روسيا وإيران.. تدافع اقتصادي عسكري في سوريا
تجميد العمليات العسكرية بين جهات السيطرة في سوريا لم يوقف تحركات الروس والإيرانيين، فكل منهما يسعى لمصالحه، فعملا على زيادة الانتشار العسكري أو الحفاظ على حجمه على أقل تقدير
باتت الساحة السورية، مؤخرًا، مسرحًا لملامح تنافس بين روسيا وإيران، الحليفين الأكثر قربًا للنظام السوري، واللذين يعتبران من أبرز أسباب بقائه النسبي على رأس السلطة المعترف بها دوليًا في دمشق.
هذا التنافس تجاوز ميدان السياسية وظهر في الجانب الاقتصادي والعسكري، ليرسم ملامح تدافع وتزاحم على أرض سوريا التي باتت منذ سنوات رهن سيطرة حليفين أو كما يسميهما النظام “صديقين” وأدواتهما.
ويبدو واضحًا مستوى حرج النظام من خلال عدم فاعليته في “محور المقاومة” خلال الأسابيع القليلة الماضية، بحسب ما تشير إليه التحليلات السياسية، مع ظروف حرب غزة، ثم عمليتي اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ”حركة المقامة الإسلامية” (حماس)، إسماعيل هنية، في طهران، والقائد العسكري لـ”حزب الله” اللبناني، فؤاد شكر، في معقل الحزب بضاحية لبنان الجنوبية، وقبلها سقوط أطفال ضحايا من دروز الجولان السوري المحتل، جراء انفجار صاروخي استهدفهم، وتتقاذف إسرائيل و”حزب الله” التهم بالمسؤولية عن هذا الانفجار.
هل تضغط روسيا على النظام السوري لإحراز تسوية في العلاقات مع تركيا، أو لمنع انخراطه في صراع إقليمي تدفع إليه إيران، وهل تقابل الأخيرة ذلك الضغط بضغط موازٍ أو تهديد، وماذا عن التغلغل الاقتصادي للطرفين، وأثمان التخارج من أحدهما وأثره على النظام؟
في هذا الملف، تسلط عنب بلدي الضوء على ملامح التنافس والتدافع بين موسكو وطهران على الملف السوري، وتقاسم كعكته سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وتناقش مع خبراء وباحثين متخصصين طبيعة هذا التدافع ومآلاته.
دفّة المشهد السياسي السوري بيد موسكو وطهران
إذا كان البلدان اللذان سجلا حضورًا داعمًا ومتواصلًا للنظام السوري، يرتبطان بحالة تحالف واضحة في ملفات سياسية خارج الحلبة السورية، فالأمر بدأ يختلف فيما يتعلق بالتعامل مع الملف السوري، ليتعدى العلاقة مع دمشق، إلى المسارات السياسية ومفارق الطرق التي تفرضها التحركات الإقليمية، وحالة النشاط السياسي المكثف مؤخرًا، ما وضع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في قلب صراع غير محسوم النتيجة، يتعامل معه بـ”تأمل عن بعد”، في غزة، وعلى أعتاب مسار سياسي لتطبيع علاقات مع بلد جار ذي وزن إقليمي وحضور عسكري مباشر وغير مباشر شمال غربي سوريا.
هذه الملفات التي تشغل مساحات واسعة من التغطيات الإخبارية والتحليلية على مستوى العالم، باعدت شيئًا ما بين “الصديقين اللدودين” بوجهات النظر فيما يتعلق بسوريا وعلاقتها مع جيرانها والوضع الإقليمي.
إيران بعيدة عن تطبيع أنقرة- دمشق
من أبرز ملامح تباين وجهات النظر هذه، مسار التطبيع التركي مع النظام السوري، الذي عاد إلى الواجهة بعد إعلان روسي رسمي في كانون الثاني الماضي، عن انهيار المسار في خريف 2023، بسبب تمسك طرفي المسار (تركيا والنظام السوري) بشروطهما أو بوجهات نظريهما حيال تطوير العلاقات بينهما.
المسار الذي انهار رغم دفع روسي ومباركة إيرانية حوّلته إلى “رباعية” عقدت اجتماعات متكررة على مستوى وزاري واستخباراتي، عاد إلى الواجهة على مستوى التصريحات الذي ذهب بها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بعيدًا، ملوحًا بإمكانية تحديد “لقاء قريب” يجمعه مع الأسد.
وما اختلف في هذه العودة التي بدأها أردوغان نهاية حزيران الماضي، بالحديث عن تطوير العلاقات مع سوريا “بنفس الطريقة التي عملنا بها في الماضي”، غياب ملموس للجانب الإيراني عن نشاط متسارع في وتيرة التصريحات، وما رافقها من دعم روسي حافظت عبره موسكو على موقعها الراعي للمسار، وصولًا إلى “تكهنات إعلامية” بإمكانية عقد لقاء بين الأسد وأردوغان في موسكو، قبل انحسار وتيرة التصريحات التي تتنبأ بموعد اللقاء، في ظل تمسك النظام السوري بشرط الانسحاب العسكري التركي من سوريا، وعودة الشروط التركية إلى الواجهة مجددًا.
في هذه المرحلة، التي كانت إيران لم تلملم بعد جراحها خلالها، إثر مقتل رئيسها ووزير خارجيته ومجموعة مسؤولين رفيعي المستوى في 20 من أيار الماضي، تراجع الدور الإيراني بوضوح في هذا الجانب، ومع ذلك، أجرى وزير الخارجية الإيراني بالوكالة، علي باقري، زيارة إلى سوريا مطلع حزيران الماضي، دون تطرق علني لمسار التقارب، قبل زيارة كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي، إلى دمشق، في 22 من تموز الماضي، مقدمًا أول تعليق إيراني رسمي على مسار العلاقة بين أنقرة ودمشق.
وتجلى الموقف الإيراني بترحيب أصغر خاجي بتحقيق تقدم في مسار العلاقات بين أنقرة ودمشق، وتعبير عن “سعادة إيران” باستئناف المباحثات مع آمال بتحقيق تمهيدات مناسبة وجيدة لهذه الاجتماعات للوصول إلى تطور في علاقات الجانبين.
“لطالما دعمنا هذا المسار (…) والاجتماعات الأولى بين سوريا وتركيا كانت في طهران ثم استمرت بشكل رباعي، ونحاول عقد هذه الاجتماعات بشكل أكبر للوصول إلى تطور في علاقات تركيا وسوريا”، أضاف المسؤول الإيراني.
وجاءت هذه التصريحات لترد بشكل غير مباشر على ما أوردته صحيفة “ديلي صباح” التركية في اليوم نفسه، حين أشارت إلى استبعاد الدور الإيراني من المسار، خلال حديثها عن لقاء متوقع بين أردوغان والأسد بموسكو، في آب الحالي، مع إمكانية دعوة رئيس وزراء العراق، محمد شياع السوداني، وترجيحات بعدم دعوة إيران للاجتماع الذي يمكن أن يتولى الرئيس الروسي التوسط بمحادثاته، رغم عدم صدور أي تصريحات رسمية حول تحديد موعد اللقاء ومكانه، في ظل الحديث عن تحضيرات متواصلة، قبل الإشهار المتبادل للشروط وتراجع وتيرة التصريحات.
اعتبرت الصحيفة التركية حينها ما قرأته استبعادًا لإيران، أنه قد يكون مؤشرًا قويًا على الخلافات المستمرة والمنافسة بين موسكو وطهران بشأن سوريا، ومستقبل البلاد بعد الحرب، وأرجعت أسباب الخلافات بين موسكو وطهران إلى حذر روسي دائم من قوة الميليشيات الموالية لإيران غير المقيدة والمتنامية في سوريا ومستقبلها بعد الحرب، مع وجود خلافات حول القيادة والعمليات العسكرية واستخدام القواعد الإيرانية وموقف طهران المتشدد في المحادثات، بما في ذلك صيغة “أستانة” والنهج الإيراني تجاه إسرائيل.
