الشعب الفلسطيني يحترم ويقدر كل من يقاتل العدو ويُلحق به الأضرار ويكشف جرائمه سواء كانوا فلسطينيين أو عرب أو محور المقاومة، وهو يحفظ الجميل لكل من وقف لجانب الشعب حتى بالكلمة الطيبة، ولكن بعد تجربة الفلسطينيين مع البعد القومي للقضية وجبهة الصمود والتحدي والتصدي العربية خلال السبعينيات والثمانينيات ومحدودية ما قامت به هذه الجبهة لنصرة القضية خلال هذه المرحلة.
وبعد تجربتهم مع البعد الإسلامي الذي روجت له ايران وجسدته في محور المقاومة والإسناد ووحدة الساحات وما آلت اليه الأمور خلال حرب غزة ثم ما آل إليه الأمر من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية وفك الارتباط بين محور المقاومة وفلسطين، دعونا نتساءل عن جدوى ربط القضية الفلسطينية بمحاور عربية وإسلامية دون وجود استراتيجية عربية أو إسلامية لتحرير فلسطين أو حتى وجود توافق عربي وإسلامي على كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية ، بل وجود أطراف وظفت القضية الفلسطينية لخدمة مصالحها الخاصة؟
اقرأ أيضا.. «حماس» لم تتعلم الدرس
هذا لا يعنى قطع الصلة بمحيطنا العربي والإسلامي أو التنكر لهم بل وقف المراهنة عليهم كلياً على حساب الوحدة الوطنية، والتعامل مع الأطراف الأخرى كمساندة للقرار الوطني الفلسطيني المستقل وليس بديلاً عنه، وعلينا الاعتراف بأن الخلل لم يكن دائماً في الأطراف العربية والإسلامية بل قي قوى فلسطينية قبلت أن تُلحق نفسها بهذه المحاور طلباً لتعزيز حضورها وقوتها مالياً وعسكرياً داخلياً في منافسة خصومها الوطنيين وليس في مواجهة إسرائيل، وهذا كان حال حركة حماس في إلحاق نفسها وكل القضية بإيران ومحور المقاومة وفضلت وحدة الساحات على الوحدة الوطنية.
حالياً دعونا نتساءل في أي إطار وضمن أية إستراتيجية تقول إيران إنها تعادي إسرائيل وتطور قدراتها النووية وشكلت محور المقاومة الشيعي؟ هل في سياق استراتيجية لتحرير فلسطين أم توظيفا للقضية الفلسطينية لخدمة مشروعها الهيمني في المنطقة العربية؟ وفي أي إطار وضمن أية استراتيجية حشد حزب الله قواته في جنوب لبنان وجيٌش الطائفة الشيعية وتسبب في إضعاف الدولة ونفس الأمر بالنسبة لشيعة العراق واليمن؟ هل من أجل معركة تحرير فلسطين أم لحسابات داخلية وخدمة للمشروع الإيراني؟
بالتأكيد كما لم تكن عند العرب أية استراتيجية لتحرير فلسطين أيضا ليس لإيران ومحورها أي استراتيجية لتحرير فلسطين وحتى لوقف حرب الإبادة على غزة. ولا نبالغ او نتجنى على الحقيقة والواقع إن قلنا إنه بدل من أن تكون إيران ومحورها الشيعي جزءاً من معركة تحرير فلسطين أو حتى معركة تعزز صمود الشعب الفلسطيني وإفشال مخططات العدو، استطاعت ايران وإسرائيل وواشنطن جر المنطقة لحرب ومواجهة تدور على تقاسم النفوذ بينهم في المنطقة وأصبحت القضية الوطنية الفلسطينية قضية ثانوية.
كما أدت إلى التباعد بين العرب وفلسطين بسبب تحالف حركة حماس مع إيران، وفي هذه الحرب أو الحروب الدائرة اليوم فإن الخاسر الأكبر فيها هو الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، والتوصل لهدنة ووقف إطلاق النار على جبهة لبنان برعاية أمريكية وفرنسية بموافقة إيرانية بمعزل عن جبهة غزة و المفاوضات بين طهران والغرب وواشنطن لتسوية الملفات العالقة بينهم يؤكد ذلك.
