السودان

خطاب حميدتي.. إقرار بالهزيمة العسكرية والسياسية

إقرار قائد الميليشيا بأن الاتفاق الإطاري كان هو السبب في اندلاع الحرب، وقرن ذلك بأنه (حميدتي) كان رافضاً للاتفاق الإطاري!!. وبهذا يكون قائد الميليشيا قد فضح حاضنته السياسية (قحت – تقدم)، التي ظل خطابها السياسي يردد بشكل متكرر قبل الحرب بأنه ليس أمام الجميع إلا القبول بالاتفاق الإطاري

ما لم يخرج فريق مستشاري الدعم السريع خلال الساعات القادمة لنفي صدور الفيديو المتداول بكثافة، الذي يُظهر قائد ميليشيا الدعم السريع حميدتي، وهو يوجه خطاباً مطولاً للداخل والخارج، خصص جزءاً منه لأفراد قواته، فإن ذلك يعني أن الفيديو وما حواه من رسائل متعددة صحيح مائة بالمائة، ويمثل وجهة نظر ميليشيا الدعم السريع..

وترقب نفي صحة الخطاب من فريق المستشارين نابع من كون محتوى الخطاب لا يعني إلا شيئاً واحداً فقط، وهو الإقرار الموثق والصريح من قبل قيادة ميليشيا الدعم السريع بالهزيمة بشقيها العسكري والسياسي.

إقرار قائد الميليشيا بأن الاتفاق الإطاري كان هو السبب في اندلاع الحرب، وقرن ذلك بأنه (حميدتي) كان رافضاً للاتفاق الإطاري!!. وبهذا يكون قائد الميليشيا قد فضح حاضنته السياسية (قحت – تقدم)، التي ظل خطابها السياسي يردد بشكل متكرر قبل الحرب بأنه ليس أمام الجميع إلا القبول بالاتفاق الإطاري

ورغم أن خطاب حميدتي كان فيه ناسخ ومنسوخ، وحوى على تناقضات عديدة وأكاذيب مثيرة للدهشة، وشيء من خطاب ديني، إلا أن الفكرة الرئيسية فيه تقول: إننا قد خسرنا الحرب وإن من دفعونا إلى خوضها تخلوا عنا وتركونا نواجه مصيرنا وحدنا.. وتضمن خطاب قائد الميليشيا اعترافات مهمة جداً، بعضها صريح وبعضها مبطن.

وكما تقول القاعدة القانونية الشهيرة “الاعتراف سيد الأدلة”، فليس هناك دليل إثبات يضاهي الاعتراف في قوته.. ولقد أطلق حميدتي عدداً من الاعترافات في قضايا، ظل مستشاروه وحاضنته السياسية وداعموه الإقليميون ينكرونها طوال ١٨ شهرا، هي عمر الحرب التي أوقدت نارها ميليشيا الدعم السريع. وسأركز بصورة أساسية على التعليق على أهم هذه الاعترافات، لكونها متعلقة بأسباب اندلاع الحرب، واستمرارها ونتائجها، وما هي عليه حتى الآن.

وأول وأهم هذه الاعترافات هو إقرار قائد الميليشيا بأن الاتفاق الإطاري كان هو السبب في اندلاع الحرب، وقرن ذلك بأنه (حميدتي) كان رافضاً للاتفاق الإطاري!!. وبهذا يكون قائد الميليشيا قد فضح حاضنته السياسية (قحت – تقدم)، التي ظل خطابها السياسي يردد بشكل متكرر قبل الحرب بأنه ليس أمام الجميع إلا القبول بالاتفاق الإطاري، وأن رفضه يعني الحرب.. إما الإطاري وإما الحرب.

واستمرت الحاضنة السياسية لميليشيا الدعم السريع في ترديد اللازمة ذاتها بعد الحرب، وإلى ما قبل خطاب حميدتي بالأمس، أن القبول بالاتفاق الإطاري كان سيجنب البلاد الوقوع في أتون الحرب.. وأكثر من ذلك، ظل الخطاب السياسي للميليشيا يروج بأن وقف الحرب هو الهدف، والحل يكمن في العودة إلى الاتفاق الإطاري.

ويعتبر حديث حميدتي بالأمس بأن الإطاري كان سبب الحرب انقلاباً مدوّياً على حاضنته السياسية، سواء كان هذا حديثه هو شخصياً أم إنه صيغ من الجهات الإقليمية والدولية التي تتبناه بالدعم العسكري والسياسي والإعلامي.

توجيه قائد الميليشيا اللوم للأطراف الدولية بخصوص الاتفاق الإطاري هو اعتراف مبطن بأن هذه الأطراف قد تخلت عن ميليشيا الدعم السريع، ومشروعها الذي أوكلت تنفيذه لهذه الميليشيا، والذي يتمحور بصورة أساسية حول القضاء على الإسلاميين

الاعتراف الثاني الذي ورد في خطاب قائد الميليشيا كان متعلقاً بالموقف العسكري لقواته على الأرض، وأقر به بوضوح لا لبس فيه بهزيمتهم في منطقة (جبل موية)، وإن كان قد نسب انتصار الجيش السوداني على قواته إلى تدخل الطيران المصري، وهو اتهام نفته الخارجية المصرية نفياً قاطعاً.

وبذلك تكون الميليشيا قد خسرت طرفاً إقليمياً مهماً، وهو أمر محير للغاية بالنظر إلى علاقات مصر المميزة بأحد أكثر الأطراف الداعمة لميليشيا الدعم السريع في المنطقة، ما يثير التساؤلات حول مصير علاقة الميليشيا بهذا الطرف، وما إن كان ذلك طلاقاً بائناً بينهما، أم موقفاً تكتيكياً (طلاقاً رجعياً) له ما بعده!

كذلك، فقد اعترف قائد الميليشيا في خطابه بالأمس بقتال عناصر من تنظيم فاغنر إلى جانب قواته، ثم تبدل الموقف الروسي إلى النقيض بدعم روسيا للجيش السوداني.. واعترف حميدتي أيضاً في سلسلة اعترافاته بأن الجيش السوداني متفوق على قواته تسليحاً وتنظيماً، رادّاً ذلك إلى أن الجيش كان يتلقى الدعم من سبعة دول مهمة بحسب قوله، ومقرِناً بذلك اعترافه بكبر حجم الخسائر التي منيت بها قواته.

ويأتي اعترافه بعدم نيته تشكيل حكومة مدنية صاعقاً لحاضنته السياسية (قحت – تقدم)، التي ظلت تقول إن هدفها المقدس هو تشكيل حكومة مدنية في إطار نظام ديمقراطي ليبرالي، وإن ميليشيا الدعم السريع هي الفارس الذي سيقوم بهذه المهمة!!

هناك أيضاً الاعتراف بوجود أطراف إقليمية ودولية كانت منخرطة في الإعداد والترويج للاتفاق الإطاري قبل الحرب لكن بعضها تنصل لاحقاً.. توجيه قائد الميليشيا اللوم للأطراف الدولية بخصوص الاتفاق الإطاري هو اعتراف مبطن بأن هذه الأطراف قد تخلت عن ميليشيا الدعم السريع، ومشروعها الذي أوكلت تنفيذه لهذه الميليشيا، والذي يتمحور بصورة أساسية حول القضاء على الإسلاميين، وتمكين الدعم السريع وحلفائه المدنيين من السلطة والحكم.

وما يمكن ملاحظته في خطاب حميدتي أنه أخذ نمطاً يتسم بالندم والحسرة واليأس، وتوزيع اللوم والعتاب والاتهامات لجهات مختلفة محلية وخارجية.

خطاب قائد ميليشيا الدعم السريع يشبه -مع الفارق- خطبة الشيطان يوم القيامة، وهو يرد على ملامة أصحاب النار له بأنه هو من أضلهم وأوردهم النار.. إذ إنه تنصل من ذلك وقال إنهم هم من اتبعوه بمحض اختيارهم

كذلك، مما لا يمكن إغفاله في خطاب حميدتي أنه لم يأت -لا من قريب ولا من بعيد- على ذكر الحاضنة الإقليمية الرئيسية الداعمة له، والتي وجهت حكومة السودان لها الاتهام الصريح بتورطها في دعم قواته بالمال والسلاح والعتاد.. وهذا أمر مثير لفضول كل مراقب، لكون الخطاب لم يدع أي جهة محلية أو إقليمية أو دولية إلا وجعل لها نصيباً من الذكر إلا هذه الجهة، التي تُعتبر الأكثر أهمية والأكثر تأثيراً في الحرب الدائرة في السودان.

وهذا أراه آخر الاعترافات الأكثر أهمية التي وردت في خطاب قائد ميليشيا الدعم السريع، لكنها مبطنة.. إذ إن هذا الاعتراف (المسكوت عنه) يعتبر مؤشراً قوياً جداً على تورط هذه الجهة في إيقاد نار الحرب في السودان، وعلى صحة الاتهامات العلنية التي وجهتها لها الحكومة السودانية في أرفع أروقة الأمم المتحدة.

الخلاصة أن خطاب قائد ميليشيا الدعم السريع يشبه -مع الفارق- خطبة الشيطان يوم القيامة، وهو يرد على ملامة أصحاب النار له بأنه هو من أضلهم وأوردهم النار.. إذ إنه تنصل من ذلك وقال إنهم هم من اتبعوه بمحض اختيارهم، وإن هذا اللوم في هذا اليوم لا فائدة منه..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى