غزة اليوم ليست كما كانت قبل أربعة عشر شهرًا، ولا المقاومة الفلسطينية بوجهها الحالي تملك نفس الزخم الذي كانت تستند إليه سابقًا. المشهد يتحدث عن حرب تطال الاخضر واليابس فى غزه من قصف يومى على المواطنين العزل وإغلاق للمعابر وعدم ادخال المساعدات الإنسانية بالشكل الذى يكفى الشعب وجوع ينهش الفلسطينيين، وخيام اللجوء التي تحكي مأساة شعب يدفع ثمن قرارات فردية وأخطاء استراتيجية قاتلة.
في ظل هذه الظروف، تبدو حماس في موقف يتآكل يومًا بعد يوم، معزولة عن الداخل والخارج، وعاجزة عن تحقيق اى اختراق سياسي أو عسكري يعيد للأرض هيبتها وللمقاومة مكانتها او حتى يعيد المواطنين النازحين فى الخيام إلى بيوتهم.
ان الانهيار الإقليمي الذى حدث وسقوط الحلفاء وانطفاء الدعم لحماس وللمقاومه فيما يعرف بمحور المقاومه او جبهة الإسناد أصبح فى خبر كان .
اعتقد لم يكن موقع حماس الإقليمي يومًا بهذه الهشاشة. النظام السوري الذي كان يوفر دعمًا لوجستيًا وسياسيًا قد انهار بفعل هروب الأسد وحزب الله، الحليف الأبرز في محور المقاومة، أصبح محاصرًا ومشلولًا بعد اغتيال قادته وتآكل قدراته العسكرية بفعل الحروب والاستنزاف وتوقيعه على وقف إطلاق النار الذى وقع ورجوعه إلى خلف الليطاني أما إيران، التي كانت الداعم الأكبر للحركة، فقد انكمشت أمام الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية، لتعيد ترتيب أولوياتها على حساب غزة وحماس.
في هذا الفراغ، وجدت حماس نفسها وحيدة، تتحمل وحدها عبء مواجهة الاحتلال دون سند إقليمي أو غطاء سياسي دولي. أسوأ من ذلك، أصبحت الحركة في نظر الكثيرين عقبة أمام توحيد الصف الفلسطيني واستعادة الشرعية الوطنية.
مكابرة تزيد العزلة
بدلًا من مواجهة الواقع بشجاعة، اختارت قيادة حماس التمترس خلف خطاب مكابر يعاند الحقائق على الأرض. تصريحات قياديي الحركة، التي تحمل الدول العربيه نتيجه خدلانها وتصريحاتها ان غزه بخير وان غزه والمقاومة تملك زمام المبادرة كل هذا لم تفعل سوى تأجيج الغضب الشعبي وتوسيع الفجوة بين الحركة وشعبها. هذا الخطاب، الذي يفتقر إلى الواقعية والمسؤولية، عمّق من أزمة الحركة وأضعف موقفها أمام العالم، ليمنح الاحتلال منصة دعائية لتبرير جرائمه.
اقرأ أيضا| حماس والمرحلة الخطرة!
اقول إن منظمة التحرير هى الطريق إلى الشرعية الدولية وفي ظل هذا المأزق، تبدو العودة إلى منظمة التحرير الفلسطينية ضرورة لا خيارًا. المنظمة، ورغم كل ما أصابها من ضعف، لا تزال الكيان الشرعي الوحيد المعترف به دوليًا لتمثيل الشعب الفلسطيني. أكثر من 194 دولة تقف خلف شرعية المنظمة، وهو ما لا تستطيع حماس تحقيقه في ظل عزلتها الحالية.
عودة حماس إلى منظمة التحرير ليست مجرد خطوة سياسية، بل هي إعادة تموضع استراتيجي وتفويت الفرصه على إسرائيل بدعمها الإنقسام .
والتخلي عن الانفراد بالقرار والانخراط في مشروع وطني جامع يمثل كافة أطياف الشعب الفلسطيني.
والاعتراف بالحاجة إلى الدعم الدولي فالشرعية لا تُكتسب بالمقاومة المسلحة وحدها، بل تحتاج إلى غطاء سياسي ودبلوماسي قوي.
واهم عنصر هو إعادة بناء العلاقة مع الشعب عبر خطاب سياسي مسؤول يعترف بالأخطاء ويسعى لإصلاحها بدلًا من تبريرها.
ان اليوم، الشعب فى غزة المنكوبه يعيش اسوء مراحل الحياه فهو يريد الغذاء لا يريد شعارات أو وعودًا، بل يريد أيضا قيادة تتحمل المسؤولية بشجاعة وتعمل على توحيد الصفوف وإنهاء الحرب وزياده المساعدات واعاده الاعمار . !!! أما العالم، الذي منح الاحتلال غطاءً دوليًا لاستمرار جرائمه، فلن يعيد النظر في مواقفه ما لم تعود القضية الفلسطينية إلى مركز الشرعية الدولية تحت مظلة منظمة التحرير.
إن حماس اليوم أمام مفترق طرق خطير فإما أن تستمر في عزلتها ومكابرتها، واستمرارها فى نفس الأخطاء ما يعني مزيدًا من الخسائر والشهداء والتراجع والتآكل، أو أن تقف بشجاعة لتعيد حساباتها وتنضم إلى المشروع الوطني الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير. التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى، وغزة تستحق قيادة توحد صفوفها وتعيد بناء كرامتها الوطنية. الوقت ينفد، والفرصة الأخيرة تقترب.