أمريكا

«داعش» الورقة الرابحة للأميركيين

إن سلاحاً فتاكاً كداعش يبقى امتلاكه هدفاً للأنظمة الاستعمارية التي تعيش على التدخل في شؤون الدول الأخرى، لتحركه كيفما شاءت، وتضرب به بقوة وتضع اسم داعش كماركة مسجلة للهجمات الإرهابية.

منذ أن بدأت المعلومات عن العمل الإرهابي في مجمع «كروكوس» بإحدى ضواحي العاصمة الروسية موسكو ترد شيئاً فشيئاً، لم يساور الكثيرين الشك أن تنظيم داعش الإرهابي سيخرج للإعلان رسمياً عن مسؤوليته الكاملة من دون تردد، من منطلق إحدى حالتين، الأولى من كونه هو من قام بالفعل الإرهابي، نتيجة لما يتعرض له من ضربات على يد الجيش العربي السوري بمساندة القوات الروسية، والثاني من باب استخدامه أميركياً وغربياً لتحمل العمل لصرف النظر عن الفاعل الحقيقي.

وهو ما يتم الحديث عنه في الأوساط الإعلامية والرسمية الروسية، حيث إن هذا التنظيم الذي بات اليوم، مع اقتراب مرور عشر سنوات على إعلان قيام دولته المزعومة، خلايا ملاحقة عناصره في البادية السورية وصحراء العراق وعدة أماكن مقفرة من البلدان المبتلاة بالحرب والوجود الأميركي أو أثره، دائماً ما يستخدمه صانعه الأميركي حصاناً رابحاً لتوجيه ضربات إرهابية لأي مكان تشتهي في العالم ووضع دمغة داعش عليها.

وهنا أعود بالذاكرة عشرين عاماً للوراء حين شغل العالم فيلم أسطوري اسمه «سيد الخواتم» فاز بأجزائه الثلاثة (٢٠٠١ – ٢٠٠٢ – ٢٠٠٣) بسبع عشرة جائزة أوسكار، وهو رقم قياسي في عالم الأفلام، وتقوم فكرة الفيلم باختصار على خاتم سحري يعطي مالكه قوة خارقة، لكن وجوده يجلب الخراب للأرض، ويمضي مجموعة من البشر والجن والأقزام في رحلة شاقة لتدميره.

لكن حب القوة يوقعهم أحياناً في شباكه فيحاول بعضهم الحصول عليه والاحتفاظ به، إلا أنهم يتمكنون من تدميره أخيراً بعد عناء طويل، وهذه القصة تشابه إلى حد كبير قصة تنظيم داعش الإرهابي أو ما سبقه من تنظيمات إرهابية بمسميات مختلفة كالقاعدة وغيرها خلقتها واشنطن وامتلكتها واستفادت منها لتبطش بشعوب وتمزق دولاً وحضارات، وبات أي بلدٍ يتسبب للولايات المتحدة بإزعاج هدفاً لضربات إرهابية بتغطية من داعش، والخطير هنا أن ما يُستخدم هو الفكر لتحريك هذه الأدوات إن كان في روسيا أو غرب الصين أو في إيران كما حدث بداية العام في ذكرى استشهاد القائد قاسم سليماني أو في سورية والعراق أو في أي دولة أخرى تُتعب الأميركيين.

وعلى هذا الأساس فإن سلاحاً فتاكاً كداعش يبقى امتلاكه هدفاً للأنظمة الاستعمارية التي تعيش على التدخل في شؤون الدول الأخرى، لتحركه كيفما شاءت، وتضرب به بقوة وتضع اسم داعش كماركة مسجلة للهجمات الإرهابية في المكان المستهدف مضيّعة بذلك الغريم الحقيقي للبلد المتأذي، ومن يتابع تطورات السياسة والميدان الأخيرة يعلم تماماً لماذا ستوجه الولايات المتحدة وحلفائها وعلى رأسهم النظام الأوكراني ضربة إجرامية كهذه لروسيا، فالجيش الروسي بعد كسره طوال ٦ أشهر جميع الهجمات المضادة التي شارك فيها حلف الناتو ممثلا بعتاد من جميع دوله وأموال طائلة ومرتزقة من كل أصقاع الأرض.

بدأ منذ أيام هجومه الجديد ورحلة تحرير المدن والبلدات وتأمين الجمهوريات والمناطق التي فازت باستقلالها، كذلك واصلت الدبلوماسية الروسية قطع الطريق على الإدارة الأميركية وإبطال محاولاتها لمنح إسرائيل انتصاراً مجانياً على جثث عشرات آلاف الفلسطينيين حين أسقطت بفيتو مشترك مع الصين مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن يعطي غزة ٦ أسابيع من الهدنة مقابل الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين، لتواصل بعدها حكومة بنيامين نتنياهو عملية تصفية المقاومة في غزة من دون ضغوط داخلية من أهالي المستوطنين الأسرى، إضافة لكل هذا فإن فوز روسيا بتحدي إجراء الانتخابات الرئاسية تحت أعين مراقبين من ١٠٠ دولة من دون أي منغصات في حين يدخل الشارع الأميركي قبل ٨ أشهر على انتخاباته الخاصة نفقاً مظلماً نهايته الاختيار بين بايدن أو ترامب، أمرٌ يثير سخط مسؤولي واشنطن ويدفعهم لضرب الاستقرار الروسي.

داعش الورقة الرابحة للأميركيين الذين كانوا أول المعبّرين عن أسفهم على ما حدث وتضامنهم مع أهالي الضحايا، على مبدأ (قتل القتيل ومشى في جنازته)، إلا أن ألعوبة كهذه لن تمر على موسكو حيث أكد نائب مجلس الأمن القومي الروسي ديميتري ميدفيديف مباشرة عقب الحادثة أنه إذا ثبت أن هؤلاء إرهابيون يتبعون لنظام كييف فستقضي روسيا عليهم وعلى مسؤوليهم، وما توجههم بعد ارتكاب جريمتهم نحو الحدود الأوكرانية سوى دليل على عمقهم الإستراتيجي الحقيقي.

وإلى أن تصل التحقيقات الروسية إلى حقيقة ما حدث وتكتشف المجرم الحقيقي، وهذا ما سيحدث، فإن اسم داعش يبقى خاتم الشر الذي تستخدمه واشنطن كلما رغبت في ضرب استقرار مكان ما في هذا العالم، الأمر الذي يؤكد ضرورة مواصلة العمل لتدمير هذه الأداة ومن يقف خلفها ويدعمها ويستخدمها لمصالحه الشخصية أينما وجدت.

علي عدنان إبراهيم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى