رغم أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية أسدلت ستارها على فوز الجمهوري، دونالد ترامب، أمام منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، لكن ساحة المعارك لا تزال قائمة حيث ينتظر ترامب 34 تهمة جنائية يوم 26 نوفمبر الجاري.
وسيكون دونالد ترامب (78 عاما) أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية يتولى منصبه بينما لا تزال العديد من القضايا الجنائية تلاحقه، لتضع المرشح الفائز أمام 3 سيناريوهات قضائية، أصعبها الإدانة والتنحي.
وأفادت تقارير إعلامية أمريكية، بأن المناقشات بدأت بالفعل بين فريق ترامب والمكتب المشرف على القضايا الفيدرالية حول كيفية إنهاء هذه القضايا، غير أنها لا تزال تمثل تهديدا مباشرا على الرئيس الـ47 للولايات المتحدة.
اقرأ أيضا.. «صفقة القرن».. هل يستطيع ترامب تحقيق السلام؟
وُجهت إلى دونالد ترامب 34 تهمة جنائية تتعلق بتزوير مستندات مالية في نيويورك، إذ وجدت هيئة محلفين من سكان نيويورك أنه مذنب في جميع التهم المرتبطة بدفع أموال لإسكات ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز خلال حملته الانتخابية في عام 2016.
وتحدثت “جسور بوست” مع عدد من الخبراء، بينهم عضو في حملة ترامب، يرون أن القضية المرتقبة واحدة من أربعة يواجهها ترامب، وتنتظر التأجيل مجددا ثم الإسقاط بعد وصول الرئيس الأمريكي الجديد للبيت الأبيض في يناير المقبل، لا سيما وأنه سيملك صلاحية تعيين وزير العدل الجديد، والذي من المنتظر أن يأمر بحفظ القضية.
وينتظر ترامب إعلان النتائج الرسمية، فيما أعلن رئيس مجلس النواب في الكونغرس الأمريكي مايكل جونسون عن فوزه برئاسة الولايات المتحدة، وتنص المادة الثانية من الدستور الأميركي على أن الرئيس يمكنه منح التأجيل والعفو عن الجرائم الفيدرالية، لكن قضايا الولاية تعتبر خارج نطاق العفو السياسي.
ومنذ فاز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية، في مارس الماضي يواجه اتهامات جنائية في 4 قضايا منفصلة، وهي القضية الخاصة بالممثلة الإباحية، وملاحقتان قضائيتان أخريان، إحداها أقامتها وزارة العدل والأخرى ولاية جورجيا، بتهمة التآمر لإلغاء خسارته في انتخابات عام 2020، والقضية الرابعة تتعلق باتهامه بالاحتفاظ بوثائق سرية بعد مغادرة البيت الأبيض في عام 2021.
وفي يوليو الماضي، قضت المحكمة العليا بأن الرؤساء السابقين لهم الحق في الحصانة المطلقة من الملاحقة القضائية بسبب الإجراءات التي تقع ضمن سلطتهم الدستورية، لكن لا يحق لهم التمتع بالحصانة من الملاحقة القضائية بسبب الإجراءات المتخذة بصفتهم الشخصية.
وخاض ترامب الانتخابات كأول رئيس أمريكي سابق تتم إدانته في جريمة، وبعد الفوز بات أول رئيس ينتخب عقب إدانته جنائيا، ومن المقرر أن يصدر الحكم على ترامب في القضية التي أدين فيها، المتعلقة بالممثلة الإباحية يوم 26 نوفمبر الجاري، بعدما تم تأجيلها لما بعد الانتخابات.
سجل جنائي بلا إدانة
وتوقع جبريل صوما، خبير القانون وعضو المجلس الاستشاري للرئيس السابق دونالد ترامب (2016-2020)، وعضو اللجنة الانتخابية للرئيس ترامب 2024، أن تسقط وزارة العدل الأمريكية جميع الدعاوى القضائية التي رفعت ضده، مؤكدا أن كون ترامب صار رئيسًا للولايات المتحدة ولديه حصانة بإمكانه أن يسقط كل الدعاوى القضائية ضده، لأنه هو من يعين وزير العدل.
وبشأن إمكانية أن يَصدر حكم بإدانة ترامب قبل تنصيبه رئيسا للبلاد في يناير 2025، أوضح صوما في تصريح لـ”جسور بوست” أن “وزارة العدل تدرك جيدا أن تلك الدعاوى سوف تسقط وقد تؤجل النظر فيها وستأخذ شهورا لصدور الحكم، وستنتهي إلى لا شيء وسيدخل ترامب البيت الأبيض وسجله الجنائي بلا ملاحقات جنائية أو إدانة”.
وأضاف صوما: “القاضي الذي ينظر في مسألة العقوبات قرر أنه سيعيد النظر بالمسألة، وهذا يعني أن كافة المحاكم الفيدرالية التي أقيمت الدعاوى فيها بناء على طلب وزارة العدل الأميركية سوف تسقط حتما لأن وزارة العدل سوف تنتقل إلى حكومة ترامب وليس حكومة بايدن، لا سيما وأن تلك الدعاوى القضائية أقيمت بطلب الأخير”.
وتابع: في 26 نوفمبر، سيقرر القاضي في اتهام ترامب بالقضية المتعلقة بممثلة الأفلام الإباحية ما إذا كان سيصدر الحكم على ترامب، أو يسقط القضية بناء على قرار المحكمة العليا، وفي حال قرر القاضي المضي قدما في القضية، سيطلب محامو ترامب تأجيل القضية، وفي حال رفض ذلك، قد يقرر المحامون استئناف القضية أمام محاكمة الولاية، وصولا إلى المحكمة العليا.
وأضاف: إذا أصدر القاضي الحكم فقد يواجه ترامب السجن، لكن من حق القاضي أيضا تخفيف العقوبة لتكون الحبس المنزلي أو الخدمة المجتمعية أو الغرامة، ومع ذلك قد يطعن المحامون أمام المحاكم بأنه لا يمكن تنفيذ حكم على الرئيس المنتخب، وهي قضية قد تنظرها المحاكم لشهور عدة، بحسب رأي جبريل صوما.
وقال صوما، إنه في عام 2000، إبان التحقيق في قضايا للرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون، وزوجته هيلاري، تتعلق بأعمالهما التجارية بولاية أركنساس، قال مكتب المستشار القانوني بوزارة العدل وقتها إن توجيه الاتهام أو مقاضاة رئيس في منصبه من شأنه أن يقوّض بشكل غير دستوري قدرة السلطة التنفيذية على العمل.
شبح سيناريو نيكسون
وقال أستاذ العلوم السياسية والقانون، الدكتور أمجد شهاب، إن انتخاب دونالد ترامب رئيسا لا يسقط الدعاوى الجنائية المرفوعة ضده، لكن لديه حماية وحصانة لانتخابه رئيسا للولايات المتحدة، وبالتالي فإن القضية المتعلقة بممثلة الأفلام الإباحية من المرجح أن يتم تأجيلها.
وتوقع شهاب في تصريح لـ”جسور بوست” أن تؤجل هذه القضايا لاحتمال ضعيف أن يتم محاكمته بعد انتهاء مدة ولايته الرئاسية المقررة بـ4 سنوات، مثل رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي يلاحق بقضايا جنائية ولكن لا يستطيع أحد محاكمته في الوقت الحالي على أن يلاحق متى انتهى من مهام منصبه الذي يمنحه الحصانة.
ولا يعتقد شهاب أنه تتم محاكمة رئيس الولايات المتحدة أثناء تأدية عمله، قائلا: “ترامب كان يخشى عدم فوزه الذي سيقود إلى المحاكمات والإدانات، وأنفق ما يزيد على 6 مليارات دولار في الدعاية الانتخابية، كأكبر رقم يتم إنفاقه بتاريخ سباق الرئاسة بالولايات المتحدة من أجل ذلك أيضا”.
وطرح خبير القانون والعلوم السياسية سيناريو آخر، وهو أن “يتم إجبار الرئيس ترامب حال إدانته جنائيا على التنحي أو تقديم الاستقالة، مثلما تم إجبار الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاستقالة بعد فضيحة ووتر غيت، غير أن سيطرة ترامب حاليا على السلطة التنفيذية بفوزه رئيسا والسلطة التشريعية بجناحيها الكونغرس والشيوخ، سيضعف من احتمالات تحقق هذا السيناريو”.
لن تعرقل ترامب
ووفق ما يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، الدكتور نبيل ميخائيل، سوف تستمر محاكمة ترامب كما هو مخطط لها بكل الإجراءات القانونية بحضور فريقه القانوني، مستدركا: “لكن سوف تتم في أجواء لن تلحق ضررا به أو تعرقل من مساره الرئاسي”.
وأوضح ميخائيل في تصريح لـ”جسور بوست”، أن ترامب كسب تأييد أكثر من 70 مليون أمريكي وهناك شعور بالتفاؤل بانتخابه تلامس مع الأسواق المالية والبورصات العالمية، الأمر الذي سيعزز شعور التعاطف معه من الجميع، مؤكدا أن فريق ترامب قادر على أن يؤجل القضايا كما استطاع أن يفعل ذلك قبل الانتخابات وسيماطل كل مرة ويؤجل النظر فيها.
وبخلاف التأجيل، قد يصدر ترامب قرارا بإقالة المحقق الخاص جاك سميث، كما تعهد من قبل، وبالتالي إسقاط ما رفعه من دعاوى ضده تلقائيا، وفق تقديرات أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، الدكتور نبيل ميخائيل، قائلا: “ترامب كما استطاع أن يفوز بالانتخابات، سيواصل التخلص من التهم التي تلاحقه تدريجيا سواء بالعفو عن نفسه أو بتأجيل المحاكمات وإسقاطها أو بتغييرات في وزارة العدل تجعل من غير الممكن نظر محاكمته مجددا”.
ومن المقرر أن يجري تنصيب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة يوم 20 يناير 2025 في مبنى الكابيتول الأمريكي، وعادة ما يحضر الرئيس المنتهية ولايته حفل التنصيب كرمز للانتقال السلمي للسلطة، على الرغم من مقاطعة ترامب حفل التنصيب في عام 2020.