صادق مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر على وقف إطلاق النار مع حزب الله. في مقابلة متلفزة في وقت سابق، أعلن بنيامين نتنياهو أن الحكومة الأمنية ستوافق على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، مع “حرية الحركة” بوجه أي خرق من “حزب الله”. وقال “لقد دمرنا قدرات حزب الله على إنتاج الصواريخ، وملتزمون باستكمال تدمير قدرات حركة حماس.” وأشار إلى أن من أهداف وقف النار فصل الساحات وعزل “حماس”، موضحا أنه “بعد وقف النار في لبنان ستصبح حركة حماس لوحدها.”
على أرض الواقع، حاليا، الإطار المبدئي للاتفاق بين الطرفين لو كتب له النجاح لن يكون نهائيا، وهذا مشروط بحل جميع القضايا، فتبقى حالة التفاؤل الحذر سيدة الموقف. في حال تم خرق الاتفاق، سوف تعود الأمور إلى المربع الأول. فأهم ما جاء في الاتفاق أن حزب الله وجميع الجماعات المسلحة الأخرى في الأراضي اللبنانية لن تقوم بأي عمل هجومي ضد إسرائيل. وتعترف إسرائيل ولبنان بأهمية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701.
القوات الأمنية والعسكرية الرسمية للبنان ستكون الجهة المسلحة الوحيدة المسموح لها بحمل السلاح أو استخدام القوات في جنوب لبنان. وسيتم تفكيك جميع المنشآت غير المرخصة المتورطة في إنتاج الأسلحة أو المواد المرتبطة بالأسلحة، وسيتم تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة أي أسلحة غير مرخصة تتعارض مع هذه الالتزامات.. إذا، حزب الله خارج الحلبة.
سبق القول إنّ نتنياهو في ورطة وهو بحاجة إلى منقذ لكي ينزله من على الشجرة، لاسيما في الحرب التي يخوضها مع حزب الله. على أن تبقى تلك مجرد تحليلات وتخمينات، ولكن من يملك الجو يتحكم في أرض المعركة. فإسرائيل المتفوقة بسلاحها الجوي هي من تسيطر على الأرض. صحيح هنالك توغل محدود على الحدود الجنوبية للبنان، ولكن حسم المعركة بشكل كلي في حال أن فشلت الهدنة عرّابه سلاح الطيران الإسرائيلي.
وعلى نقيض تقديرات الخبراء العسكريين بأن حزب الله تفوق في المعركة على الأرض، القول الفصل هنا، وهذا ليس مجرد تحليل، وما قاله حسن نصرالله في حرب 2006 هو خير برهان “لو كنا نعلم بأن هذه الجولة ستكلفنا هذه الخسائر ما خضناها.”
لا يستطيع لبنان الصمود أكثر أمام الضربات الجوية الإسرائيلية التي تتعرض لها الضاحية الجنوبية لبيروت، وذلك بحكم وضعه الاقتصادي المتردي، وهشاشة بنيته التحتية. فهذا بحد ذاته شكل ورقة ضغط على حزب الله جعلته يقبل بوقف إطلاق النار.
جدير بالاستذكار أيضا تلك الحقيقة التي تقول إن حماس عندما اجتاحت غلاف غزة كانت في عجلة من أمرها، فأعطى ذلك مبررا لنتنياهو وأعضاء حكومته بتدمير غزة وإبادة سكانها. فحلم الصهيونية الدينية أولا غزة والضفة الغربية، ضما وتشريدا. أما في ما يخص حزب الله ولبنان فهما ضمن القائمة في مرحلة لاحقة، فهناك المهم والأهم، بمعنى لن يترك لبنان كما هو، فهناك الباعث الديني والبعد الأمني الملح، الخاصرة الشمالية الرخوة، التي تبحث عنها إسرائيل لتقوية حدودها الشمالية.
ما يسعى إليه نتنياهو في هذه المرحلة هو تفكيك الساحات. يريد أن ينفرد بحزب الله من خلال توقيع اتفاق معه، ويخمد نيران الشمال، ويضمن عودة سكان شمال إسرائيل إلى سكناهم. وإذا تم ذلك، سيعتبر هذا نصرا لنتنياهو مما يطيل في عمر حكومته، وفي نفس الوقت يريد من جنوب لبنان منطقة منزوعة السلاح.
اقرأ أيضا| إسرائيل تهدم الثوابت في حربي غزة ولبنان
لا مناص من وضع النقاط على الحروف، إيران اليوم ليست كالأمس، ماضية في إعادة حساباتها بشكل مدروس ومتأن فضلا عن تقييم علاقتها مع الولايات المتحدة بما يخدم مصلحتها. وهنا أخص الإدارة الجديدة القادمة، فالمرشد الأعلى في طهران يريد أن يمهد الطريق ليصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، وهذا قد يكون على حساب حزب الله وحماس وأكاد أجزم بأن يكون هذا غير مستبعد.
المفردة الحاسمة هنا، والتي أخذت تتجاوز مستوى المسكوت عنه إلى المنطوق به، أن إحدى أهم مشاكل الخطاب السياسي الإيراني أنه مبطن. فالكاتب السياسي الإيراني أراش عزيزي فضح سياسة بلاده عندما قال إن إيران تعطي الأولوية حاليا لمحاولات التفاوض مع الغرب، وكذلك للعلاقات الطيبة مع جيرانها.
إيران تدرك جيدا أنها تفتقر إلى الخيارات العسكرية الجيدة في مواجهة إسرائيل، كما أنها تريد تهدئة الأمور لمساعدة اقتصادها وبالتالي الوصول في نهاية المطاف إلى اتفاق يرفع العقوبات عنها. لذلك هي تدرك جيدا أن التورط في حرب مع إسرائيل يقوض هذه الأهداف بشكل كبير.
ذاك ما ينبغي بقاؤه ماثلا لعين المتابع وهو أن إيران تعلم أن نقطة ضعفها الرئيسية هي في الدفاع الجوي أمام طائرات الجيل الخامس التي تمتلكها “إسرائيل” والولايات المتحدة، حيث تخشى استهداف منشآتها النفطية أو النووية أو القطاعات الإستراتيجية لديها. وهو مشروعها الوحيد والأوحد، والطريق إلى ذلك من خلال تحريك أذرعها في المنطقة وقت الشدة، والاستغناء عنها وقت الرخاء.
الخلاصة حسب بنود الاتفاق التي وردت في ثنايا هذه المقالة، استطاع نتنياهو عزل حزب الله عن حماس، وفصل الساحة اللبنانية عن الساحة في غزة، وهذه غاية إستراتيجية مهمة من أهداف الحرب. قد يقول قائل إن إسرائيل عجزت عن التوغل بشكل كبير في جنوب لبنان، فهذا صحيح، لكن إسرائيل حققت نتائج ملموسة على الأرض.