في منطق الحروب، عادة ما يفرض طرف هيمنته على الآخر لينتهي الصراع، لكن في حالة غزة، نجد أن كلا الطرفين، إسرائيل وحركة حماس، يصران على تحقيق انتصارات كاملة، مما يزيد من تعقيد الأوضاع ويعرض المدنيين لمزيد من المعاناة. حركة حماس، التي ترى نفسها ممثلة للمقاومة الفلسطينية، ترفض التنازل عن سلاحها أو التخلي عن دورها السياسي والعسكري في غزة، حتى لو كان ذلك يعني استمرار الصراع وتفاقم الأزمة الإنسانية. وهذا الموقف المتشدد يضع غزة على شفا حرب جديدة قد تكون أكثر تدميرًا من سابقاتها.
في المفاوضات الجارية بين حماس وواشنطن، ظهرت فجوة كبيرة بين مطالب الحركة وما هو مقبول دوليًا. فحماس ترفض نزع سلاحها، وتصر على شروط تكاد تكون غير واقعية في الوقت الحالي، مثل رفض أي اتفاق لا يضمن بقاءها كقوة سياسية وعسكرية فاعلة في غزة. هذا التمسك بالمواقف الصلبة يعيق أي فرصة للتوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق نار دائمة، ويعرض سكان غزة لخطر حرب جديدة مدمرة. واستمرار هذا النهج المتشدد من قبل حماس يضعها في موقف يصعب الدفاع عنه، خاصة في ظل المعاناة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع.
تصريحات قادة حماس الأخيرة تؤكد أن الحركة ما زالت متمسكة بحلم السلطة والهيمنة على المشهد السياسي في غزة، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار المنطقة وحياة المدنيين. لكن الواقع الجيوسياسي قد تغير، والإجماع العربي الذي تم التعبير عنه في القاهرة، والذي يدعو إلى إبعاد حماس عن المشهد السياسي في غزة، يعد مؤشرًا واضحًا على أن الحركة لم تعد جزءًا من المعادلة المستقبلية للقطاع. هذا التحول في الموقف العربي يضع حماس أمام خيارات صعبة، خاصة في ظل إصرار الوسطاء الدوليين على نزع سلاح الحركة وإخراجها من غزة كشرط أساسي لأي اتفاقية وقف إطلاق نار دائمة.
إن مستقبل غزة لا يمكن أن يُبنى على أساس الصراع الدائم، بل يتطلب رؤية جديدة تقوم على المصالحة والتفاوض البناء. ويجب على حماس أن تظهر مرونة أكبر في المفاوضات، وأن تدرك أن نزع السلاح ليس تنازلًا عن المبادئ، بل خطوة نحو بناء مستقبل أكثر استقرارًا لأبناء غزة. وأن الإصرار على مواقف غير واقعية لن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة والمعاناة، ولن يحقق أي مكاسب سياسية أو عسكرية.
المفاوضات الأخيرة بين واشنطن وحماس، والتي ناقشت تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي في غزة، أظهرت بعض المرونة من جانب الحركة، لكنها ما زالت ترفض مناقشة نزع سلاحها كجزء من أي اتفاق مستقبلي. هذا الموقف يزيد من تعقيد المفاوضات ويعرض المنطقة لخطر حرب جديدة. إسرائيل، من جانبها، طرحت مقترحًا لتمديد وقف إطلاق النار لمدة شهر، شرط أن تواصل حماس إطلاق المحتجزين لديها، لكن الحركة رفضت هذا المقترح وتمسكت بشروطها الخاصة.
إن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق قادة حماس، الذين يجب أن يضعوا مصلحة الشعب الفلسطيني فوق أي اعتبارات أخرى. فدفع غزة نحو حرب جديدة لن يكون إلا إضافة إلى سلسلة المعاناة التي يعيشها السكان، ولن يحقق أي مكاسب سياسية أو عسكرية. فالوقت قد حان لحماس أن تعيد تقييم استراتيجيتها، وأن تختار طريق التفاوض والحلول السياسية بدلًا من الاستمرار في دوامة الصراع التي لا تُجدي نفعًا.
وعلى الوسطاء الدوليين، أن يواصلوا الضغط على كلا الطرفين لتحقيق تسوية سياسية حقيقية ترضي الشعب الفلسطيني، فإنهاء الحرب في غزة يتطلب رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار معاناة المدنيين وحقوقهم في العيش بسلام واستقرار، بعيدًا عن أطماع السياسيين والصراعات العسكرية.