ستارمر سيكرر سوناك وسيسبب المزيد من التدهور
ستارمر لن يكون بمقدوره إنقاذ بريطانيا من كل مشاكلها الداخلية والخارجية خلال سنوات قليلة، وهو على غرار سوناك سيستخدم عبارات وتصريحات تساعد في تبرير عجزه، وبالمقابل ستظل بريطانيا تدفع ثمن متاعبها وضعف دورها الخارجي في ظل تصاعد الدور الروسي والصيني
«حزب العمال البريطاني المتغير»، هكذا أطلق كير ساترمر رئيس حزب العمال على حزبه، وهذا يعني التنكر التام لكل مواقف الحزب التي أعلن عنها رئيس الحزب السابق جيرمي كوربين في السياسة الخارجية التي تميزت في عهده بالتنديد بإسرائيل والحروب الوحشية التي شنتها ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة في أثناء فترة رئاسته للحزب، يضاف إلى ذلك انتقاده الحاد للسياسة الخارجية التي كان ينفذها حزب المحافظين الحاكم، وهذا ما دفع الكيان الإسرائيلي وأدواته في بريطانيا بالذات، على اتهام كوربين في أثناء رئاسته للحزب بمعاداة السامية والمطالبة بتنحيته عن رئاسة حزب العمال إلى أن نجح ستارمر في النهاية في تنحيته واختيار الحزب له أميناً عاماً.
حزب العمال أعلن عن طرده لكوربين حين وجده مصراً في نهاية أيار الماضي على التنافس في الانتخابات الحزبية والبرلمانية، فأعلن كوربين أنه سيتنافس على مقعده في البرلمان بصفته مستقلاً، وها هو ينجح في المحافظة على مقعده رغم الهجوم الإعلامي عليه، ولكن في النهاية فاز ستارمر بأغلبية برلمانية لحزب العمال وأصبح رئيساً للحكومة قبل أيام قليلة، وبسبب التيار اليساري الذي كان كوربين يقوده داخل الحزب أصبح ستارمر يخشى من أعضاء حزب العمال الذين يرفضون سياسته الخارجية القائمة على استمرار دعم إسرائيل والسكوت على مذابحها المدانة في قطاع غزة والضفة الغربية، ولذلك سيكون من الطبيعي ألا يغير ستارمر هذه السياسة الخارجية التي انتهجها ريشي سوناك رئيس الحكومة البريطانية السابق وأمين عام حزب المحافظين، وهكذا أصبح الحزبان العمال والمحافظين يشبهان إلى حد كبير الحزبين الأميركيين الديمقراطي والجمهوري اللذين تجمعهما سياسة خارجية عدوانية حربية واحدة، لكن ستارمر لن يواجه كوربين وحده هذه المرة، بل هناك عدد من الأحزاب الصغيرة التي فازت بعدد من المقاعد، وهي تتفق مع كوربين على تنسيق سياسة مشتركة ضد السياسة الخارجية لستارمر، وبالمقابل يبدو أن الجمهور البريطاني منح أغلبية لحزب العمال المتغير بهدف إجراء تغيير في سياسة حزب المحافظين الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك في السياسة الخارجية، ولذلك يتوقع المختصون بالسياسات البريطانية أن يواجه ستارمر صعوبات وعراقيل داخل البرلمان والشارع حين يكرر سياسة المحافظين الخارجية ويعجز عن ترميم الاقتصاد المتدهور في بريطانيا، وفي الموضوع الإسرائيلي تؤكد جميع الأحزاب الإسرائيلية أن الكيان لن يفقد في ظل حكومة ستارمر كل أشكال الدعم التي قدمها له حزب المحافظين طوال 14 عاماً من حكمه، بل إن ستارمر سيزيد من حجم هذا الدعم من الناحية العسكرية والسياسية وسوف ينخرط بدور أوروبي تصعيدي ضد دور ونفوذ روسيا والصين المتزايد في الساحة العالمية، وسيؤكد للرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي أن بريطانيا ستتمسك بالسياسة المتشددة نفسها التي اتخذها حزب المحافظين تجاه روسيا في أوكرانيا.
يرى مركز «تشاتام هاوس» البريطاني للأبحاث أن ستارمر سيتعرض لضغوط من الشارع البريطاني ضد أي سياسة خارجية مشابهة لسياسة سوناك تجاه ما يجري في غزة، بل سيطالبه الشارع البريطاني بممارسة الضغوط على إسرائيل، وربما يحاول ستارمر عقد جلسة اجتماع مشتركة مع عدد من الدول العربية التي تمتلك نفوذاً في الموضوع الفلسطيني للتغطية على سياسته المتشددة ضد الفلسطينيين.
في النهاية يقدر المختصون بالسياسة البريطانية أن ستارمر لن يكون بمقدوره إنقاذ بريطانيا من كل مشاكلها الداخلية والخارجية خلال سنوات قليلة، وهو على غرار سوناك سيستخدم عبارات وتصريحات تساعد في تبرير عجزه، وبالمقابل ستظل بريطانيا تدفع ثمن متاعبها وضعف دورها الخارجي في ظل تصاعد الدور الروسي والصيني بخاصة، لأن أوروبا بدأت تدخل في نفق أزمات داخلية وخارجية يتسبب في تفاقمها تزايد التناقضات بين الحكومات اليمينية الصاعدة في إيطاليا وغيرها وحكومات الأمر الواقع الموجودة في ألمانيا وبريطانيا، ومع الجمود المتوقع في حل مشاكل السياسة الخارجية الأوروبية والاقتصادية في داخل كل دولة، ويتوقع الكثيرون في مراكز الأبحاث الأوروبية أن تسير دول أوروبا نحو تفكك لا مفر منه كخيار من خيارات حل أزماتها، وبالمقابل ستجد قوى ودول بريكس وشانغهاي نفسها مطالبة بالمزيد من التماسك وتحقيق المصالح المشتركة لشق الطريق نحو نظام عالمي يخلف نظام القطب الواحد الأميركي وهيمنته على مقدرات الشعوب.