مجزرة جديدة تضاف إلى سجل الانتهاكات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، وهي قصف مخيمات النازحين في منطقة رفح وإحراقها. فما زالت قوى الاحتلال الغاشم تحاصر الشعب الغزاوي بكل وسائل القتل والإبادة لإنهاء أي وجود لأصحاب الأرض واحتلال كل شبر فلسطيني وتحويله إلى كيبوتس جديد ضمن المستعمرة الكبرى “إسرائيل”.
ما حدث من قصف جيش الاحتلال لخيام النازحين في رفح وإحراقها بقاطنيها، هي واحدة من أبشع الجرائم في حق الإنسانية، فهناك وجهت أسلحة الاحتلال على أجساد الأطفال والنساء والشيوخ الفارين من ويلات الحرب في غزة، وحولتهم إلى أشلاء، وهذا بالتأكيد كشف عن وجه إسرائيل القبيح، ويشير بما لا يدع مجال للشك إلى أنها تبيد المدنيين وتضرب بالقوانين الإنسانية والعدالة الدولية وحقوق الإنسان عرض الحائط.. فمن يردعها؟!
واقعياً وعلى الصعيد الميداني الوضع حقاً أشبه بقنبلة، فلم تكتف إسرائيل بقتل العشرات في الغارة الإسرائيلية على رفح وإجبار آخرين على مغادرة المنطقة بحثاً عن مناطق آمنة، لكنها أصرت على تهديد المنطقة خاصة بعد أن استفزت مصر بقتل جندي مصري عند معبر رفح، فيبدو أن تل أبيب تريد احتلال المعبر وتنفيذ ما أعلنته سابقاً بإسناد مهمة المعبر إلى شركة أجنبية تحت وصاية إسرائيلية.. لكنها تدرك جيداً أنَّ الموقف المصري غير قابل للمناقشة، فعندما تعلق الأمر بأمن مصر القومي فالمسألة غير قابلة للمساومة، كما أنَّ مصر غير مستعدة للتنازل عن إدارة معبر رفح حسابها أيا يكن الثمن، وبالتالي قد يؤدي الأمر إلى تعليق مصر معاهدة السلام!
من الواضح أن من آمن العقاب أساء الأدب، فرغم ما تنفذه من إبادة جماعية للشعب الفلسطيني وما تقوم به من إشعال الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها لا تجد من يحاسبها، والدليل أنها تحدت بشكل صارخ حكم محكمة العدل الدولية، وهي أعلى محكمة في الأمم المتحدة، الذي أمرها في 24 أيار (مايو) بوقف هجومها العسكري على الفور في رفح، حيث كان يجب تطبيقه بشكل عاجل.
لا يخفى على أحد أنَّ منطقة الشرق الأوسط تمر بظروف صعبة بسبب إسرائيل من قتل وتهجير وانتهاكات خطيرة ضد الشعب الفلسطيني صاحب الأرض من ناحية، وعدم الوصول إلى هدنة مع حماس تخمد نيران الحرب وتروي عطش المدنيين من ناحية ثانية، هذا بجانب الإصرار على استفزاز إسرائيل للجيش المصري وتهديد الأوضاع على الحدود المصرية مع فلسطين وفي منطقة معبر رفح وكذلك التهديد باحتلال محور فيلادلفيا، وكأنها تخرج لسانها للجميع وتقول أنا وبعدي الطوفان..!
ويبدو أن تداعيات الاستفزاز الإسرائيلي ستكون خطيرة، فمن ناحية مصر فقد تشهد الأيام المقبلة انتشاراً قوياً لقوات الجيش قرب معبر رفح، ومن الممكن أن تستغل مصر هذا الحادث الذي أسفر عن قتل جندي مصري، كورقة ضغط على إسرائيل، رغم أن مصر تمتلك أوراقاً للضغط أكبر من هذا الموقف بكثير، لكنه لن يؤدي إلى أحداث خطيرة، وقد تقوم الدبلوماسية المصرية باختراع مخرج جديد يجلس تل أبيب على مائدة المفاوضات مجدداً ويساهم بالتالي في تهدئة الأوضاع، وقد يتم التجاوز عما حدث وإنهاء الأمر بطريقة هادئة دون أي ردود أو صخب.
ومن ناحية جيش الاحتلال، فمن الواضح أنه يريد توسيع عملياته العسكرية في رفح الفلسطينية وفي المنطقة الحدودية مع مصر بينما ستتصدى له عناصر المقاومة الفلسطينية في محاولة لمنع زحفه نحو عمق المدينة، لكنه سيتوسع وينتشر على جثث المدنيين نحو غرب رفح حتى يحاصر المدينة ويفرض سيطرته عليها بالكامل ثم يعلنها منطقة خاضعة لسيطرته الكاملة.
فيما يرى آخرون أنَّ حماس لا تزال تحتفظ بأوراقها في التفاوض ما دامت العمليات العسكرية المتواصلة لم تصل إلى معاقلها وأنفاقها المعقدة، ولم تفض إلى استسلامها، وما دامت حماس تضع كل ثقلها في المواجهة ولم تفقد قدرات المناورة ولا تتأثر بعامل الزمن وتحاول إبداء موقف متشدد كما يبديه الاحتلال فيما يخصّ صفقة تبادل الأسرى.