تحت شعار “تعالو نخلق جيلا من الأُسود واللبؤات” بادر تنظيم هبطحونيستيم (الأمنيون) المشكل من ضباط وقادة عسكريين من أقصى اليمين العقائدي ذي النزعة الدينية، لإقامة ما يصطلح عليه “مشروع قيادة الاركان القادمة” وذلك من خلال بنية قائمة على “الكليات التحضيرية للجيش” والتي يتشكل جمهور هدفها من الشبيبة ما قبل جيل الجندية (18 عاما)، وهي الكليات التي بادر اليها تاريخيا تيار حركة العمل الصهيونية. وتشكل هذه الكليات اطارا للتأهيل العسكري الأوّلي وكذلك لبلورة الهوية والعقيدة العسكريتين. تاريخيا جاءت معظم قيادات الجيش والدولة من هذه الكليات.
لقد حدد اليمين الصهيو-ديني هدفا، وهو تأهيل منهجي للجيل القادم من القيادات التي سوف تتبوّأ المواقع القيادية المفصلية في الدولة، واستبدال “النخبة اللبرالية” الموالية للقانون والقيم العامة بنخب موالية للنظام ولمن يحكم – سواء أكان حكومة ام وزيرا أم مسؤولا.
بالإضافة اليه، فإن النخب المستقبلية السياسية منها والاقتصادية والصناعية والعسكرية والامنية سوف تعتمد الاجندة الصهيونية اليهودية، وسوف تعمل في واقع من متغيرات جوهرية دستوريا يمنح التفوق للحاكم وللمرجعيات الدينية.
من ميزات هذه النخب هويتها اليهودية ومرجعياتها اليهودية وعدم الاكتراث بكل القيم والمنظومات اللبرالية وحصريا عدم الاكتراث للقانون الدولي والضغوطات الدولية.
كما يؤكد قادة الحركة المذكورة والتي تدعو الى الضم وتعزيز التمسك في حدود “ارض اسرائيل” والسيطرة، بأنهم ادركوا بأنه “اذا اردنا فعلا اجراء تغييرات عميقة وأن يكون للحركة أثر فعلي فينبغي تنشئة جيل من القادة المستقبليين سواء في الجيش ام في مجالات الحياة المدنية المختلفة ما بعد الخدمة العسكرية”.
من أبرز قادة الحركة الجنرالات أمير أفيفي (من متصدري مناهضة فكرة رفض الخدمة العسكرية)، وأفي بلوط قائد المنطقة الوسطى سابقا والمتماثل مع تنظيمات المستوطنين، والجنرال عوفر فنتر الذي اشتهر في اعتماده النهج الفتاك بالغريين وارتبط اسمه بتفعيل “عقيدة هنيال” في قتل الجندي المختطف ومختطفيه كي لا يقع في الاسر. جميعهم من كبار القادة العسكريين في الصهيونية الدينية ويضاف إليهم محرر يسرائيل هيوم عومر لحمنوفيتش ورئيس مديرية الاستيطان شيلو أدلر.
في موازاة هذا الحراك الذي يحظى بتمويل رسمي وغير رسمي بكميات كبيرة، تتواصل حملة أقصى اليمين والليكود ضد قيادة اركان الجيش وقادة المؤسسة الامنية وقادة الاقتصاد والقضاء وحصريا تركيبة المحكمة العليا وهوية المستشارة القانونية للحكومة وحتى الغاء الوظيفة التي تراقب قانونية عمل الحكومة.
إقرأ أيضا :المسيحيون يخسرون 50%من مساحة لبنان لتصبح 36٪ بعد ان كانت 86%
وفقا للتقديرات فإن المسألة هي مسألة وقت حتى يحدث الانقلاب الجذري في هوية الدولة ومنظوماتها، فالمسار يتسارع في وتيرته كما أن ضعف المعارضة السياسية للحكومة يدفع نحو هذا التسارع غير القابل للإيقاف في المنظومة الاسرائيلية الراهنة، والتي تشهد تغييرات عميقة فيما يتعلق دستوريا وبالعقد الاجتماعي الرابط بين المجتمع الاسرائيلي والدولة (اي الصهيونية التاريخية) لتتحول نحو الصهيونية الدينية وعقيدتها التوسعية الاستيطانية وبروح “خطة الحسم”.
اللافت هو ان المعارضة الاسرائيلية بأحزابها المتعددة، هي أفضل ما يتمناه نتنياهو واقصى اليمين، بل في المعارضة ذاتها أطراف قوية تعود الى اقصى اليمين الصهيوني الفاشي. بينما المعارضة الرئيسية لا تملك اي خطاب بديل معلن ولا اي مشروع سياسي حقيقي يشكل بديلا لأقصى اليمين او يطرح اي مخرج للفاشية المتسارعة والذي من الضروري ان يمر في مشروع حل عادل لقضية فلسطين. اما خطاب “الصفقة الان” واللبرالية بحد ذاته فلا يشكل مشروعا سياسيا بل بيئة مؤاتية للتيار الحاكم كي يبقى ويتعزز نفوذه في كل مرافق الحياة العامة.
للخلاصة، فإن المتغيرات في المجتمع الاسرائيلي عميقة وواسعة ومتسارعة، وهي عملية تسارعت منذ احتلال العام 1967 والمشروع الاستيطاني والضم وراهنا تتسارع بوتيرة غير مسبوقة في اعقاب السابع من اكتوبر وحرب الابادة. كما ان هذه المتغيرات تنعكس برؤية راهنة ومستقبلية على الواقع الفلسطيني، في كل فلسطين التاريخية باعتباره في النظرة الاسرائيلية المتسيّدة، حضورا سكانيا معاديا ودخيلا وينبغي التخلص منه في غزة وفلسطين 48 (النقب على وجه الخصوص)، وحصريا في الضفة الغربية والقدس في إطار خطة الحسم التي يجري العمل على تحويلها من خطة سموتريتش وحزبه الى مخطط دولة قابل للتنفيذ تدعمه ذهنية القيادات المستقبلية للأركان وللدولة وللمجتمع.