وتسببت المنافسة على العقود المتعلقة بالطاقة والموارد الاقتصادية وإعادة إعمار سوريا في حدوث بعض الاحتكاكات بين إيران وروسيا، وفق الصحيفة التي اعتبرت في مقالها أن التحرك الروسي لدعوة العراق مع استبعاد إيران، “يضرب عصفورين بحجر”، فيمكن قراءته كمحاولة لدق إسفين بين بغداد وطهران، ومن شأنه أن يعوض عن سرقة المشهد من السوداني (رئيس الوزراء العراقي)، الذي كان يهدف بنفسه إلى استضافة المحادثات الشخصية الأولى بين أردوغان والأسد، وإظهار قوة العلاقات بين موسكو وبغداد.
موسكو وطهران.. تعاون تنافسي
بعد اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لـ”حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، في 31 من تموز الماضي، خلال زيارة كان يجريها إلى طهران، سارع المسؤولون الإيرانيون إلى تصريحات ملؤها التهديد والتلويح بالرد، مع إشارة إلى احتمالية استخدام سوريا واليمن والعراق كمنطلق لهجمات تستهدف محيط تل أبيب وحيفا، قبل استبعاد سريع لسوريا من المشهد، ترجمه ما ذكرته وكالة “رويترز”، في 1 من آب الحالي، عن اجتماع كبار المسؤولين الإيرانيين مع قادة الميليشيات وممثلي حلفاء إيران من لبنان والعراق واليمن، دون تطرق لحضور أذرع إيرانية من سوريا.
الاستبعاد الإيراني الصامت الذي سلك مساره أمين عام “حزب الله” اللبناني في خطابه الأول بعد اغتيال أحد أبرز قادة الحزب، فؤاد شكر، باستهداف إسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية، في 30 من تموز الماضي، خالفه نصر الله في خطابه الثاني التأبيني لفؤاد شكر، في 7 من آب الحالي، حين طالب إيران وسوريا بتوفير الدعم المعنوي والسياسي والتسهيلات للمعركة ضد إسرائيل.
التهديدات الإيرانية والإقحام المحتمل لسوريا في الرد نفسه قاطعها الرئيس الروسي حين طلب من المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، “رد فعل منضبطًا” على اغتيال هنية في طهران، إذ نقلت “رويترز”، في 6 من آب، عن مصدرين إيرانيين كبيرين، أن بوتين نصح خامنئي بعدم شن هجمات على المدنيين الإسرائيليين، بموجب رسالة جرى تسليمها في 5 من آب، من قبل الأمين الأعلى لمجلس الأمن الروسي، سيرجي شويغو، خلال اجتماعات مع كبار المسؤولين الإيرانيين، بينما لا تزال إيران تدرس ردها على عملية الاغتيال.
الحديث عن خلافات إيرانية- روسية تجاوز التحليلات والمواد الصحفية، فاستدعى نفيًا روسيًا رسميًا جاء على لسان نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، الذي أكد في مقابلة مع وكالة “تاس” الروسية، في 23 من تموز، أن العلاقات الثنائية بين روسيا وإيران ترتكز على أسس من الصداقة المتينة، ولا يمكن لأحد أن يدق إسفينًا بين موسكو وطهران، كما اعتبر أن إيران كدولة ذات سيادة لها الحق في متابعة سياستها الخارجية كما تراه مناسبًا.
وبحسب المسؤول الروسي، فإن موسكو تفترض أن العلاقات مع طهران تتمتع بأساس متين من الصداقة والجيرة، وليست عرضة للتأثير الخارجي رغم محاولات الخصوم “اللعب بقذارة ودق إسفين بين البلدين”.
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح لعنب بلدي أن العلاقة بين روسيا وإيران في سوريا قائمة على مبدأ التعاون التنافسي، فهناك تقاطع مصالح استراتيجي بين البلدين في دعم النظام خلال الثورة السورية، لكن عوامل المنافسة أصبحت مُهيمنة بشكل أكبر على تشكيل هذه العلاقة بعد تحول مسار الحرب والعمليات العسكرية لمصلحة الأسد، وهو تحول طبيعي وفق رأي الباحث.
وبحسب علوش، فإن سوريا تشكّل نقطة ارتكاز للسياسة الروسية في الشرق الأوسط، ولدى الروس مصلحة في الحد من ارتدادات حرب غزة عليها، ما يفسر ما تواجهه إيران من صعوبة استثمار وجودها في سوريا بإطار انخراطها بالوكالة في الصراع الراهن.
ويعتقد الروس أن مشروع التطبيع بين أنقرة ودمشق يُساعد روسيا في تعزيز رؤيتها لحل الصراع في سوريا، في الوقت الذي بدأت تتشكل به قناعة إيرانية حيال حدود قدرة طهران على توظيف الساحة السورية في إطار صراع الوكالة مع إسرائيل، كما يرى الباحث.
إقرأ أيضا : لماذا قرر الأوروبيون الاستدارة نحو دمشق؟
تردد إيراني أمام روسيا
اعتبر المحلل السياسي الروسي ديمتري بريجع، أن التنافس الروسي- الإيراني موجود في الشرق الأوسط، فإيران تعتمد على الملف العقائدي والديني، ولروسيا مصالح اقتصادية وتجارية، وهذا تباين واضح في سياسة البلدين.
وأوضح بريجع لعنب بلدي أن الحضور الروسي في سوريا لا يلقى اعتراضًا خليجيًا أو أردنيًا أو تركيًا، وهناك تفاهمات في هذا الإطار، وروسيا ستحافظ على قواعدها في سوريا، كما أن التنافس مع طهران سيبقى قائمًا، إذ تمتلك طهران ميليشيات في سوريا تحت مسمى “محور المقاومة والممانعة”، وهذا يختلف عن السياسة الروسية التي كانت تحظى بتفاهمات مع إسرائيل، بما في ذلك تجنب الصدام في سوريا، وإتاحة المجال أمام إسرائيل لضرب ميليشيات إيران في سوريا، مع التأكيد على عدم رغبة أي طرف بزيادة النفوذ الإيراني في سوريا.
وفيما يتعلق بالموقف الروسي من الرد الإيراني المحتمل بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران، أوضح المحلل السياسي الروسي أن موسكو تبدو حريصة على ضبط هذا الرد، بحيث لا يؤدي إلى تصعيد قد يخرج عن السيطرة، لا سيما إذا جرى استخدام سوريا كمنصة للرد، ما يعكس رغبة موسكو بالحفاظ على الاستقرار في سوريا خدمة لمصالحها الاستراتيجية.
وفي ظل تصاعد التوترات في المنطقة، زار الأسد موسكو، في 25 من تموز الماضي، دون إعلان مسبق، والتقى بوتين، الذي تحدث عن نقاش العلاقات الثنائية والوضع في المنطقة الذي يميل إلى التصعيد، وهو ما ينطبق على سوريا أيضًا، وفق ما نقلته وسائل إعلام روسية.
ويمكن الإشارة إلى الدعم الروسي المتواصل للنظام السوري، والذي يظهر من خلال زيارات الأسد المتكررة لموسكو، ما يبرز روسيا كلاعب رئيس في سوريا، مقارنة بإيران التي ورغم وجودها القوي، تبدو أحيانًا مترددة في اتخاذ خطوات قد تضعها في مواجهة مباشرة مع مصالح روسيا، بحسب ديمتري بريجع.
