أن تكون رئيسًا لدولة فلسطين او رئيسا لوزرائها نبل وشجاعة وخاصة في هذه الظروف الكارثية التي تدمر الحرب الظالمة أراضيها ومؤسساتها وتقتل وتغتال وتهجر وتبيد شعبها وهي مسؤولية تاريخية كبيرة جدا في ظل ان احتمالات الفشل كبيرة أيضا وخاصة بعد محاولة إعادة احتلال جزء كبير من فضاء عملك وهو قطاع غزة والتحديات الماثلة امامك كثيرة.
ولكن التحدي الأكبر في رأيي هو قدرتك على مأسسة هذه التحديات وتحويلها الى أولويات وفرص، والتحدي الثاني هو قدرتك على فتح الأبواب امام جميع المبادرات المحلية والدولية سواء بدأت بالاقتصاد ام بالسياسة والمهم هنا إعادة صياغة هذه المبادرات ضمن برامج شراكة ومصالحة دولية ومحلية لتحقيق الأهداف العامة ومحلية من خلال الشراكة مع القطاع الحكومي والخاص والأهلي،
وفلسطين كما تعلم سيدي رئيس الوزراء هي دولة متعلمة لا تتعدى فيها نسبة الامية 2% وبها اكثر من 1,358,410 طالب في المدارس واكثر من 214,081 طالب جامعي وان 43% الا ان عدد السكان غير المنتجين هم الأغلبية حيث ان 2,352,850 مواطن تقل أعمارهم عن 18 عاما. في مثل هذه الحالة. فالتحدي التالي هو قدرتك على استخدام مصادرك بشكل صحيحي وتخفيض تكلفة الحياة وبناء الثقة، حيث تفيد مؤشرات الثقة الفلسطينية في العام 2022 انها تقل عن 46% على جميع المستويات السابقة وخاصة المحلية فمثلا من خلال مصالحات حكومية اقتصادية مع القطاع الخاص واجتماعية وغير سياسية مع كل القطاعات الاهلية والاخرى يمكن ان تعزز فرص نجاحك.
أنت كرئيس للوزراء، ماذا ستفعل؟ في حين سيكون نجاح الحلم الفلسطيني مرتبط بك كرئيس للوزراء، والمهمة ليست بالسهولة التي نفهما، والتحدي الاخر هو تحدي المأسسة، فالمأسسة المطلوبة هي ان تمكن المؤسسات من العمل، وان تدعها تعمل ضمن مستويات عليا من الحوكمة والحكم الرشيد لانها هي من ستقوم بالمهمة الكاملة عنك، فهي ستطيح بالفاسدين ومن لهم سجل فساد في مجال الحكم. وستعالج شكاوى المواطنين بشأن مشاكلهم اليومية والبطالة في مجتمعنا فالبطالة مثلا وصلت نسبتها قبل الحرب الى حوالي 25%. فالمأسسة ستحل مشكلة البطالة من خلال السياسات ومواصلة تطوير المشاريع والبرامج الحكومية المرتبطة بمراكز التكلفة في القطاعات الاقتصادية المختلفة وإعادة الاعتبار للمشاريع الريادية والصغيرة والمتوسطة ومشاريع الطاقة، وحل مشكلة المياه والمواصلات، وهي التي ستساهم في تحقيق اهداف اجندة التنمية الدولية 2030 تحت شعار لا ندع احدا خارج برنامج الحكومة واهتمامها تحقيقا لمبدا الاستفادة من الطاقات والقدرات والخبرات لدى جميع القطاعات.
فالشراكة الغائبة مورد أساسي، فعلى سبيل المثال لا الحصر تزيد حجم الودائع والتوفيرات في البنوك الفلسطينية عن حوالي 6 مليار دولار، ولكن للأسف فان حصة الاستثمار المحلي منخفضة وتتركز في قطاع البناء، علما ان استقطاب الاستثمار الأجنبي في فلسطين هو منخفض أيضا على عكس حصة الاستثمارات الفلسطينية المرتفعة في الخارج وتتعدى 11 مليار دولار، فالمبادرات الحكومية مهمة لتشجيع الاستثمار المحلي والاجنبي فإقامة استثمارات حكومية اساسية في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية ولاقامة مشاريع اقتصادية وبنية تحتية واجتماعية وثقافية وسياسية مشتركة يمكن ان تعزز ثقة القطاع الخاص بجدوى الاستثمار. كما ان تدخلكم ضروري في بناء الصناعات الكبرى او تعزيز القائمة منها، واتخاذ خطوات خاصة للاستثمار في قطاع الزراعة لتعزيز الإنتاج وإدخال تغيير كامل في الهيكل التعليمي ومكانة المعلم والتدريب المهني والأكاديمي والاتجاه لمجانية التعليم والتعليم الجامعي وتعزيز المنح الدراسية في مجالات التكنولوجيا والهندسة وان تكون جميع المجالات موجهة للعمل ومحاربة الفقر.
كما انه لا بد من تعزيز سيادة القانون والثقة بالمحاكم ضمن رؤى حضارية ديمقراطية عالمية ومحلية في التعامل مع ملف السلم الاهلي، لانه وللأسف الشديد فقد وصلت عدد الجرائم في العام 2022 الى حوالي 40 الف جريمة سجلت في الدوائر الشرطية، والقضايا المسجلة في عام 2021 لدى المحاكم حوالي 94 الف قضية هذا عدا عن القضايا الأخرى التي تزيد عن هذا العدد وتم حلها بعيدا عن القانون.
أعلم سيدي رئيس الوزراء أن الحكم ليست بالمهمة السهلة ولا يمكن تحقيق ذلك بدون المشاركة الفعالة للشعب للقضاء على أنواع الشرور الاجتماعية وتثقيف الناس وتعزيز دور الشباب في العمل الأهلي والتطوعي وغرس الشعور العميق بالانتماء في أذهان الناس واتخاذ التدابير اللازمة لإحياء الفخر الوطني في فلسطين وإحراز تقدم وتطبيق القانون وعدم التغاضي عن أي أي جهة تمس كرامة المواطنين وحريتهم.
الأخ رئيس وزراء فلسطين، التحدي الأساسي لانجاح ذلك سيكون باختيار أفضل الوزراء ضمن مجموعة من اختبارات الجغرافيا والانتماء والاخلاق والقدرات المهنية والذكاء ومعرفة الوطن وقضاياه، وان يكون للشباب والعلماء المتميزين أيضًا فرصة في مجلسكم.
سيدي رئيس الوزراء ان الايمان والالتزام بالسلام واللاعنف سيعزز الامن من التهديدات الخارجية والداخلية وأن نكون مستعدين لحماية أنفسنا ومحاربة الإرهاب والحفاظ على التراث والمقدسات، وتعزيز حضور ومشاركة السكان في صنع القرار في المناطق الريفية ضعيفة التطور لخدمة المرضى والفقراء وتنمية المرأة في كل مجال.