلك فقط ظناً منه بأن من قاموا بتلك الجريمة هم السجناء الآخرون في القاعدة العسكرية وليس الجنود، على الرغم من أن الأسرى مقيدو الأيدي والأرجل ومعصوبو الأعين طوال اليوم.
وقال الطبيب يوؤيل دونشين، إنه لم يكن يتصور البتة أن يقدم جندي إسرائيلي على هذا الفعل، وقام بإلقاء اللوم على الأسرى الفلسطينيين.
وأضافت الصحيفة، أن بعض المحللين ومحامي حقوق الإنسان يرون بأن الجيش الإسرائيلي قام بملاحقة تلك القضية الوحيدة لحماية قادة الحكومة والجيش والجنود من الملاحقة القانونية من قبل محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
وتعمل محكمة لاهاي بمبدأ “التكاملية” الذي يمنعها من التدخل وإجراء تحقيق في بلد ديمقراطي ذي نظام قضائي مستقل إذا تعهد ذلك البلد بأن يقوم بالتحقيق بنفسه.
لذلك يزعم الجيش الإسرائيلي احترامه للقضاء، قائلا “لدينا نظام قضائي مستقل في البلاد، وهناك مكتب ادعاء عسكري يلتزم بالقانون الإسرائيلي والدولي”، وتمثل تلك محاولة للتحايل على محكمة لاهاي التي قام مدعيها العام بطلب إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير دفاعه يؤاف غالانت.