روسيا تستنزف أسلحة الغرب في حرب أوكرانيا
التقديرات تشير إلى أنّ روسيا عازمة على تدمير البنى التحتية الأوكرانية في مجال الطاقة، رداً على إحراز المسيّرات التي يطلقها الجيش الأوكراني نجاحات كبيرة في تدمير مصافي النفط داخل روسيا في الأشهر الأخيرة.
مع إقرار الكونغرس الأميركي صفقة المساعدات لأوكرانيا والبالغة 61 مليار دولار الثلثاء الماضي، تنفّس الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الصعداء، وأُقرّت الصفقة بعد تأخير استمر 6 أشهر، بينما كان الرئيس جو بايدن يلحّ في طلبها.
ليس بخاف أنّ ثمة حاجة ماسّة في أوكرانيا إلى هذه المساعدة، في ضوء عدم قدرة الشركاء الأوروبيين على تعويض النقص الحاصل في الذخائر على جبهات القتال، ووسط تفوق روسي في العدة والعتاد، والحصول على مسيّرات “شاهد 136” من إيران وذخائر مدفعية من كوريا الشمالية. وكل الخطط التي وضعتها حكومة كييف بالتعاون مع شركاء أوروبيين من أجل تصنيع السلاح محلياً، تحتاج إلى سنوات لبدء الانتاج.
ويعترف رئيس الأركان الأوكراني الجنرال أولكسندر سيرسكي، بأنّ الوضع على الجبهات في منطقتي خاركيف شمالاً ودونيتسك شرقاً في “وضع خطير جداً”. فيما حذّر رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية كيريلو بودانوف، من أنّ الوضع على الجبهة الأوكرانية سيسوء بحلول منتصف أيار (مايو) وأوائل حزيران (يونيو) المقبلين، وستكون “فترة صعبة”، مع تزايد المخاوف من هجوم روسي جديد.
ويقدّر خبراء عسكريون غربيون، أنّه بسبب نقص الذخيرة، بات حجم الإطلاقات المدفعية يقتصر على قذيفة واحدة في مقابل كل 5 قذائف روسية. ونتيجة لهذا الوضع اضطرت القوات الأوكرانية إلى الانسحاب من مدينة أفدييفكا الاستراتيجية على جبهة دونيتسك قبل أسابيع، بينما أحرز الجيش الروسي مكاسب في القرى المحيطة القريبة من مدينة كراماتورسك الأوكرانية الرئيسية، التي يؤذن سقوطها بتحول معظم منطقة دونيتسك إلى السيطرة الروسية. كما أنّ الضغط الروسي يشتد على البلدات المحيطة بخاركيف، ثاني كبريات المدن الروسية.
إلى ذلك، تعاني أوكرانيا نقصاً في الدفاعات الجوية، وهي في أمسّ الحاجة إلى مزيد من منظومات “باتريوت” الأميركية المضادة للصواريخ والطائرات. وبسبب الإرهاق الذي تعانيه الدفاعات الجوية الأوكرانية، تمكنت الصواريخ الروسية من إصابة محطات توليد الكهرباء الأوكرانية، وبينها محطة رئيسية في كييف. والتقديرات تشير إلى أنّ روسيا عازمة على تدمير البنى التحتية الأوكرانية في مجال الطاقة، رداً على إحراز المسيّرات التي يطلقها الجيش الأوكراني نجاحات كبيرة في تدمير مصافي النفط داخل روسيا في الأشهر الأخيرة، ما تسبّب بإحداث نقص في الصادرات الروسية من الطاقة وفي حصول ارباكات على مستوى تأمين السوق المحلية.
وهكذا بدت الأمور على الجبهات في سباق بين حصول أوكرانيا على مزيد من الأسلحة الغربية والتقدّم الروسي في الميدان، والذي ترجح كل التوقعات بأنّه سيتوسع مع قدوم الصيف.
أما لماذا تأخّرت المساعدات الأميركية، فذلك عائد بشكل أساسي إلى الخلافات السياسية بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري. كان الجمهوريون الموالون للرئيس السابق دونالد ترامب يرفضون إقرار صفقة المساعدات لأوكرانيا من دون الحصول على تغييرات جذرية في مسألة المهاجرين القادمين من حدود المكسيك. أي أنّهم كانوا يريدون رصد المزيد من الموازنة لمكافحة الهجرة غير الشرعية على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. والهجرة هي إحدى القضايا الرئيسية في الحملة الانتخابية لترامب. وهكذا تشابكت قضية أوكرانيا مع قضية الهجرة.
وزادت الأمور تعقيداً مع موقف ترامب الداعي إلى تحويل المساعدات لأوكرانيا إلى قروض. واستمر هذا الجدل 6 أشهر، إلى أن أخذ رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون على عاتقه، المضي في مشروع المساعدات لأوكرانيا بدعم من الديموقراطيين وبعض الجمهوريين الخارجين على طاعة ترامب.
وثارت ثائرة الجمهوريين الموالين لترامب على جونسون وهدّدوا بعزله، وملاقاة مصير سلفه كيفن ماكارثي الذي صوّت الجمهوريون على عزله بسبب إبرامه تسوية مع الديموقراطيين العام الماضي لتمويل الموازنة الفدرالية وتفادي الإغلاق الحكومي. لكن جونسون يعتمد الآن على دعم الديموقراطيين له في مواجهة أية محاولة لعزله، بينما اعتبر أنّ الخطوة التي أقدم عليها متروكة للتاريخ كي يحكم عليها.
والإجراء الآخر الذي ستتخذه الولايات المتحدة بعد إقرار المساعدة العسكرية، هو مصادرة الأصول الروسية المجمّدة ووضعها في تصرف الحكومة الأوكرانية كي تشتري بها الأسلحة وتدعم اقتصادها في آن واحد. ويفكر قادة الاتحاد الأوروبي في الإقدام على إجراء مماثل.
جلّ ما تريده القيادة الأوكرانية الآن هو أن تصل المساعدات العسكرية الأميركية، وخصوصاً منظومات “باتريوت”، في أقرب وقت، كي يتاح للجيش الأوكراني التعامل مع الهجوم الروسي المرتقب.