عبثا تحاول أطراف الصراع والوسطاء الوصول إلى هدنة في أول أيام شهر رمضان في قطاع غزة، الحقائق فوق طاولة المفاوضات وتحتها واضحة للعيان، سباق الزمن المزدحم بكثرة جولات المحادثات والضغوط السياسية مغلفة بتصريحات استباقية لمراوغة كل طرف سعيا لإدارة دراما مشهد المفاوضات.
مشهد دراماتيكي متقلب الأوجه قائم على سياسات عض الأصابع، ومحاولات التركيز على توقيت الهدنة قبيل حلول شهر رمضان أو مع بزوغ فجر يومه الأول، وهو ما يثير السخرية والاشمئزاز.. بعنوان بائس عريض: استمرارية المشهد بعناصره المأساوية، وبتصاعد نسقه الدرامي دون مراعاة الضحايا العزل بصورهم التي تدمي القلب والعين.
أطراف الصراع يموهون المشهد التفاوضي للاستحواذ عليه بالمماطلة والتسويف سعيا لإخفاء حقيقة واحدة فقط، فشلهم في الوصول إلى ما أعلنوا عنه من أهداف لما بدؤوه من صراع فاق سلوك أيديولوجياتهم اليمينية ذات السقوف المؤطرة بين التعنت السياسي واستحالة تحقيق المطالب، مما أدى إلى تصادم مع رؤى المخرج الأميركي الذي يحاول جاهدا مع مساعديه القطري والمصري، لإخراج نهاية تليق بعبثية سيناريو الحرب، بما يخدم مصالحه السياسية أمام المجتمع الدولي من جهة، ومن جهة أخرى الانتخابية أمام الجمهور الأميركي الساعي لاستبدال المخرج الديمقراطي “الخرف” بمخرج ذي خلفية جمهورية أكثر تشددا برؤاه الإخراجية.
تعقيدات المشهد لا تقف فقط أمام رؤية المخرج وعقليته، بل تشمل طموحات أطراف الحرب الدائرة، الذين يريدون إثبات بطولاتهم بنهاية المشهد الدرامي لاستثارة جماهيرهم على نصر بُني على جثث ضحايا خدموا واقعية المشهد بسردية بصرية لتظل الحرب هي الخلفية والإطار.
في نهاية المطاف ستحقق رؤية المخرج الأميركي ومساعديه، نهاية إخراجية غامضة خالية من الإبداع تخدم دراما مفاوضات الهدنة العبثية كفصل من فصول حتمية الصراع المستمر، حيث سيجير كل طرف عناصر هذا المشهد لصالحه، وستلهو الجموع تأييدا لمشاهد وقف إطلاق النار، واحتفالات تبادل الأسرى وسط صمت الضحايا ممن فقدوا عائلاتهم وبيوتهم وأحلامهم، يتساءلون ما جدوى الحرب وكل هذا القتل والدمار والمعاناة؟ وهل هذه هي النهاية أم البداية لفصل جديد لصراع أوسع بجبهاته؟ هل سيكتفي الأطراف بمصائرهم النسبية بين الانتصار والهزيمة أم تحتاج الحرب إلى جزء ثان لا يقل بدلائله الدموية والفوضوية عن سابقه؟