حماس

حماس ظالمة ومظلومة في مصر

تميل مواقف الدول العربية المعتدلة إلى دعم فكرة إيجاد تسوية سياسية عاجلة للقضية الفلسطينية لتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة

يدور نقاش حاد في بعض الأروقة العربية حول النتيجة التي وصلت إليها حركة حماس عقب قيامها بعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، وما ترتب عليها حتى الآن من تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية على الشعب الفلسطيني.

هناك تقديران حول هذه المسألة وتوابعها، أحدهما يرى أصحابه أن هذه العملية أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وفرضت على المجتمع الدولي الاهتمام بها. والآخر يقول إنها أضرت إستراتيجيا بها واستنفرت القوة العسكرية المفرطة لإسرائيل لتدمير قطاع غزة، ومحاولة خلق واقع أشد مرارة في الضفة الغربية.

يستطيع كل تقدير أن يؤكد أصحابه صواب ما ذهبوا إليه، ما خلق رؤيتين متقابلتين في الشارع العربي، إذا تم قياس الأمر وفقا لحسابات المكاسب والخسائر المباشرة، ولا تزال النوافذ مشرعة على الرؤيتين واختلاف الانحيازات بينهما، وإن بدا موقف إسرائيل محسوما بشأن ضرورة التخلص من حماس وما ترمز إليه عملياتها المتنوعة من فعل مقاوم بسبب الانتهاكات المستمرة في الأراضي المحتلة.

تميل مواقف الدول العربية المعتدلة إلى دعم فكرة إيجاد تسوية سياسية عاجلة للقضية الفلسطينية لتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة، قبل أن يتم طيّ صفحة الحرب وما أثارته من تعاطف إنساني، وعدم اختزال الشعب الفلسطيني في الصدمة التي أحدثتها عملية طوفان الأقصى في عدد كبير من الدول الغربية، والبحث عن وسيلة للهدوء بدلا من الدوران في حلقات اقتتال لن تنتهي بالتخلص من القوة العسكرية للمقاومة.

تسببت حركة حماس دون أن تدري في انقسام داخل الكثير من الدول، وتتوقف زاوية الرؤية لها على الموقف الرسمي في كل دولة عربية على حدة، وتلعب وسائل الإعلام دورا مهما في الاختيار أو الخلط، ما أحدث غموضا في الموقف من حماس.

فهي حركة مقاومة فلسطينية تستحق الدعم والمساندة والمؤازرة، وذات انتماءات إسلامية معينة يمكن أن تتحول عقيدتها القتالية إلى خطر في الكثير من الدول التي لها امتدادات بها، ولديها علاقات وثيقة مع إيران التي تمثل تهديدا داهما في نظر بعض الدول من منطلق قيامها بتوظيف أذرعها العسكرية في المنطقة والاستفادة من التوترات بها، ومن بينها حماس، لخدمة أهدافها طهران أولا.

دار سجال في مصر بعد عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، زادت ملامحه مع اختيار يحيى السنوار خلفا له، وحاول الموقف الرسمي للدولة ألا ينخرط في النقاش العاطفي، وفضّلت الحكومة البقاء في مساحة رمادية لا تجعلها مؤيدة للاغتيال والوقوف في صف إسرائيل، أو مؤيدة لاختيار السنوار ونهجه المتوقع أن يكون أكثر تصعيدا، فتنصيبه على رأس الحركة في هذه الأجواء يحمل رسالة سلبية لمستقبل المفاوضات التي تراهن مصر عليها لوقف إطلاق النار في غزة.

ابتعد الموقف الرسمي عن الدخول في التقديرات المتضاربة، لكن نكأ جرح من تعاطفوا مع حماس وأدانوا اغتيال هنية ورحّبوا بالسنوار على رأس حماس سياسيا وعسكريا، وترك جرحا غائرا يتعلق بالموقف العام من حركة اتهم بعض عناصرها بارتكاب أعمال عنف في مصر سابقا، ووضعت على قائمة إرهاب ثم رفعت منها، وقامت بالتعاون مع أجهزة الدولة في تطويق جماعات نشطت في سيناء وقامت بعمليات إرهابية عديدة.