خرجت القضية عن سياقها الوطني وغاب القرار الوطني وأصبحت حركة المقاومة مُلحقة بمحور المقاومة وإيران والطرف الضعيف في هذا المحور سيؤدي لخضوعها لما يقرره هذا المحور وهو إيران، والسؤال أيضاً كيف سيكون حال القضية الفلسطينية وكيف ستتصرف حركة حماس بعد وقف الحرب على الجبهة الشمالية وانتهاء الدور الوظيفي لمحور المقاومة في حالة توقيع تفاهمات بين طهران والغرب خصوصاً واشنطن؟
اقرأ أيضا| وسط أزمة إنسانية غير مسبوقة.. العالم يحتفي باليوم العالمي للتضامن مع شعب فلسطين
إيران وحزب الله وبقية المحور الشيعي وبعد وقف الحرب على جبهة لبنان بمعزل عن جبهة غزة سيقولون إنهم لم يستسلموا وحققوا انتصارات على العدو، ومفهوم النصر عندهم لا علاقة له بفلسطين ووقف حرب الإبادة على غزة بل حتى لم يشترطون إدخال مساعدات غذائية لجوعى غزة، الاتفاق الذي جرى بالنسبة للبنان يتمحور حول تطبيق القرار الأممي ١٧٠١ وبقاء حزب الله في المشهد اللبناني حتى وإن اقتصر الوجود على شمال نهر الليطاني، كما أن إيران تتفاوض حول ملفها النووي والعقوبات المفروضة عليه.
لا نلومهم على تغليب مصالحهم على أي اعتبارات أخرى حتى المصلحة الفلسطينية ويمكنهم القول إننا قمنا بما نستطيع ولكن الموجة كانت عالية !!، ولكننا نلوم بل ونتهم حركة حماس والفصائل الفلسطينية إن لم تستوعب ما يجري وتتوقف عن قتال لا يخدم إلا تنفيذ مخططات العدو.
مع كل ما جرى من ويلات لقطاع غزة من موت وتدمير ومرض وجوع وما يجري في الضفة من تغول صهيوني على المواطنين والأرض والمقدسات، وبالرغم من أن مراهناتها ونهجها وصلوا لطريق مسدود وأن استمرارها بالقتال لن يؤدي إلا لمزيد من الخسائر للشعب الفلسطيني، فإن الحركة ما زالت تكابر وتعاند وبدلاً من أن تعترف بخطئها تُحمل الآخرين المسؤولية، وهذا ما هو واضح في تصريح القيادي في حماس خليل الحية عندما قال قبل أيام :(نشعر بالخذلان الحقيقي من الأمة غير مسبوق) ! دون أن يوضح ما المقصود بالأمة؟ هل هي الأمة العربية أو الإسلامية أو الفلسطينية أم يقصدون كل هؤلاء؟ وهل الأمة خذلت حركة حماس أم خذلت الشعب والقضية الفلسطيني، إلا إذا كانت حركة حماس هي الشعب أو عندها تفويض بتمثيله؟ كما لا يسأل قادة حماس أنفسهم لماذا خذلتهم الأمة؟ وفي أي شيء خذلتهم؟
لو كانوا عقلاء لأخذوا عبر من التاريخ، وأهمية التاريخ ليس في مجرد سرد أحداث الماضي بل استخلاص الدروس والعبر وعدم تكرار أخطاء الأولين.
ولكن لأنهم يعتقدون أن المقاومة وحتى الإسلام في فلسطين بدأ معهم ولأنهم لا يعترفون ولا يحترمون تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية فقد تجاهلوا تجربتها مع العدو والمنتظم الدولي ومع الأنظمة العربية والإسلامية، فهم يستغربون تخاذل (الأمة) في نصرتهم!!
كان على حماس الاستفادة من تجربة منظمة التحرير في الأردن وكيف كان قرار النظام الأردني تصفية الوجود العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية وكانت مجازر أيلول الأسود عام ١٩٧٠ ووقوف العالم و(الأمة) متفرجة، وقبِل الزعيم أبو عمار بمبادرة جمال عبد الناصر بإخراج قوات الثورة الفلسطينية من الأردن إلى لبنان تجنباً لمزيد من الخسائر وربما إحساساً منه بوجود أخطاء وتجاوزات من بعض الفصائل.
وخلال غزو إسرائيل للبنان ١٩٨٢ وصمود المقاومة الفلسطينية واللبنانية حوالي ٨٨ يوم والأمة العربية والإسلامية تتفرج وكانت المظاهرة الوحيدة التي خرجت مستنكِرة ورافضة للحرب كانت في إسرائيل، وحينها صرخ الزعيم أبو عمار (يا وحدنا) واضطر لإخراج قوات المنظمة من لبنان حماية للمدنيين اللبنانيين والفلسطينيين.
ولو أخذوا عبرة من التاريخ لاستفادوا من تجربة حصار أبو عمار في مقره في المقاطعة في رام الله أثناء اجتياح جيش الاحتلال للضفة عام ٢٠٠٢ دون أن تتحرك الأمة التي يتحدث عنها قادة حماس حتى منعوه من إلقاء خطاب عن بعد في قمة بيروت واستمر محاصراً طوال عامين والعالم يتفرج، حتى حركة حماس نفسها كانت تناصب أبو عمار العداء واستغلت حصاره لتعزيز تواجدها في الضفة وغزة وإثارة الفتنة والفوضى.
