منذ أن أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس تكليف ستيفاني خوري نائبة لرئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بدأت المقارنة في الشارع السياسي الليبي ما بين ستيفاني ويليامز المبعوثة الأممية السابقة وستيفاني خوري المكلفة حديثاً بمنصب نائب المبعوث الأممي خلفاً للزيمبابوي زينينغا الذي أنهى عمله في ليبيا، ومع استقالة باتيلي أصبحت الطريق مفتوحة أمام ستيفاني خوري لتولي رئاسة البعثة الأممية في ليبيا بالإنابة، حيث من المتوقع أن تستلم خوري مهمتها في رئاسة البعثة في منتصف مايو بعد مغادرة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي الذي قدم استقالتة في 16 أبريل الماضي.
وصل باتيلي إلى طريق مسدود بعد قرابة ثمانية عشر شهراً من المفاوضات والمشاورات مع الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي الليبي، عقد باتيلي العديد من اللقاءات والجولات المكوكية ما بين العواصم الإقليمية والدولية، ولم يتحصل على دعم حقيقي لمسار الطاولة الخماسية.
وهو ثالث مبعوث أممي يقدم استقالته وهذا يعطي مؤشراً واضحاً على حجم الصعوبات والضغوطات التي يواجهها المبعوثون الأممون إلى ليبيا. استقال غسان سلامة في مارس 2020، بعد شعوره بخذلان المجتمع الدولي، وغادر السلوفاكي كوبيتش بعد سنة من تكليفة برئاسة البعثة نتيجة فشل الاستحقاق الانتخابي في 24 ديسمبر 2021، وأوضح كوبيتش «أن غالبية الشعب الليبي يرغب في الانتخابات، وإن استمرار التنافس السياسي الشرس يخلق لديهم مخاوف من المجهول»
القادمة الجديدة لاستلام مفاتيح البعثة الأممية في البالم ستي الأميركية من أصل لبناني ستيفاني خوري وهي المبعوث العاشر الذي يتولى رئاسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بداية من الأردني عبدالإله الخطيب سنة 2011 وصولاً إلى عبدالله باتيلي، هذه المهمة الشاقة في ظل تفاقم الانسداد السياسي واستمرار انقسام السلطة التنفيذية مع الأوضاع المتوترة في دول الساحل الأفريقي، واشتعال الحرب في السودان والصدام الواضح في مجلس الأمن ما بين الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى.
كانت فترة تولي ستيفاني ويليامز مهمتها في إدارة البعثة الأممية في أوضاع إقليمية ودولية أكثر استقراراً في مرحلة ما قبل حرب أوكرانيا والعدوان الصهيوني على غزة، في المقابل تستلم ستيفاني خوري رئاسة البعثة الأممية في أوضاع داخلية أكثر استقراراً وأقل توتراً من فترة رئاسة ستيفاني ويليامز التي ترأست البعثة الأممية بالإنابة في مارس 2020 على وقع أزير الرصاص وأصوات المدافع.
وصلت ستيفاني خوري إلى قرية النخيل في العاصمة طرابلس بعد قرابة أربع سنوات من وقف إطلاق النار مع وجود حالة من الاستقرار الأمني النسبي صاحبها دوران غير منتظم لعجلة التنمية في مناطق واسعة من البلاد، انتعاشة ناتجة عن استمرار تدفق إنتاج النفط. بالمقابل انعكست الآثار السلبية للانقسام السياسي على كافة المؤسسات السيادية مع تردي الأوضاع المعيشية وانخفاض قيمة العملة المحلية وتصدر أخطبوط الفساد المشهد العام في ليبيا في ظل غياب المحاسبة والشفافية.
ستيفاني خوري عليها تقييم تجربة من سبقها من مبعوثين مع مراعاة الظروف والمتغيرات الداخلية والخارجية في كل مرحلة، حيث عزز توافر الإرادة السياسية لدى المجلس الوطني الانتقالي من استكمال الاستحقاقات الدستورية، وساعدت نشوة انتصار ثورة فبراير والرغبة المجتمعية في تحقيق التحول الديمقراطي، وتم إنجاز انتخابات المؤتمر الوطني العام في يوليو 2012، برعاية المبعوث الأممي إيان مارتن. في المقابل تعثر المبعوث الأممي طارق متري ولم يتمكن من تجاوز المسالك الوعرة للأزمة الليبية وغادر البعثة الأممية بعد أن عجز عن إحداث توافق ما بين المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب في صراعهما المحتدم حول الشرعية، وبدأت إرهصات الحرب الأهلية وأصبحت العملية السياسية مرهونة للإرادة الدولية والحسابات الإقليمية.
خلال توليهم مهام رئاسة البعثة الأممية في ليبيا ساهم كل من ليون وكوبلر في رسم خارطة الاتفاق السياسي الليبي في الصخيرات سنة 2015، وكان أفضل الممكن في تلك المرحلة المعقدة من الصراع المسلح حول الشرعية، وعادت البعثة الأممية لممارسة عملها من العاصمة طرابلس في أبريل 2016 بعد حوالي سنة ونصف من مغادرتها إلى تونس، ولم يتمكن الاتفاق السياسي من إنهاء الانقسام رغم معالجتة لأزمة الشرعية.
في المقابل تمكنت ستيفاني ويليامز من توحيد السلطة التنفيذية عبر اتفاق تونس چنيف، وعملت عبر المسارات الثلاثة المنبثقة عن مؤتمر برلين (1) كإطار للمرحلة التمهيدية، وتضمن الاتفاق خارطة طريق للوصول للانتخابات الرئاسية والبرلمانية وهي من أبرز المهام الموكلة للسلطة التنفيذية، ولم تنص المرحلة التمهيدية على شكل القاعدة الدستورية التي تحكم العملية الانتخابية، كما أن تمسك بعض الأطراف المحلية الفاعلة والدول الداعمة لها بشرط تزامن الانتخابات الرئاسية مع البرلمانية، كان من أهم العوامل التي ساهمت في نسف العملية الانتخابية.
وأخيراً، حتى تتمكن ستيفاني خوري من فك شفرة الانسداد السياسي مطالبة بإيجاد نوع من الإرادة السياسية لدى الأطراف الليبية الرئيسية، من خلال استثمار تقارب العواصم الإقليمية المتداخلة في الشأن الليبي، وحشد الدعم الدولي للحصول على ضغط حقيقي على أطراف الأزمة الرئيسيين مجلسي النواب والدولة، واعتماد الاتفاق السياسي الليبي كأساس لأي مبادرة سياسية مع ضمان مشاركة واسعة للقوة الفاعلة السياسية والأمنية التي لها مصلحة حقيقية في نجاح العملية الانتخابية، في حال حدوث تناغم بين الحراك الدبلوماسي الأميركي المتصاعد حول ليبيا واستراتيجية ستيفاني خوري لمعالجة الأزمة الليبية، وبالتالي يمكننا الحديث عن ولادة مسار حقيقي لإحياء العملية السياسية.