فندت دراسة إسرائيلية الذرائع الإسرائيلية لرفض وقف الحرب على غزة، من خلال مقارنة بينها هذه الذرائع وبين تلك التي استخدمتها القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية خلال الحرب على لبنان، التي شنتها في 6 حزيران/يونيو العام 1982، واستمرت 18 عاما واضطرت إسرائيل بعدها إلى الانسحاب بشكل أحادي الجانب، في العام 2000.
وإحدى أبرز الذرائع الإسرائيلية لرفض الانسحاب من لبنان كانت التخوف على صورة إسرائيل في حال انسحابها، وفقا للدراسة الصادرة اليوم، الأحد، عن “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب. فقد اعتبرت وثيقة لدائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية (“أمان”)، في تشرين الأول/أكتوبر العام 1982، أن “انسحابا كهذا سيرسم صورة لجيش ينسحب، بعد أن انسحب بشكل أحادي الجانب من بيروت. وسيفسر ذلك كاعتراف بفشل السياسة التي سعت إلى تحقيق غايات أساسية في لبنان، وكضعف وعدم قدرة على الصمود أمام ضغوط. والانسحاب (من لبنان) من شأنه أن يؤدي إلى انطباع بأن إسرائيل لن تتوقف عند هذا الخط وأن ضغوطا أخرى يمكن أن تضطرها على انسحابات أخرى”.
وأشارت الدراسة إلى أن إسرائيل كررت هذا التبرير خلال حروبها وخاصة في حربها الحالية على غزة. كذلك اشترطت إسرائيل انسحابها من لبنان باستعادة أسرى ومفقودين وجثث جنود. ولفتت الدراسة إلى أنه التخوف الآن كما كان في حينه هو أن هذه القضية تُستخدم لتبرير استمرار الحرب، “بالرغم من أنه مشكوك في نجاعتها، وسلبية أحيانا بما يتعلق بإنجازات الحرب وكذلك من ناحية الأسرى والمفقودين والمخطوفين أنفسهم”.
وهناك ادعاء دائم في حروب إسرائيل، ومشابه جدا بين الحربين المذكورتين، هو أن استمرار بقاء القوات الإسرائيلية في المناطق التي اجتماعها يشكل “ضغطا عسكريا، ينبغي الاستمرار به حتى تحقيق الإنجاز السياسي، حتى لو لم يكن ظاهرا للعيان”.
وأعلنت إسرائيل أن هدفها من اجتياح لبنان هو “إزالة تهديد” منظمة التحرير الفلسطينية، التي خرجت قيادتها وقواتها من لبنان، في نهاية آب/أغسطس العام 1982. ولفتت الدراسة إلى أن بالرغم من ذلك، لم تنسحب إسرائيل من لبنان، وإنما نفذت انسحابين: في أيلول/سبتمبر 1983، انسحبت القوات الإسرائيلي إلى جنوب نهر الأول؛ وانسحبت في العام 1985 إلى “الحزام الأمني” الذي واجهت إسرائيل والميليشيا العميلة لها “جيش لبنان الجنوب” مقاومة من جانب حزب الله الذي تأسس حينذاك. وانسحبت إسرائيل بشكل أحادي الجانب من لبنان في العام 2000.
وأشارت الدراسة إلى أن العدد الرسمي للضباط والجنود الإسرائيليين الذين قُتلوا خلال 18 سنة من احتلال جنوب لبنان “لم يُنشر أبدا”. إلا أن التقديرات تفيد بأن عددهم 675 عسريا، إضافة إلى حوالي 540 قتيل آخر سقطوا منذ بداية الاجتياح، في حزيران/يونيو، وحتى أيلول/سبتمبر 1982، ليصل إجمال العسكريين الإسرائيليين القتلى في هذه الحرب إلى 1217 قتيلا.
ولفتت الدراسة إلى أن “الثمن الأمني من جراء نمو حزب الله، وتحوله إلى العدو الأكثر تهديدا على حدود إسرائيل، والأثمان السياسية والاجتماعية والعسكرية الداخلية للبقاء في لبنان، لا تزال دولة إسرائيل تدفعه حتى اليوم”.
يشار إلى أن إسرائيل بدأت الاستعداد للحرب في لبنان قبل سنة من شنها. وحسب الدراسة، فإن إدارة ريغن، حينها، كانت تنظر لاجتياح لبنان على أنه يتعارض مع المصالح الأميركية، إلا أن العلاقات بين إدارة ريغن وحكومة مناحيم بيغن “كانت جيدة بما لا يقارن مع العلاقة الحالية بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو”. لكن كلما طال اجتياح لبنان برزت خلافات أكبر بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية.
واعتبرت الدراسة أن “ثمة مكان للتخوف من أنه كلما استمرت الحرب في غزة، واعتبرت إسرائيل كمن تسعى إلى احتلال غزة خلافا للموقف الأميركي الواضح، سيلحق ضررا أخطر بكثير بالعلاقات الإسرائيلية – الأميركية من الضرر الذي لحق بها في حرب لبنان الأولى”.
ولفتت الدراسة إلى أن قضية الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة “قوضت المفهوم الأساسي لمسؤولية الدولة عن مواطنيها، بشكل لا مثيل له في أي حرب سابقة، وبضمنها حرب لبنان الأولى. ويتعمق التقاطب داخل إسرائيل نفسها، ويرافقه شعور بعد وجود فائدة من وضع الحرب، وفقدان الشعور بالأمن داخل إسرائيل أيضا وتخوفات حيال استمرار وجودها في المستقبل”.