وبالرغم من كل ما جرى لم تنتهي القضية الفلسطينية ولم تستسلم القيادة بل خلال تلك الفترة تعزز وجود القضية الوطنية دولياً وصمود الشعب داخلياً بالرغم من مواصلة الاستيطان وفشل كل مشاريع التسوية العادلة.
الآن يتساءل قادة حماس أين الأمة ولماذا خذلتهم؟ دون أن يسألوا أنفسهم، هل استشاروا الأمة عندما قاموا بطوفانهم؟ وهل استشاروا الأمة الإسلامية عندما تحالفوا مع إيران دون غيرها من الدول الإسلامية، ومع قطر دون غيرها من الأمة العربية، وبين هاتين الدولتين والأمتين خلافات يعرفها الجميع؟
المشكلة ليست خذلان الأمة فقط بل جهلهم وفشل مراهناتهم بعد أن تخلت عنهم قطر وانفك عنهم محور إيران الشيعي، وما زالوا يكابرون.
نعم لم يعد مجال للمجاملة ولا للمعاندة وبعد كل ما جرى لم يعد مجالاً للتحليل العلمي الهادئ والمجاملات أو تخدير الشعب بمقولات دينية توظف في غير سياقها، كفى تدجيلاً وكذباً وضحكاً على الشعب باسم الدين والجهاد والمقاومة، فما يجري في الأشهر الأخيرة وما تقوم به حماس لا علاقة له بالإسلام والجهاد ولا بالمقاومة والوطنية، بل حرب إبادة وتطهير عرقي، وتدمير لمقومات بقاء وصمود الشعب في أرضه وهما أقوى وأهم سلاح في مواجهة المشروع الصهيوني التوراتي.
بعد فك الارتباط بين محور المقاومة الشيعي وغزة ووقف إطلاق النار على جبهة لبنان حيث انحاز حزب الله، كُرهاَ أو طواعية، تكتيكاً أو استراتيجياَ، للمصلحة الوطنية اللبنانية وسلموا مقاليد أمر التفاوض للدولة ممثلة برئيس مجلس النواب نبيه بري ، من المفترض أن تُعيد حركة حماس حساباتها ويكفي ما سببته من خراب ودمار بغزة وكل القضية الوطنية وما سببته من نفور في العلاقة بين الفلسطينيين والعرب بسبب تحالفها مع إيران التي كانت سبباً في تدمير أربعة دول عربية ومصدر قلق لأخرى.
نعم، ندرك وجود فرق بين الحالة في جنوب لبنان والوضع في قطاع غزة، ولكن حتى لا تسوء الأمور الى ما هو أسوأ على حماس التوقف عن المكابرة والمعاندة وتقبل مبدئياً تسليم الأمور للقيادة الفلسطينية الرسمية.
نعلم أن الأمر ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، وذلك لعدة أسباب:
1- استمرار وجود ارتباطات مالية لحماس مع إيران وايديولوجيته مع جماعة الإخوان.
2- مصلحة إسرائيلية في الحفاظ على بقايا حماس مؤقتاً حتى تحافظ على الفصل بين الضفة وغزة وإعاقة عودة السلطة الفلسطينية للقطاع واستمرار الانقسام السياسي.
3- خوف حماس من حرب أهلية وانتقام أهالي غزة.
4- بالرغم من فشل تجربة حماس في قطاع غزة سواء على مستوى الحكم أو المقاومة فإن فكرها ونمط تفكيرها العقيم منتشر في الضفة والأردن والشتات أكثر من غزة.
5- الطرف الفلسطيني المقابل أو البديل وهو المنظمة والسلطة في حالتهم الراهنة لا يستطيعون لوحدهم استلام مقاليد الأمور في قطاع غزة أو التفاوض على وقف إطلاق النار.
ولكن لأن المصلحة الوطنية تسمو على كل هذه العقبات، الأمر يتطلب جهداً جماعياَ وطنياً وعربياَ ودولياَ للخروج من المأزق، وقد يحتاج الأمر للجنة عربية دولية للإشراف على مجريات التفاوض وحتى ادارة غزة مؤقتا بمشاركة السلطة الفلسطينية، المهم ان تأخذ حماس العبرة مما جرى مع حزب الله وتقبل بتسليم سلاحها في قطاع غزة وتسليم المخطوفين الإسرائيليين الذين أصبحوا عبئاً على المقاومة وعلى غزة وليس ورقة قوة.