خبير أمريكي يشكك في مستقبل “الناتو”
الأسباب العميقة وراء تعثر حلف "الناتو" هي أن حلف "الناتو" كان يتوسع دون أن ينتبه إلى حاجته إلى أن يكون تحالفا دفاعيا جديرا بالثقة
شكك الخبير الأمريكي في مجال الأمن والتكنولوجيا ستيفن براين في مستقبل حلف “الناتو” كحلف دفاعي، كنتيجة منطقية للوضع الراهن في أوروبا، بحثا عن حل للأزمة الأوكرانية.
جاء ذلك وفقا لمقال نشره موقع Weapons and Strategy بشأن إلغاء “قمة السلام” التي اضطر الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي إلى إلغائها (الرواية الرسمية أنها تأجلت لوقت لاحق)، لأن أحدا لا يرغب في الحضور. وكان زيلينسكي قد أكد في وقت سابق، وربما لا زال يؤكد أنه لن يتفاوض مع موسكو تحت أي ظرف من الظروف.
حمل مقال ستيفن براين عنوانا فرعيا “لا مفاوضات، لا سلام، ماذا عن حلف (الناتو)”، حيث قالت المرشحة الرئاسية ونائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس هي الأخرى إنها لن تتحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدون الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي.
ويشير الكاتب إلى أن حرب أوكرانيا، التي هي حرب “الناتو”، تسير على نحو سيء، ما جعل مستقبل الحلف موضع شك، حيث يدرك زيلينسكي كذلك أن أي تنازل قد يقدمه لروسيا سيكون قاتلا بالنسبة له، ومع بدء تفكك جيشه، يعتمد زيلينسكي على ألوية النخبة النازية الجديدة لحمايته، ويتابع الكاتب: “وبما أنه من غير المرجح أن يتحرك زيلينسكي، فإن (صيغ السلام) المختلفة التي يتم طرحها في أوروبا لن تغير أي شيء أو تؤثر على النتيجة”.
ويؤكد الكاتب على أن الفكرة الأوروبية الأساسية تتلخص في “محاولة تجميد الصراع، والاعتراف بسيطرة روسيا على أجزاء من أوكرانيا في الوقت الراهن، وإدخال أوكرانيا حلف (الناتو)، أو إذا لم يكن ذلك ممكنا، فربما يتم منحها بعض الضمانات الأمنية في المستقبل. وفي ظل هذا النهج، قد تتمكن أوكرانيا من إعادة بناء جيشها، وإعادة اقتصادها إلى مساره الصحيح، ومواجهة الروس بعد بضع سنوات في المستقبل، عندما تكون الآفاق أفضل”.
لكن روسيا، وفقا للكاتب، لا يتعين عليها رفض هذه الفكرة، التي، وبفضل زيلينسكي نفسه، “ولدت ميتة”. لكن هذا، والحديث لستيفن براين، “لن يمنع أوروبا وبعض المسؤولين في واشنطن بالطبع من دفع الاقتراح على أي حال، في حين يضخون مزيدا من الأسلحة إلى أوكرانيا، على أمل أن يتمكن الأوكرانيون من الصمود حتى بعد الانتخابات الأمريكية”.
لكن الكاتب يعتقد أنه إذا ما انهارت أوكرانيا قبل نهاية أكتوبر، فسوف يكون ذلك بمثابة فوضى للديمقراطيين في الولايات المتحدة، ومن المرجح أيضا أن يؤدي إلى انهيار الحكومة الألمانية، وربما حتى النظام الفرنسي المهتز.
ويتابع الكاتب: “لا يعتقد أغلب الخبراء أن شيئا كهذا يمكن أن يحدث، لكن أغلب الخبراء يخطؤون في كثير من الأحيان”.
في غضون ذلك، يرى الكاتب أن الروس لن يقبلوا وقف إطلاق النار من جانبهم، لأنه لا يقدم لهم أي شيء، حيث من الواضح أنهم يرغبون في أن تكون أوكرانيا منزوعة السلاح ومحايدة، وربما لن يقبلوا الضمانات الأمنية التي يقودها حلف “الناتو”.
رسميا، تريد روسيا الاعتراف بلوغانسك ودونيتسك وزابوروجيه وخيرسون وشبه جزيرة القرم (التي تم ضمها جميعا إلى روسيا) أراض روسية، وتطالب بحماية الناطقين بالروسية في أوكرانيا.
وبينما تبدو احتمالات تلبية مطالب روسيا ضئيلة أو منعدمة، على حد تعبير الكاتب، سواء من جانب الحكومة الأوكرانية الحالية أو من جانب أغلب دول حلف “الناتو”، فإن الخط المتشدد الذي يتبناه زيلينسكي، طالما استمر، يضمن أن “الهدف الحقيقي لروسيا سيكون استبدال حكومة أوكرانيا بالكامل بحكومة أقرب إلى روسيا ومستعدة للموافقة على مطالب موسكو” على حد تعبير الكاتب.
ووفقا لبراين، فإذا نجح الروس في تحقيق ذلك، سوف يضطر حلف “الناتو” إلى تقليص أنشطته، وهو ما يتعين عليه أن “يفعله على أي حال إذا كان للحلف أن يحتفظ بأي قدر من المصداقية”، حيث يرى الكاتب أن “فرص تنشيط حلف (الناتو) كحلف عسكري لا تبدو واعدة”.
ويرجع الكاتب الأسباب العميقة وراء تعثر حلف “الناتو” هي أن حلف “الناتو” كان يتوسع دون أن ينتبه إلى حاجته إلى أن يكون تحالفا دفاعيا جديرا بالثقة، فيما تشكل أوكرانيا جزءا من هذا التوسع، حيث “يتمدد الحلف، تحت ضغط من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى آسيا الوسطى، وصولا إلى أرمينيا”.
إقرأ أيضا : ما بعد فوز قيس سعيّد بولاية ثانية
ويعتقد الكاتب أن حلف “الناتو” الأكبر حجما هو تحالف “بلا حدود يمكن الدفاع عنها”، وهو ما بات واضحا على نحو متزايد، وهو ما “يعرض أوكرانيا للاستنزاف، على الرغم من إفراغ ترساناتها الغربية في محاولة لإنقاذها”. والروس، كما يقول ستيفن براين، لن يهملوا آسيا الوسطى وأرمينيا عندما يحين الوقت”.
ويتابع الكاتب: “من المؤسف أن حلف (الناتو) قد أقنع نفسه بالوقوع في هذه الفوضى، حيث يركز على التوسع وليس على الدفاع، وعندما يتعلق الأمر بالدفاع، يعتمد الحلف بشكل كامل على الولايات المتحدة، وعلى التزام الأخيرة بإرسال جيشها وقواتها الجوية وبحريتها للدفاع عن توسعه”.
لهذا فإن توسع حلف “الناتو”، وفقا للكاتب، كسياسة، يتطلب التزامات عسكرية واسعة النطاق من جانب حلفاء الولايات المتحدة، وهو ما لن يحدث. ويتابع براين: “من العدل إذن أن نطرح السؤال: ما الذي ستكسبه الولايات المتحدة من دعم سياسة حلف (الناتو) التوسعية؟ فهناك قلق متزايد في الولايات المتحدة بشأن مئات المليارات التي أهدرت على أوكرانيا، في ظل عدم إمكانية التوصل إلى تسوية الآن”.
ووفقا للكاتب، فإنه في مرحلة ما، “ستؤدي هذه السياسة إلى عزوف أمريكي كبير عن حلف (الناتو)، وعن أي التزام بالدفاع عن أوروبا التي تفعل القليل للدفاع عن نفسها”.