رهان قطر على المصالحة الفلسطينية
ترى قطر أن المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية ربما توفر للحركة مخرجا من مأزق، يتمثل في إصرار إسرائيل على اجتثاثها من جذورها في غزة وتدمير قوتها العسكرية تماما.
تحاول قطر عدم التخلي عن دورها في الملف الفلسطيني، وتطويره بعد أن كان قاصرا في السنوات الماضية على علاقتها الوطيدة بحركة حماس الإسلامية، وتوسيع تصوراتها بحيث تشمل السلطة الفلسطينية وحركة فتح، من خلال الدخول على جدل اليوم التالي لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كي تنفي ما تردد حول دعمها حماس، وما قامت به من عملية عسكرية جريئة في السابع من أكتوبر الماضي.
وتؤكد أيضا أن علاقتها بالحركة واستمرار عمل مكتبها في الدوحة يمكن أن يكون منتج الفترة المقبلة، ويصب في صالح إعادة ترتيب الأوضاع في القطاع بطريقة تقوّض أنشطة حماس المباشرة، وتسهم في تفكيك جانب من التعقيدات التي تعتري الخطط المتداولة حول مستقبل غزة، وتقريب المسافات بين القوى الفلسطينية، وتهيئة الأجواء لتفاهمات سياسية قد تخرج إسرائيل والولايات المتحدة من ورطتهما في مسألة حسم مصير القطاع، والذي تبيّن أن حماس لن تتخلى عنه بسهولة.
فتحت زيارة قام بها إلى الدوحة أخيرا رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، واجتماعه مع رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الباب لحديث يتداوله فلسطينيون بشأن رهان قطر على وساطة سياسية تفضي إلى مصالحة وطنية، قد تمسح بصمات الدوحة على مسار حركة حماس، وما وصلت إليه غزة بسبب التصرفات المنفردة للحركة، بل ما وصلت إليه المنطقة من سخونة عسكرية قد تفجر حربا إقليمية واسعة.
ومع أن نتائج زيارة حسين الشيخ لم تقدم جديدا ملموسا في مسار المصالحة الفلسطينية، إلا أن هناك اعتقادا يساور الدوحة بإمكانية إعادة دمج حماس في هياكل السلطة الفلسطينية كمخرج من ورطة دخلتها بفعل انتقادات أميركية وإسرائيلية لرعايتها للحركة وقياداتها، واتهامات بسبب الدور الأمني الذي أسهمت فيه أموال كانت قطر تقدمها لحماس قبل عملية طوفان الأقصى، وهو ما ردت عليه بما يفيد أن العلاقة مع الحركة وفتح مكتب لها في الدوحة تم تحت أعين الولايات المتحدة وموافقة إسرائيل.
ترى قطر أن المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية ربما توفر للحركة مخرجا من مأزق، يتمثل في إصرار إسرائيل على اجتثاثها من جذورها في غزة وتدمير قوتها العسكرية تماما، وألا يكون لها موطئ قدم سياسية واجتماعية بالقطاع، في وقت أشارت فيه استطلاعات إلى أن حماس لا تزال تحتفظ بحظوظ في غزة، وزاد تمددها في الضفة الغربية بعد تعرضها لضربات عسكرية متتالية.
وهذه إشكالية لإسرائيل، وبالطبع للولايات المتحدة، والسلطة الفلسطينية، وحماس، فالقضاء على الحركة، كفكرة على الأقل، بات مستحيلا باعتراف قادة في الجيش الإسرائيلي، واستمرارها في حكم القطاع، ولو كان مدمرا وعلى أنقاضه مرفوضا.
من هنا بدأت قطر تبحث عن صفقة أو طبخة أو سيناريو يقدم حلا ممكنا لجميع الأطراف، وفي المقدمة حماس، وبما يحافظ على دور قطر في القضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة، حيث ظهر دور قطر وتوسع مع صعود حماس في غزة، ويمكن أن يتلاشى مع غياب الحركة، أو إجبار الدوحة على التنصل من علاقتها بحماس.
