خطة إسرائيل لـ «بديل حماس»
يستخدم نتنياهو الحرب على غزة كعتلة كبرى في استراتيجية بدأت تتضح خطوطها، فهذه الحرب أعادت إحياء خططه التي قسمت الإسرائيليين قبلها، ضمن ما سمي «الانقلاب القضائي».
أطلق دانيال هاغاري، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، تصريحا مهمّا يوم الأربعاء الماضي، قال فيه بصراحة إن أحاديث الساسة الإسرائيليين، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة، على إمكانية القضاء المطلق على حركة «حماس» هي «كذب على الجمهور وبيعه أوهاما» وأنها «بمثابة ذر للرمال في عيون الجمهور».
تستخدم حجة القضاء على «حماس» لتبرير استمرار الحرب على غزة، والتهرّب من إعلان حكومة إسرائيل الموافقة الواضحة على قرار مجلس الأمن الأخير حول وقف إطلاق النار، في سياق إتاحة الفرصة لنتنياهو، كما قال بعض المحللين الإسرائيليين، لتأخير احتمالات خروجه من الحكومة.
يستخدم نتنياهو الحرب على غزة كعتلة كبرى في استراتيجية بدأت تتضح خطوطها، فهذه الحرب أعادت إحياء خططه التي قسمت الإسرائيليين قبلها، ضمن ما سمي «الانقلاب القضائي» لمنع المحكمة العليا الإسرائيلية من إيقاف قرارات الحكومة (وقرارات نتنياهو شخصيا الذي كان مهددا بمحاكمة) والجزء الثاني من هذه الاستراتيجية يقوم على تزايد عدد الموالين له، أو للأحزاب الدينية الصهيونية، في المناصب العسكرية والأمنية، مستغلا استقالات قادة كبار تحمّلوا مسؤولية الفشل الاستراتيجي في 7 تشرين أول/أكتوبر.
هناك تطوّر جديد في هذه الاستراتيجية يقوم على نقل وزرائه المتطرفين، أمثال بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية والذي أيضا يعتبر وزيرا ثانيا للدفاع، صلاحيات عسكرية للمستوطنين، وهو أمر يقوم شريكه ايتمار بن غفير، وزير «الأمن القومي» بالقيام بما يناظره.
لا يمكن حصول هذه التطوّرات من دون اشتباك نتنياهو العلني مع الولايات المتحدة، راعيته الرسمية، وهو اشتباك ختمه مؤخرا بالانتقادات التي وجهها لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، ضمن إطار حرف الجهد الدبلوماسي الأمريكي لإنجاز وقف لإطلاق للنار. حوّل نتنياهو المشكلة إلى كونها تأخر واشنطن في تسليح إسرائيل للقضاء على «حماس» وليس امتناع نتنياهو عن الموافقة على قرار مجلس الأمن، والاستجابة للدبلوماسية الأمريكية والغربية، والامتثال للضغوط الأممية والعالمية.
قام نتنياهو، في حديث مع الموقع الأمريكي «بنشباول» نشر أمس الجمعة، بهجوم وقائي على حلفائه الخارجيين ومنتقدي سياساته الداخليين، فردّا على قول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إنه «إذا لم نأت بشيء آخر (بديل لحماس) فسنحصل في النهاية على حماس» اقترح نتنياهو وجود «إدارة مدنية» في غزة «بالتعاون مع رعاية عربية مشتركة».
مهمة «الإدارة المدنية» الغامضة هي «نزع التطرف بدءا من المدارس والمساجد». بعد ذلك يأتي دور «إعادة الإعمار» الذي، حسب نتنياهو، سيكون «مسؤولية المجتمع الدولي» وترجمة هذه التصريحات، أن إسرائيل بعد تدميرها الكامل للقطاع بدعوى «القضاء على حماس» ستقوم بـ»التعاون مع دول عربية» على إدارة القطاع، فيما يقوم «المجتمع الدولي» بتعويض إسرائيل ماليا عن القطاع الذي قامت بتدميره.
تتجاهل خطط نتنياهو، أولا، خطط «حماس» نفسها، كما تتجاهل الفلسطينيين، وحلفاءهم، كما أنها تتجاهل خصومه في إسرائيل، ومصالح حلفائه أنفسهم، وتتجاهل العالم، والشرع الأممية والقوانين الإنسانية.
لا يمكن طبعا التنبؤ بالمستقبل، لكن أحلام نتنياهو الوردية حول «اليوم التالي» و«القضاء على حماس» قد تنقلب، لأسباب كثيرة، لنشهد ربما «اليوم التالي» لنتنياهو، وحكومته الإرهابية نفسها.