تنافس أم تقاسم اقتصادي؟
بعد عام 2011، بدأت روسيا وإيران التزاحم في سوريا لتحقيق مكاسب اقتصادية، مقابل تقديمهما الدعم العسكري للنظام، وتنامت تلك المكاسب تدريجيًا ليضع “الحليفان” قبضتهما على موارد وقطاعات اقتصادية حيوية.
ووقع النظام السوري مع إيران بين عامي 2011 و2024 ما لا يقل عن 126 اتفاقية في مختلف القطاعات، مثل الطاقة والتجارة والصحة والتعليم والزراعة والصناعة والاتصالات والتمويل وغيرها، وفق مركز “جسور للدراسات”.
ومن بين الاتفاقيات الكلية الـ126، تم تنفيذ 43 اتفاقية، بينما لا تزال 47 قيد التنفيذ، وبلغ عدد الاتفاقيات تحت التنفيذ الجزئي أو المتقطع 25 اتفاقية، أما الاتفاقيات التي لم يتم تنفيذها فهي 4 اتفاقيات، بينما بلغ عدد الاتفاقيات غير المعروف مصيرها 7 اتفاقيات.
تلويح بالديون
بالتزامن مع الحديث عن تزاحم وخلاف روسي إيراني في سوريا، لوّحت طهران بورقة اقتصادية اعتبرها خبراء أنها أداة ضغط على النظام، كانت في 8 من تموز الماضي، حين أرسل الرئيس الإيراني المؤقت حينها، محمد مخبر، “مشروع اتفاقية التعاون الاستراتيجي طويل الأمد مع سوريا” إلى البرلمان الإيراني للتصديق، قبل تسليم مهامه لمسعود بزشكيان.
في المقابل، لم ترسل حكومة النظام السوري حتى الآن نص الاتفاقيات التي أبرمتها مع إيران إلى مجلس الشعب (البرلمان السوري).
ويتكون مشروع اتفاقية التعاون الاستراتيجي من مقدمة و5 مواد، وبحسب الفقرة “2” من المادة “5”، فإن مدة الاتفاقية محددة بـ20 عامًا قابلة للتمديد، “حتى وفاء سوريا بالتزاماتها، وسداد الديون المستحقة عليها”، والمتعلقة بالخطوط الائتمانية، وفقًا لما أوردته وكالة “مهر” الإيرانية.
وفي شباط 2017، وقع النظام السوري على اتفاقية “التعاون الاقتصادي الاستراتيجي طويل الأمد مع إيران”، في مقابل الحصول على النفط بشكل منتظم، في وقت لا يعرف فيه حجم الديون الإيرانية للنظام، بينما تشير تقديرات غير رسمية إلى أنها تقارب 50 مليار دولار أمريكي.
الباحث المساعد في مركز “جسور للدراسات” عبد العظيم المغربل، قال إن من أبرز الأسباب التي تحول دون دفع العلاقة بين طهران ودمشق إلى الأمام، التنافس مع موسكو، التي يعتبرها النظام السوري حاليًا أكثر قدرة على تثبيت وجوده من إيران، بينما يعتبر النظام وجود طهران مهددًا حاليًا ولا يريد أن يربط مصيره بمصيرها.
وأضاف المغربل المختص في الشأن الاقتصادي لعنب بلدي، أن تعزيز الوجود الاقتصادي الإيراني في سوريا سيؤدي بالمقابل إلى تراجع استثمارات الدول العربية في مناطق سيطرة النظام، ما يؤثر على مسار التطبيع العربي مع الأسد، ويقلل فرصه بالاستفادة من هذه الاستثمارات في تعزيز اقتصاده، إلى جانب عدم قدرة النظام السوري أصلًا على تنفيذ الاتفاقيات الكبيرة مع إيران بسبب ضعف إمكانياته.
من جانبه، المحلل الاقتصادي رضوان الدبس، قال لعنب بلدي، إن من الأسباب التي تؤثر على العلاقة الاقتصادية بين طهران ودمشق، أن إيران فُرضت عليها عقوبات شديدة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، والنظام الاقتصادي الإيراني نظام متهالك نتيجة العقوبات والحروب وتوسع طهران في أكثر من دولة على حساب اقتصادها، إضافة إلى أن أغلبية الشعب السوري لا يتقبل المنتجات الإيرانية.
وأشار الدبس إلى أن إيران لا تمتلك صناعات أو خبرات جيدة، وتعمل وفق مبدأ ثوري ديني وليس ثوريًا صناعيًا ولا تجاريًا، فكم اتفاقية وقعتها إيران في سوريا، لكن أغلبها كان حبرًا على ورق.
وفق دراسة لمركز “جسور للدراسات”، فإن عدم تنفيذ بعض الاتفاقيات مرتبط أيضًا بمماطلة النظام، كونه يعلم أن تنفيذ جميع الاتفاقيات سيجعله مرهونًا بشكل كلي لإيران، وهو ما لا يريده، أما الاتفاقيات التي يجري أو جرى تنفيذها فتكون مع شركات إيرانية لا تمتلك وزنًا استثماريًا فاعلًا في السوق، وقد ينحصر عمل معظمها في القيام بعمليات تبييض أموال “الحرس الثوري الإيراني”.
ويُلاحَظ وجود سمة عامة صبغت التوجهات الاقتصادية الإيرانية في سوريا، وهي النجاح في إبرام الاتفاقيات مع الفشل في تحويلها إلى واقع، نتيجة ثلاثة عوامل رئيسة، هي المنافسة الروسية، وتأثير العقوبات الغربية، والضعف الاقتصادي في سوريا، وفق دراسة لمركز “الحوار السوري“، عام 2022.
تفوق روسي على إيران
من خلال مقارنة الاتفاقيات الاقتصادية المعلنة التي وقعتها روسيا وإيران مع النظام السوري، يمكن ملاحظة أن موسكو حظيت بعقود استثمارية ذات أهمية كبرى، على عكس إيران التي اهتمت بالكم على حساب النوع، حيث وقعت 126 اتفاقية، 78% منها غير مهمة.
واتخذت إيران مجموعة من الخطوات للهيمنة على الاقتصاد في سوريا، عبر توقيع اتفاقيات تركز معظمها في قطاعات الاتصالات والصحة والتعليم والطاقة والمصارف والزراعة والثروة الحيوانية والكهرباء، إلى جانب الاستيلاء على أراضٍ زراعية، أما محاولاتها للسيطرة على الفوسفات وحقول النفط والغاز فقُوبلت بحضور روسي بارز استحوذ على تلك الاستثمارات.
في المقابل، أبرمت روسيا مع النظام عدة اتفاقيات معظمها كانت بالغة الأهمية، أبرزها كانت في 25 من نيسان 2019، حيث وقعت حينها شركة “ستروي ترانس غاز” (CTG) الروسية الخاصة عقدًا يتيح لها استثمار مرفأ طرطوس لمدة 49 عامًا.
وفي نيسان 2018، حصلت شركة “ستروي ترانس غاز” الروسية على عقد لاستخراج الفوسفات من مناجم “الشرقية” في تدمر، لمدة 50 عامًا، بإنتاج 2.2 مليون طن سنويًا.
بعد هيمنة روسيا على فوسفات تدمر، وقّعت الشركة الروسية نفسها (ستروي ترانس غاز)، في تشرين الثاني 2018، مع “الشركة العامة للأسمدة” في حمص عقدًا لاستثمار ثلاثة معامل أسمدة لـ40 عامًا قابلة للتمديد.
أحدث التحركات الاقتصادية الروسية كان إعلان وزير المالية السوري، كنان ياغي، في حزيران الماضي، إحياء اتفاقية توسيع التعاون والشراكة الاقتصادية مع روسيا، “ما يرتقي بالعلاقات الاقتصادية السورية- الروسية إلى أعلى مستوى”، حين زار موسكو.
يرى الباحث المساعد عبد العظيم المغربل، أن روسيا تهدف من خلال توسيع نفوذها الاقتصادي في سوريا على حساب إيران، إلى إدراكها أهمية الاستعداد لملء الفراغ الذي يمكن أن يحصل في حال تعرضت الاستثمارات الإيرانية في سوريا لاستهداف من قبل إسرائيل، أو في حال تراجع النفوذ الإيراني في سوريا بشكل عام.
وذكر المغربل أن موسكو أيضًا تجد في سوريا ركيزة أساسية لوجودها في أي معادلة سياسية أو عسكرية قد تنشأ في الشرق الأوسط مستقبلًا.
وحول أسباب تفوق روسيا على إيران اقتصاديًا، قال رضوان الدبس، إن روسيا قوة سياسية وعسكرية واقتصادية عظمى، ومدعومة من الصين وكوريا الشمالية وجمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقًا، بينما إيران دولة إقليمية ركيكة، وعليها عقوبات دولية، ونظامها الاقتصادي سيئ، فمن الطبيعي أن تتفوق روسيا عليها اقتصاديًا.
إضافة إلى الأسباب السابقة، ذكر الدبس أن النظام يجد أن من مصلحته التحالف مع روسيا الطرف الأقوى سياسيًا وعسكريًا، لذا يميل إلى منح موسكو اتفاقيات اقتصادية أكثر أهمية وفاعلية من إيران.
تنافس أم تنسيق؟
شهدت الاستثمارات الاقتصادية في سوريا حالة تنافس وتدافع بين روسيا وإيران للفوز بها، وذكر تقرير لمركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية” (CSIS)، أن موسكو وطهران تنافستا على عقود بقطاعات الطاقة والفوسفات والزراعة والعقارات في سوريا، وتزايدت حدة التنافس بسبب عدم وجود آلية شاملة لتنسيق الاستثمار بينهما، وفي النتيجة، حصلت روسيا على عقود في قطاعات الفوسفات والنفط والغاز على حساب المصالح التجارية الإيرانية.
بينما اعتبرت دراسة صادرة عن مركز “الحوار السوري”، أن حليفي النظام السوري، روسيا وإيران، ينخرطان في منافسة على النفوذ وغنائم الحرب، وهو ما يتضح من استهداف الطرفين للقطاعات الاقتصادية ذاتها، بدلًا من التنسيق بينهما في الاستحواذ.
يرى عبد العظيم المغربل، أنه منذ بدء التدخل الروسي في سوريا بهدف دعم النظام، حصلت حالة من التنافس والتقاسم للمكاسب الاقتصادية بين روسيا وإيران، وبناء عليه بدأت عملية تقاسم الاستثمارات وفقًا للقطاعات الاقتصادية، حيث التقى الطرفان في الاستثمار ببعض القطاعات مثل الحبوب على سبيل المثال، وتصادما في قطاعات أخرى مثل البترول والثروة المعدنية وغيرهما.
من جهته، قال الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” نوار شعبان، لعنب بلدي، إنه لا يمكن اعتبار ما يجري بين طهران وموسكو في سوريا تنافسًا، إنما هو نوع من العمل على محاور مختلفة، رغم رغبة الطرفين الواضحة بتثبيت وجودهما في قطاعات مختلفة بعيدًا عن الأمن والعسكر.
وفسّر شعبان رؤيته بأنه لو كان هناك تنافس لاستغلت إيران انشغال روسيا بحربها ضد أوكرانيا، وتوسعت أكثر، رغم مساعيها في هذا المجال التي قد لا تعتبر مكثفة، والتي كانت بعيدة عن النفوذ الروسي بسوريا.
نقلا عن عنب بلدي
أعد هذا التقرير : حسام المحمود / حسن إبراهيم / هاني كرزي