تسبب انتقال حماس من خانة إلى أخرى في حيرة لدى بعض المصريين، فهي خائنة ومتعاونة في نظر شريحة منهم، وأخذ الاستقطاب منحى حادا مع كثافة التعليقات التي تقف مع الحركة أو ضدها، ما جعل الخلاف حول حماس يأخذ بعدا صارخا، خاصة مع اشتداد الضربات التي يتعرض لها الفلسطينيون من جانب قوات الاحتلال وغموض الأفق الذي ينتظرهم إذا واصلت قيادة الحركة الرهان على أن كثافة الضحايا يمكن أن تحرك المجتمع الدولي ضد إسرائيل.

مع استمرار القتال والدمار والإبادة الجماعية وعدم تحرك المجتمع الدولي بما يكفي، تراجع التعويل على أن يربح خطاب المظلومية الحمساوية في مواجهة خطاب الغطرسة الإسرائيلية، ما أدى بفئة ممّن ثمّنوا عملية طوفان الأقصى للتشكيك في جدواها، حيث مضى أكثر من عشرة أشهر وتواصل إسرائيل تدميرها لغزة والضفة، ولا توجد قوة دولية تردعها أو توقفها.

ويشير هذا الأمر إلى كثافة من يتهمون الحركة بأنها ظالمة، فهي لم تحسن تقدير عواقب حساباتها العسكرية، ووضعت رهانها السياسي على قواعد متغيرة وغير دقيقة، ووفرت لإسرائيل ذريعة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية إلى الحد الذي يعيدها إلى الهامش، مع احتمال اتساع نطاق الصراع ودخول أطراف أخرى بعيدة.

أقرا أيضا| السنوار رئيسًا لحماس الدلالات والأبعاد

كان النأي المصري صائبا عن الدخول في إشكاليتي مع حماس وضدها، لأن القاهرة لا تزال وسيطا بين إسرائيل والحركة، مع أن المفاوضات غير المباشرة بينهما دخلت نفقا قاتما بعد اغتيال هنية، ولم يمنع ذلك الحكومة المصرية من إدانة الانتهاكات والمجازر التي تقوم بها إسرائيل في غزة، واتهامها بعدم وجود إرادة سياسية لعقد صفقة لتبادل الأسرى، حيث تريد مصر هدوءا عند المنطقة الحدودية مع القطاع، ووقف السخونة العسكرية، وألاّ تجد نفسها في مواجهة تصعيد إقليمي واسع.

تسعى مصر إلى التباحث حول إيجاد صيغة منتجة تضمن مستقبلا طبيعيا للفلسطينيين وإقامة دولة وفقا لقرارات الشرعية الدولية، لأن استمرار العنف سوف يقضي على ما تبقى من الأرض، وينهي حلم دولة طال انتظارها، ويفتح المجال أمام كانتونات فلسطينية متباعدة، قد يرتضيها البعض في حماس، على أمل الاستعداد لجولة جديدة.

لا تصلح الشعارات والهتافات في التعامل مع ما يجري في الأراضي المحتلة، وتحتاج المسألة إلى نظرة موضوعية، ولا أحد يريد رمي حماس في البحر المتوسط أو وضع عناصرها تحت أنقاض غزة، لكن تصرفاتها الأحادية أفضت إلى مأزق يتجاوز حدود ما يعانيه الفلسطينيون من تجاذبات داخلية عميقة.

لم يمنع النأي المصري عن التراشقات حول حماس من وجود انقسام بين شريحة من المواطنين، حدد عدد كبير منهم رؤيته بناء على موقفه من النظام الحاكم، فمؤيدوه دعموه مهما كان الموقف من حماس، ومعارضوه سعوا لاستهدافه لأغراض سياسية.

واستشعر الفريق الأول ضمنيا أن النيل من حماس واجب وطني، وتم استرجاع روايات سابقة حول علاقة الحركة بجماعة الإخوان الإرهابية وما تردد من سرديات بشأن قيام عناصر تابعة لها بجرائم عنف داخل مصر، بينما انحاز الفريق الثاني المعارض إلى حماس بوصفها حركة مقاومة تستحق الدعم، وأن ما فعلته أو تفعله يجب الانتصار له، ولذلك أصبحت في نظر هؤلاء ظالمة، وفي نظر هؤلاء مظلومة، ولن تنتهي الازدواجية، لأن المقومات التي يستند عليها كل طرف متغيرة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى