حماس

“حماس” وإيران وثمار حرب غزّة!

يبدو واضحا أنّ المشهد الفلسطيني – الإسرائيلي ببعده الأميركي مقبل على تغييرات كبيرة. ليس صدفة ورود عبارة عن دور لإيران في التأثير على 'حماس' في البيان الذي أصدرته “فتح” في ضوء اعتراضات “حماس” على تكليف محمد مصطفى تشكيل الحكومة.

ما دامت “حماس” تضع وقف إطلاق النار الدائم هدفا تسعى إلى بلوغه في مرحلة معيّنة، كما تعتبره شرطا من شروطها لوقف حرب غزّة مع إسرائيل، يصلح السؤال لماذا سمحت الحركة لنفسها بأن تخوض حربا لا أفق سياسيا لها؟

لماذا تركت “حماس” إيران تشنّ حروبها في المنطقة على هامش حرب غزّة؟ هل تنجح “الجمهوريّة الإسلاميّة” في جني ثمار حرب غزّة في غياب قدرة “حماس” على ذلك؟

لا بدّ من الاعتراف بأنّ “طوفان الأقصى” هزّ أركان الكيان الإسرائيلي. حوّلت “حماس” حرب غزّة حرب حياة أو موت بالنسبة إلى الدولة العبريّة وكلّ مواطن فيها. في المقابل، لا يمكن لمن يطلب وقف إطلاق النار اعتبار نفسه منتصرا في حرب غزّة، وهي حرب سمحت لإسرائيل بممارسة كلّ أنواع الوحشية وصولا إلى جعل القطاع أرضا غير قابلة للحياة فيها في المستقبل المنظور.

من السهل الدخول في حرب، أيّ حرب، خصوصا أنّ الحروب متشابهة في معظمها. الصعب هو الخروج منها من دون تحقيق هدف سياسي واضح ومحدّد سلفا. على سبيل المثال، وليس الحصر، دخل “حزب الله”، بطلب إيراني، بل افتعل، حرب صيف 2006 مع إسرائيل في لبنان. فعل ذلك وهو يدرك مسبقا أن هدفه تحقيق انتصار على لبنان وليس على إسرائيل في ضوء الانقلاب الذي نفذّه في 14 شباط – فبراير 2005 عندما قرّر التخلص من رفيق الحريري.

كان لا بُدّ من جرائم أخرى في حقّ لبنان من أجل تغطية الجريمة الكبرى المتمثلة في اغتيال مشروع عودة لبنان إلى الحياة عبر شخص رفيق الحريري. نجح “حزب الله” في حرب صيف 2006. حقّق ما يريده. لم تكن إسرائيل في حاجة إلى أكثر من القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كي توقف “الأعمال العدائية” وكي تدع الحزب ينصرف إلى استخدام سلاحه في عملية إخضاع اللبنانيين الذين انتفضوا في 14 آذار – مارس 2005 وأخرجوا القوات السوريّة من لبنان لاحقا.

تكمن مشكلة “حماس”، في ما يخصّ حرب غزّة، في كونها لا تدرك أنّها خسرت الحرب وأنّها لا تستطيع جني ثمار تدمير غزّة على رؤوس أهلها. لا يوجد طرف إسرائيلي قادر على التفاوض معها من أجل استعادة “الإمارة الإسلاميّة” التي أقامتها في القطاع بعد منتصف العام 2007 والتي انطلقت منها لشنّ “طوفان الأقصى” الذي غيّر إسرائيل والمنطقة كلّها. بين ما غيّرته حرب غزّة العلاقة الإسرائيليّة – الأميركيّة. لا يدل على ذلك أكثر من الكلام الصادر عن السيناتور تشاك شومر زعيم الأكثريّة الديمقراطيّة في مجلس الشيوخ الأميركي. دعا شومر، الذي يشغل الموقع الأعلى في الولايات المتحدة بين أبناء الجالية اليهودية المنتخبين، إلى “انتخابات مبكرة” في إسرائيل. شنّ شومر حملة على بنيامين نتنياهو وصولا إلى اعتباره مع حلفائه في الحكومة مجموعة من “العنصريين”. دعا إلى قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل ولم يخف احتقاره لرئيس الوزراء الإسرائيلي بقوله إن نتنياهو “ضلّ طريقه”.

لم تتوقف الأمور عند ما قاله زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ. تبيّن لاحقا أنّ الكلام الصادر عن شومر كان بالتنسيق مع الرئيس جو بايدن الذي لم يخف رغبته هو الآخر في التخلّص من بنيامين نتنياهو.

هناك مأزق وقع فيه بنيامين نتنياهو. إنّه مأزق إسرائيلي قبل أن يكون أميركيا. توجد في إسرائيل أكثرية تريد التخلّص منه، لكنّ هذه الأكثريّة تؤيّد أيضا استمرار حرب غزّة. يغيب عن بال “حماس” أنّ لا اعتراض أميركيّا على استمرار حرب غزّة.

الاعتراض هو على طريقة “بيبي” في تسيير هذه الحرب وإدارتها.

مع دخول حرب غزّة شهرها السادس، يبدو مفيدا التوقف عند بعض النقاط التي في مقدّمها أنّ “حماس” لا تستطيع استعادة موقعها السابق ولا تستطيع بالتالي الاعتراض على تشكيل حكومة فلسطينيّة جديدة برئاسة محمد مصطفى ستضم مجموعة من التكنوقراط وشخصيات ذات وزن مشهود لها بالكفاءة فقط.

هل تقتنع “حماس” بأنّ لا مستقبل لها وأنّها خسرت حرب غزّة وأعادت القطاع إلى الاحتلال الإسرائيلي؟ هل يقتنع بنيامين نتنياهو، بدوره، بأن لا مستقبل سياسيا له حتّى لو كان رهانه في المدى الطويل على عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟ هل يقتنع رئيس السلطة الوطنيّة محمود عبّاس بأن عليه قبول الإصلاحات التي ستتولى الحكومة التي سيشكلها محمّد مصطفى تنفيذها… أم سيعمل على عرقلة هذه الإصلاحات بالوسائل البيروقراطية؟

هناك إصلاحات متوقعة، فلسطينيّا، تعني بين ما تعنيه أن استبعاد “أبومازن” أي شخصيّة فلسطينية تمتلك حيثيّة ووزنا ما عن المواقع القياديّة كان خطأ رهيبا أدّى إلى ترهّل السلطة الوطنية الفلسطينية وتحولها إلى مجرّد شاهد زور على ما يجري في غزّة!

يبدو واضحا أنّ المشهد الفلسطيني – الإسرائيلي ببعده الأميركي مقبل على تغييرات كبيرة. ليس صدفة ورود عبارة عن دور لإيران في التأثير على ‘حماس’ في البيان الذي أصدرته “فتح” في ضوء اعتراضات “حماس” على تكليف محمد مصطفى تشكيل الحكومة. جاء في بيان “فتح”: “إن رئيس الوزراء المكلف محمد مصطفى، مسلح بالأجندة الوطنية لا بأجندات زائفة لم تجلب إلى الشعب الفلسطيني إلا الويلات ولم تحقق له إنجازا واحدا. هل تريد “حماس” أن نعين رئيس وزراء من إيران أو أن تعينه طهران لنا”؟

يوجد تنبّه في “فتح” للدور الإيراني. يأتي ذلك في وقت تسعى إيران إلى توجيه رسالة إلى الإدارة الأميركيّة فحواها أن الميليشيات التابعة لها في المنطقة، بمن في ذلك “حزب الله”، تعمل على حسابها وتخوض حروبا خاصة بها.

على من تضحك “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي تعتبر “طوفان الأقصى” تصفية حسابات بينها وبين إسرائيل وأنّ في استطاعتها جني ثمار هذه الحرب والحروب الأخرى التي تديرها على غير جبهة، بينها جبهة جنوب لبنان وجبهة البحر الأحمر!

خير الله خير الله

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى