إيران

رحيل «رئيسي» في زمن التوترات الإقليمية

الفشل في التوصل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة، جعل رئيسي يمضي في "الخيار الشرقي"، فيرفع العلاقات مع الصين وروسيا إلى المستوى الاستراتيجي. وبرز ذلك في اتفاق التعاون لمدة 25 عاماً مع الصين، وفي توقيع اتفاقات تعاون اقتصادي وعسكري مع روسيا.

منذ الإعلان رسمياً عن مقتل الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي في تحطم مروحية كانت تقله ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومسؤولين آخرين في رحلة العودة من تدشين سد على الحدود الإيرانية – الأذرية المشتركة، يتدفق سيل من التساؤلات بشأن الانعكاسات التي يمكن أن يتركها فقدان رئيسي على الساحة الداخلية وعلى الإقليم المشتعل بالحروب والاضطرابات.

الأرجح أن رحيل رئيسي المحسوب على التيار المتشدد، لن يحدث تغييراً دراماتيكياً في السياسة الخارجية لإيران، والقائمة على دعم “المحور” الذي يقاتل إسرائيل في غزة ولبنان واليمن والعراق.

والحال كذلك في ما يتعلق بالنقطة الأكثر أهمية، وهي البرنامج النووي الإيراني. ومن المعروف على نطاق واسع أن مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، هو من يمسك في نهاية المطاف بالقرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية والبرنامج النووي.

وكان انتخاب رئيسي عام 2021 قد مكّن التيار المتشدد من الإمساك بمفاصل الدولة، وتعزز هذا الاتجاه مع انتخابات مجلس الشورى العام الجاري.

وانعكس ذلك تشدداً في المفاوضات غير المباشرة مع ادارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإبرام تفاهم يعيد إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.

ومع ذلك، لم يغادر رئيسي مربع السياسة الواقعية بالكامل، وحافظ على اتصالات مع أميركا عبر القنوات العمانية والقطرية والعراقية والسويسرية. وقبل اندلاع حرب غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، توصل الجانبان إلى تفاهم قضى بتبادل السجناء وبسماح أميركا لكوريا الجنوبية بالإفراج عن ودائع إيرانية مجمدة ووضعها في بنوك قطرية، من أجل استخدامها في شراء الغذاء والدواء. لكن اندلاع الحرب، عطّل مسار التقارب الأميركي – الإيراني، من دون أن يقطعه بالكامل.

والأسبوع الماضي، عقدت جولة مفاوضات غير مباشرة في مسقط بين مسؤولين إيرانيين وأميركيين، بهدف خفض التصعيد في المنطقة والبرنامج النووي الإيراني.

هذه الجولة كانت مهمة في توقيتها، كونها أتت بعد شهر تقريباً من توجيه إيران أول ضربة مباشرة من أراضيها لإسرائيل في 13 نيسان (أبريل) الماضي، رداً على استهداف إسرائيل القنصلية الإيرانية بدمشق مما أسفر عن مقتل المسؤول الكبير في “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري محمد رضا زاهدي وعدد آخر من مساعديه.

قبل ذلك، كانت أميركا وإيران قد نجحتا في عدم توسع حرب غزة إلى حرب إقليمية شاملة، وحافظت ادارة بايدن على اتصالاتها غير المباشرة مع طهران بهدف اقناع الحوثيين في اليمن بخفض التصعيد في البحر الأحمر، بعدما أدت ضربات الحوثيين إلى تعطيل نسبة كبيرة من التجارة العالمية التي تمر بباب المندب.

كما سلك رئيسي سياسة واقعية أيضاً حيال دول الخليج العربية، ونجحت الصين في التوسط قبل عامين لمعاودة العلاقات بين الرياض وطهران بعد نحو عقدٍ من التوترات.

والفشل في التوصل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة، جعل رئيسي يمضي في “الخيار الشرقي”، فيرفع العلاقات مع الصين وروسيا إلى المستوى الاستراتيجي. وبرز ذلك في اتفاق التعاون لمدة 25 عاماً مع الصين، وفي توقيع اتفاقات تعاون اقتصادي وعسكري مع روسيا، وانعكس تبادلاً للزيارات مع الرئيس فلاديمير بوتين، ودعماً عسكرياً لموسكو في حربها مع أوكرانيا، عبر تزويدها بمسيّرات “شاهد” بشكل أساسي.

لكن “الخيار الشرقي”، لم ينعكس بالقدر المطلوب في تنمية الاقتصاد الإيراني المرهق بالعقوبات الأميركية. وكثير من الشركات الصينية، بقيت تتجنب السوق الإيرانية حتى لا تتعرض لهذه العقوبات، علماً أن الصين هي المستورد الأساسي للنفط الإيراني الذي استعاد تقريباً مستويات التصدير التي كان عليها قبل معادوة فرض العقوبات الأميركية عام 2018، عقب انسحاب الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي.

ليس بخافٍ أن رئيسي كان حليفاً موثوقاً لخامنئي. وسرت تكهنات في السنوات الأخيرة عن احتمال أن يكون رئيسي خليفته الأكثر احتمالاً. ومعظم التوقعات كانت تحصر المسألة بين رئيسي ومجتبى خامنئي النجل الثاني للمرشد.

ولم يظهر رئيسي تساهلاً مع أوسع احتجاجات تشهدها إيران عقب وفاة الشابة الكردية مهسا أميني خلال احتجازها في مركز لشرطة الأخلاق في طهران في 16 أيلول (سبتمبر) 2022. وقمعت قوى الأمن المتظاهرين، لكنها غضت الطرف في ما بعد عن خروج نساء من دون غطاء الرأس في شوارع المدن، قبل أن تعود فتتشدد في هذا المجال في الآونة الأخيرة. وأشعلت الاحتجاجات التي استمرت أشهراً جدلاً داخلياً عما إذا كان يتعين إلغاء إلزامية الحجاب.

من المؤكد أن الغياب المفاجئ لرئيسي، سيحتم على إيران عملية انتقال سريعة في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة، وسعي إيران الحثيث إلى دور أوسع في الشرق الأوسط، لا سيما أن الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة لا يبدو أن ثمة نهاية قريبة لها تلوح في الأفق، ومع مساعي الولايات المتحدة إلى ترتيبات استراتيجية قائمة على “احتواء” إيران ودورها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى