أمريكا

ساكن البيت الأبيض.. والملفات الشائكة

إنّ ما يجعل القضية الفلسطينية غير مُؤثِّرة بقوة في نظر الناخب الأميركي، هو عدم وجود اختلافٍ كبير بين موقف بايدن، الرئيس الحالي، وترامب الذي ينوي الدخول في المعترك الانتخابي مُنافساً له.

سيكون الناخب الأميركي على موعدٍ مع صناديق الاقتراع في الخامس من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، لاختيار رئيسٍ جديد للبلاد، حيث تحتدم المنافسة بين الرئيس الديموقراطي الحالي جو بايدن، والجمهوري السابق دونالد ترامب، وسط مُعطياتٍ عدة قد تُؤثِّر بلا أدنى شكٍ على اتجاهات مُواطني الولايات المتَّحدة الأميركيَّة.

الطاولة الشعبيَّة الأميركيَّة تحوي في جُعبتها قضايا بالغة الحساسية كانت، وما زالت، مثار جدلٍ واستنكارٍ من المواطن الأميركي نفسه، والتي من بينها الهجرة، والأزمة الاقتصاديَّة، وما يحدث في ولاية تكساس حالياً. هذا بالنسبة للشأن الداخلي، أما على المستوى الخارجي، فتحتل حرب غزة قائمة الاهتمامات، وكلها عوامل تُؤثِّر يقيناً على اختيار الساكن الجديد للبيت الأبيض، كما أنّها تُعدُّ الأزمات الأكثر قلقًا وتشغل بال الناخب الأميركي، الذي يعمل الآن على المُفاضلة بين المُتنافسين، والذي في إمكانه التعامل معها وحلْحلتها قبل أن تتفاقم وتُصبح مُعضلات في طريق الدولة التي تتسيَّد العالم.

البداية من الرئيس الحالي بايدن، الذي يُحيط به الفشل والإخفاق من كل جانبٍ، كما يرى الأميركيون أنفسهم، فهو، كما يُردِّدون عند كلِّ أزمةٍ تُصادفهم، لم يفلح في إنجاز أيِّ ملفٍ تقريباً، كما أنّ الأوضاع الاقتصاديَّة في تراجع واضح يلمسه كلّ أميركي على أرض الواقع ويتأثَّر به.

ونبدأ من حيث الحدث الأبرز عربياً وإقليمياً ودولياً في الوقت الراهن؛ وهو الحرب على غزَّة التي تخوضها إسرائيل منذ أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، والتي تُعدُّ اختباراً حقيقيًا لكلا المرشحين، ولن تكون بعيدةً أيضاً عن معايير حُكم الناخبين على مَنْ يُقدِّم نفسه مرشَّحاً لرئاسة أقوى وأكبر بلدٍ عسكريٍّ واقتصاديٍّ وتكنولوجيٍّ، إلاّ أنّه وفي الوقت ذاته لن يكون المؤثِّر الأول في اختيارات الأميركيين، الذين لا ينشغلون كثيراً بما يدور خارج حدود بلدهم بقدر ما تعنيهم المُؤثِّرات المباشرة على حياتهم ومستوى معيشتهم ووضعهم الاقتصادي، ويُفاضلون بين المرشحين بناءً على برامجهم للإصلاح الداخلي.

يُمكننا التأكيد أنّ حرب غزة ستكون في دائرة حسابات المواطن الأميركيِّ لاعتبارات عِدَّة؛ فلو نظرنا مثلاً إلى التظاهرات التي خرج فيها الغاضبون من قصف غزَّة، ودعم بايدن اللامحدود لتل أبيب، نجدها لا تخصّ سوى ملايين قليلة من المسلمين والعرب سكان أميركا، ومواقفهم غير مُؤثِّرة على مُتخذي القرار فيها، بل إنّ الغالبية العظمى من الشعب الأميركي تُدرك قيمة وجود إسرائيل في المنطقة بالنسبة لبلدهم؛ للحفاظ على مصالحه وأمنه، ناهيك باستخدامها من جهةٍ أخرى في ابتزاز القوى الإقليمية التي تُناصبها العداء، أو تلك التي تُحاول الخروج عن مظلتها في المنطقة.

إنّ ما يجعل القضية الفلسطينية غير مُؤثِّرة بقوة في نظر الناخب الأميركي، هو عدم وجود اختلافٍ كبير بين موقف بايدن، الرئيس الحالي، وترامب الذي ينوي الدخول في المعترك الانتخابي مُنافساً له، فلو أنّ الأخير كان على المقعد ذاته الذي يجلس عليه سلفه حالياً؛ لآزر دولة الاحتلال بشكلٍ يفوق ما تجده من الإدارة التي تحكم اليوم، ولِمَ لا، فترامب هو مَنْ أجَّج الوضعَ المستقرَّ، خلال ولايته، وصبَّ الزيت على النارِ بقراره نقل سفارة بلاده إلى القدس، الأمر الذي استفزَّ مشاعر العرب والمسلمين في كل أنحاء العالم، قبل أن يستفز الفلسطينيين أنفسهم.

نعم؛ كلُّ رئيسٍ أميركيٍّ يكون مُنكباً عن آخره على تلبية مطالب اللوبي الصهيوني المُدلَّل، لنيْل رضاه، يختلف اسمه وانتماؤه بين جمهوريٍّ وديموقراطيِّ، ولكن يبقى هدفه الأول العمل على تلبية مصالح إسرائيل، وقد توضح ذلك جلياً في الأيام الأخيرة، رغم الخلاف الواضح بين بنيامين نتنياهو وبايدن بسبب العدوان على قطاع غزَّة، ومهاجمة مسؤولين من دولة الاحتلال لإدارة بايدن، إلاّ أنّ الدعم الأميركي لم يتأثَّر أو يتراجع.

من القضايا الرئيسية الأخرى في أولويات الناخبين الأميركيين؛ ملف الهجرة على الحدود الجنوبيَّة للولايات المتَّحدة، والتي بدأت تتفاقم منذ أواخر القرن الماضي، وتبقى من الملفات المُلحَّة على رأس أولويات كل رئيسٍ أميركيٍّ، وخلال فترة الدعاية الانتخابيَّة تكون مادة ثريَّة للمرشحين، وتربة خصبة يسيرون على بلاطها، يُطلقون الوعود لحلِّها وفك طلاسمها وألغازها، ولكن كلها تذهب مهبّ الريح من دون جدوى.

أزمة الهجرة ظهرت جليًا في عهد بايدن، الذي فشل، في غير مرَّةٍ، في أن يضع حدًا لها؛ من خلال إصداره قرارًا تنفيذياً في محاولةٍ منه للسيطرة على التدفُّق الهائل للمُهاجرين، إلى أن تفاقم الأمر حتى في ظل وجود الهجرة المُقنَّنة جنباً إلى جنبٍ مع اللجوء السياسيِّ، الذي فتح هو الآخر باب أميركا على مصراعيه أمام أعدادٍ كبيرة من الأجانب الذين استوطنوها بحثاً عن فرص حياةٍ أفضل لأنفسهم وذويهم، وقد تُصبح الهجرة من المعوقات التي تُعرقل مسيرة بايدن نحو تجديد إقامته في البيت الأبيض، خصوصاً بعد أحداث ولاية تكساس، خلال الأسابيع الأخيرة، والتي وضعتها في تحدٍ هو الأكبر من نوعه مع واشنطن، ونالت ثاني أكبر ولاية أميركية دعم 26 ولاية أخرى، مؤكِّدةً حق “تكساس” في الدفاع عن نفسها ضدّ سيل المهاجرين المُتدفِّق إليها.

سماح إدارة بايدن بإزالة الأسلاك الشائكة على حدود تكساس المُتاخمة للمكسيك، ودخول عدد كبير من المهاجرين، ضربة قاصمة لشعبيَّة الرئيس الأميركي في الولاية والمناطق الداعمة له، فقد انتفضت الولاية وتحرَّكت لاتخاذ إجراءات وقائيَّة، وبعثت المهاجرين إلى مناطق أخرى داخل أميركا، وهو ما أدّى لارتفاع صوت الغضب في تكساس، حتى كان الحديث عن حربٍ أهليَّة في الأيام المقبلة.

أما الجانب الاقتصادي، فإنّه لا يُرجِّح كفة بايدن، فقد شهدت البلاد فى عهده عجزاً قدره 1.7 تريليون دولار، ومعدل تضخم هو الأعلى منذ 4 عقود، وذلك رغم نجاح الرئيس الذي تنتهي ولايته هذا العام، في خفض معدل البطالة إلى مستوى قياسي، وخلق نحو 14 مليون فرصة عمل، فالشعب الأميركي يثق في قدرة ترامب الاقتصاديَّة، ربما هذا لحيويته وخبرته الاقتصاديَّة النابعة من كونه رجل أعمال ناجحاً، إضافةً إلى انخفاض معدل البطالة في عهده إلى أدنى معدل منذ نصف قرن، ولولا أزمة كورونا والحرب التجاريَّة مع الصين اللتين شوَّهتا إنجازات ترامب الاقتصاديَّة؛ لشهد الأميركيون في عهده حالةً من الرخاء والنمو بشكلٍ كبير.

في النهاية، يُمكننا القول إنّه طبقاً للمؤشرات السابقة، فالكفة الراجحة تصبّ في صالح دونالد ترامب؛ ليعود إلى بيته القديم- الجديد، البيت الأبيض، بعد غياب 4 سنوات تولّى فيها الرئيس الحالي جو بايدن دفّة الحُكم والزعامة للدولة الأقوى عالمياً.

فارس الغنامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى