مصير لبنان على المحك والخطر يكمن في طبقة سياسية عَلمانية ودينية عجزت عن إيجاد المخارج اللائقة للأزمة الراهنة. بات واضحًا أنّ هذه الطبقة السياسية زمنية وروحية تسعى إلى إجهاض أي خارطة طريق بإمكانها البدء بإنقاذ الجمهورية المترّنحة.
تحاول هذه الطبقة السياسية الفاسدة القضاء على ثوابت الصيغة اللبنانية القائمة على التوازن والمشاركة الفعلية في ممارسة العمل السياسي وتسعى إلى القضاء كليًا على ما يُعرف بـ “المناصفة”. التاريخ السياسي لحكام لبنان يؤشِّرْ إلى ضرب جوهر الجمهورية اللبنانية من خلال تعمّد ترسيخ الفراغ في كل مؤسسات الجمهورية بما ترمز إليه من مقومات وركائز الدول.
تعلمنا من خلال دراستنا “للعلوم السياسية ” ومن خلال ممارستنا للشأن العام، عندما نواجه مشكلة – أزمة – قضية المطلوب أن نعمل لحل هذه القضية بكل ما أوتينا من جهود وعلاقات محلية وإقليمية ودولية، في هذه المرحلة الحرجة المليئة بالأحداث تعمل الوجوه الصفراء على خفتْ الأصوات المطالبة بالسلام على الأرض اللبنانية وبتفكيك إرادة الشرفاء وبحقهم في تقرير المصير وفقًا لمصطلحات القانون الدولي الذي يمنح الشعب إمكانية أن يقرِّرْ شكل السلطة التي يريدها وطريقة تحقيقها بشكل حر بدون تدخل خارجي.
القانون الدولي أذِنَ للشعوب الحق في تقرير مصيرها، وهي بمقتضى هذا الحق حرّة في أن تحدِّدْ مركزها السياسي وتحقق نمّوها السياسي – الأمني – الإقتصادي – الإجتماعي – الثقافي مسترشدةً بمقاصد ومبادىء ميثاق الأمم المتحدة وخاصة المادة الأولى المتمثلة بمقاصد الأمم المتحدة والمادة 55 اللتان تؤكدان على حق الشعوب في تقرير مصيرها وعلى ضرورة قيام علاقات سلميّة في الداخل الوطني والإقليمي والدولي.
أدهى ما يحصل اليوم أن ينجم عن هذا الواقع المرير القائم خلافًا للنظام الديمقراطي تحجيم دور المناضلين، حيث يقتصر هذا التحجيم على فبركة التهم وبالتالي الأحكام المسبقة، وكأنّ الأمـر يتجسّد في معالجة هامشية لأصل المشكلة. رجال دين وساسة لا مساحة لديهم في أهمية العناية في قضية خطر زوال لبنان. المؤسف أنّ كل الإجتماعات التي تحصل سواء أكانت في مراكز دينية أو علمانية يسعى المدعوّن إليها إلى طمس القضية الأساسية وتغييبها، وبالإشارة إلى ما حصل مؤخرًا في أحد الدور الدينية حيث عَمِـلَ كل المدعوين الذي يمثلون أحزابًا فازت بالتزوير وضرب الإرادة الشعبية إلى ضرب مضمون الوثيقة تحت حجج واهية.
إنّ مراكز الأبحاث في لبنان وعالم الإنتشار التي تُعنى بإيجاد مخارج للأزمة اللبنانية تواجه أصعب تحدياتها ولبنان بكل أجهزته الرسمية يمُّرْ في أخطــر منعطفاته التاريخية، إنّ الوضع الحالي يجب أن يشهد حركة تحرُرْ وطني جديّة وفاعلة يقوم بها رجال فكر مستقلّين يفرضون حضورهم. الوضع الخطير يستوجب وحدة وطنية تتجاوز كل الخلافات التقليدية البغيضة، وهذه الوحدة ستسمح للمناضلين تحقيق الكثير من الإنتصارات على قوى الباطل المتمثلة بهذه الطبقة السياسية الفاسدة التي تُدعى من وقت إلى أخر إلى بعض المراكز الدينية والفكرية لمناقشة الأوضاع العامة في البلاد، وهي تحاول جاهدة من خلال مشاركتها إلى دحض كل مسعى تغييري وإبقاء الأمور على ما هي عليه بموجب أعذار واهية، والمؤسف أنّ الجهات الداعية للنقاش لا تملك الخبرة الكافية في إدارة الأزمات ولا تُدرك مبادئ العلم السياسي.
من المستحيل علينا وعلى القادة الروحيين أن نواجه هذه الطبقة السياسية ومخططاتها إذا ما إستمرّينا غارقين في الجهل والتجهيل والأنانية ومحكومين من طبقة سياسية فاسدة تاجرة فاسقة مدمرّة دموية لا تقيم وزنًا للإنسان اللبناني ولحقه في الحياة الكريمة التي لا تتوافر إلاّ عبر تامين حقوقه الأساسية والاعتراف بحرياته السياسية وحمايتها.
إن أنظمة القمع والتسلّط والإرتهان قوية جدًا في لبنان وغالبًا ما تلجأ إلى مسايرة بعضها البعض، والإتفاق للتآمـر على الشعب اللبناني وعلى الذين يوّجهون لهم دعوات لمناقشة الأوضاع العامة في البلاد وفي طليعتها خطـر الفراغ في مؤسسات الجمهورية. لن يُكتَبْ لهذه الإجتماعات النجاح إذا لم تحصل حركة توعية تكون جزءًا من هذه الإجتماعات لترشيد أي حوار وإيلائها دورها في صناعة المستقبل اللبناني ووضع إستراتيجية وخارطة طريق تسمح بإستعادة الجمهورية من خاطفيها وموقعها بين شعوب العالم.
المطلوب اليوم القيام بعمل دائم ومنظّمْ مواكب للأحداث الخطيرة، ويقتضي الإهتداء إلى صيغة عمل وطنية منظمة، صيغة جامعة قادرة على الإفادة من دروس التجارب السابقة والإرتقاء بهذا العمـل لئلا يكون مجرد هبات عاطفية متقطعة كما هو حاصل اليوم تقود إلى الإحباط واليأس من إمكان وجود عمل دؤوب يُشعر المناضلين الشرفاء بأنهم غير مهمّشين، وإلاّ سيزداد الخطــر وسيزول لبنان بسبب ساسة رعناء وإكليروس يحجب صوت الحق ويُفاوض أصوات مأجورة.