يبدو أن تجاوز هذه العقبة والتوصل إلى حل مناسب، وجدتهما الدوحة في البحث عن صيغة تحقق لها جملة كبيرة من أغراضها، ولم تجد أفضل من طرق باب المصالحة الفلسطينية، إذ يمكن أن يبقيها في دائرة الضوء في المنطقة، ويعيد تصحيح مسار علاقتها بإسرائيل التي تأثرت بالضجيج الذي ظهر بشأن الدور السلبي الذي لعبته علاقة قطر بحماس، فالإشارة التي حصلت عليها برعاية حماس لن تعفيها من المسؤولية، وربما حتى من النتائج الخطيرة لما قامت به الحركة من عمليات عسكرية.
وإعادة تدوير أو تطويع مهمة الدوحة السياسية مع الجانب الفلسطيني وإيجاد وظيفة جديدة، يمكن أن تتقبلها الولايات المتحدة في ظل ما تقوم به إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من تغييرات لكسر نمطية علاقة إسرائيل بدول عربية عديدة، والتي لن يكتب لها النجاح مع تفسّخ القوى الفلسطينية.
ومع اشتراط السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل بالشروع في تسوية سياسية مناسبة للقضية الفلسطينية ستصبح عملية المصالحة ذات أهمية، فمن الصعوبة الدخول في عملية سياسية والسلطة الفلسطينية تتناحر مع حماس، أو أن الحركة تتعالى عليها، وتمضي في طريق المقاومة الذي باتت فرصه العملية أقل مع تدمير جزء كبير من قدرات حماس، وإصرار إسرائيل على عدم مغادرة قواتها قطاع غزة قبل أن تتيقن من عدم وصول السلاح إلى أيدي حماس من أي جهة.
جاءت استضافة حسين الشيخ في الدوحة كخطوة لجس نبض السلطة الفلسطينية المترنحة، خاصة أن الرجل مرشح لخلافة رئيسها محمود عباس، ومعرفة الحدود التي يمكن أن تذهب إليها قطر لتتمكن من إنجاح مهمتها، والوسائل التي سوف تساعدها على إعادة تعويم حماس بموجب تطورات الحرب على غزة، وفرص القيادة القطرية في تحقيق اختراق في مصالحة مرت بمطبات عميقة في السنوات الماضية، وأخفقت دول عربية وغير عربية حاولت تجسير الهوة بين الفصائل الفلسطينية.
تريد الدوحة رفع سقف التوقعات حول دورها، وخفضه بالنسبة إلى ما يمكن أن تقوم به روسيا والصين، حيث عقدت فصائل فلسطينية اجتماعات في البلدين مؤخرا بغرض تحقيق المصالحة، وهو ما تتحفظ عليه أو ترفضه الولايات المتحدة، ما يجعل تحركات قطر في ملف الوساطة تحدث تشويشا سياسيا، إذا فشلت في إحداث تقدم ملموس، وهي خدمة تقدم لواشنطن بثمن معروف، حيث يهمها تفشيل وساطة موسكو وبكين.
يمكن أن تنجح قطر في عقد لقاءات بين ممثلين عن السلطة الفلسطينية وحماس، لكنها لا تكفي لتتحول إلى دليل على أنها قادرة على تحقيق مصالحة في المدى المنظور، ففي ظروف سياسية أقل حدة أخفقت مصر والسعودية والجزائر وتركيا، وقطر نفسها، في التوصل إلى تفاهمات فلسطينية قابلة للحياة، فما بالنا بعد عملية طوفان الأقصى وما خلّفته من روافد أمنية وسياسية، أوجدت واقعا فلسطينيا وإسرائيليا مغايرا؟
تنطوي تحركات قطر في هذا الطريق على حسابات على صلة وثيقة بتوجهاتها، ومحاولة إنقاذ قيادات حماس من مصير مجهول، فما كان ممكنا قبل السابع من أكتوبر لم يعد كذلك الآن، فالحل الذي تريده الدوحة قد لا يتسبب في إنقاذ حماس سياسيا، ولن يحقق سوى تفجير لما تبقى من السلطة الفلسطينية بذريعة الدعوة للوحدة الوطنية، فالمطلوب وجود مروحة واسعة لرؤية تأخذ في اعتبارها ارتدادات الحرب على غزة، وتتوارى قليلا حركة حماس، وتمنح فرصة لجيل فلسطيني جديد يستطيع التعامل مع المستجدات والمعطيات الصعبة الراهنة، وما سوف يتمخض عنها في المستقبل.