يبدو أن العالم وفي القلب منه منطقة الشرق الأوسط على أعتاب تحولات دراماتيكية تحمل خطرًا جسيمًا ربما يغير خريطة المنطقة ويقلب موازين القوى في العالم.. هكذا يقرأ المشهد في عالم “ترامب” الذي يعود للبيت الأبيض بعد أيام ليحكم أكبر دولة ويتحكم في مصير العالم..
فالبدايات مع الرئيس الأمريكي العائد لا تدعو للتفاؤل ولا المؤشرات الأولية تنم عن أمل جديد في السياسة الأمريكية تجاه العديد من الملفات والقضايا؛ سواء الإقليمية أو الدولية.. فقد استبق ترامب تسلمه السلطة رسميًا في العشرين من الشهر الحالي بجملة تصريحات ومواقف تعكس فكرًا لا يجلب الاستقرار، وسياسة لا تحقق السلام العالمي، ونهجًا لا يدعم حقوق الشعوب المغلوبة على أمرها في استرداد حقوقها، وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني؛ الذي يتعرض لأسوأ كارثة إنسانية في التاريخ منذ نحو 15 شهرًا على يد الاحتلال الإسرائيلي وبدعم ومباركة من أمريكا بل وبسلاحها.
الخطير أن ترامب في نسخة 2025 يعود للبيت الأبيض ولديه نزعة استعمارية وتوسعية غير مسبوقة في تاريخ أمريكا، فهو يتحدث بلا حرج عن نيته في ضم كندا للولايات المتحدة، بل تمادى في هذا التوجه ونشر خريطة جديدة للولايات المتحدة تضم كندا كولاية رقم 51، كما تحدث صراحة عن السيطرة على قناة بنما وجزيرة جريلاند في الدانمارك، معتبرًا أن هذا التحرك الاستعماري بات ضروريًا من أجل مستقبل أمريكا ودعم سيادتها في ظل عالم جديد يتشكل.
اقرأ أيضا.. حكومة الاحتلال وتزوير الحقائق والتاريخ
المفزع أن هذه النزعة الاستعمارية لدى ترامب بدأ يصدرها للحليف الإسرائيلي ورأيناه قبل أسابيع كيف تحدث عن خريطة إسرائيل التي يجب أن تتسع على حد قوله – وهو ما تلقته تل أبيب بترحاب، وكأنها إشارة من ترامب للبدء الفعلي في توسيع أراضي إسرئيل، حتى أن قادة هذا الكيان المحتل استبقوا مجيء ترامب للبيت الأبيض، وقاموا بنشر خريطة جديدة لإسرائيل قبل أيام تضم فيها مناطق من لبنان والأردن وسوريا وفلسطين، وإذا ما أخذنا ما يتم تسريبه من معلومات لضم هذه الأراضي يتكشف حجم المخطط الشيطاني الذي تدعمه بقوه الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب.
ربما تكون عقلية التاجر هي التي تحرك ترامب نحو جزيرة جرينلاند التي تبلغ مساحتها مليوني كيلو متر وتحتل موقعًا فريدًا بين الولايات المتحدة وأوربا، وتزخر بالموارد الكبرى من النفط والغاز والمعادن النادرة التى يزداد عليها الطلب في صناعة السيارات الكهربائية والصناعات العسكرية، أو ضم كندا الغنية بالموارد الطبيعية المهمة، وفي مقدمتها النفط؛ حيث تنتج كندا 6% من إنتاج العالم، وتحتل المركز الثاني في إنتاج اليورانيوم والمركز الخامس في إنتاج الغاز عالميًا، بالإضافة إلى أنها من الدول الصناعية السبع، أو قناة بنما التي تعد من أهم الممرات المائية العالمية، وتربط بين أمريكا الشمالية والجنوبية، كما تربط شمال المحيط الأطلسي عبر البحر الكاريبي بشمال المحيط الهادئ، لكن ما يثير التساؤلات أن يتبرع ترامب لإهداء إسرائيل هذه النزعات الاستعمارية لالتهام مساحات من أراضي دول عربية وتصفية القضية الفلسطينية في انتهاك صارخ لكل القواعد والمواثيق الدولية.
يقينًا أن هذه النزعات الاستعمارية، التي لا يخفيها ترامب وحليفه الإسرائيلي، تحتاج مواجهة عربية حاسمة اليوم قبل الغد، وقبل أن تتحول إلى واقع يجري فرضه عبر التدمير والاحتلال الممنهج للأراضي، إذ بات واضحًا أن ما يقوم به الاحتلال في غزة من تدمير وإبادة يستهدف تحويل هذه الأراضي إلى مناطق غير قابلة للحياة؛ مما يوفر فرص احتلالها والاستيطان فيها، ويخطئ من يظن أن تصريحات ترامب من قبيل الهراء التي اعتاد أن يرددها في التعاطي مع الكثير من القضايا السياسية، لكن لا ننسى أنه دائمًا يعشق الظهور بصورة الرجل القوي الذي لا ترد له كلمة، ويفوز في كل الجولات، كما كان يفعل كملاكم في حلبة المصارعة.. فهل يقبل العرب أن يكونوا الضحية؟