حماس أولا وفلسطين عاشرا
إن ترسيخ السلطوية الحمساوية لا يوفر للشعب الفلسطيني، وهو يعيش أصعب أيامه وأحلك لياليه، سوى القليل من الخيارات؛ إذ لا يمكن لسلسلة اتفاقات الوحدة بين السلطة وحركة حماس أن تحجب حقيقة أنه لم يجر اتخاذ خطوات حقيقية نحو الوحدة.
في كانون الثاني/يناير 2006 فازت حماس في الانتخابات البرلمانية، وفي الثاني من حزيران/يونيو 2007 قامت بانقلابها حيث تم تقسيم السلطة الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ما أدى إلى اتسام السياسة الفلسطينية العامة بالاضطراب والتعثر. فسياسة حماس الواضحة هي تحويل المؤقت إلى دائم، وهو ما أدى إلى تكيّف شطري النظام السياسي الفلسطيني مع الانقسام.
في غزة استحوذت حماس على ما تبقى من مقرات السلطة الفلسطينية، بعد أن قامت إسرائيل بقصفها قبل انسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، وبالتالي مهدت بشكل مقصود لحركة حماس للسيطرة على القطاع. ويذكر جورج دبليو بوش، الرئيس الأميركي الأسبق، في مراسلاته مع أرييل شارون أنه كان يراهن على ذكاء رئيس الوزراء الإسرائيلي في عملية الانسحاب التي ستمهد لحدوث الاقتتال الداخلي بين الفلسطينيين.
أسست حماس، عل مدى خمس سنوات منذ أن سيطرت بشكل انفرادي على قطاع غزة، جهازا حاكما كبيرا سيطر بشكل صارم على هذا القطاع الصغير. ومازال ما تبقى من هذا الجهاز يمارس السلبطة والخاوات والنصب جهارا نهارا على أعلى المستويات القيادية في الحركة.
إن ترسيخ السلطوية الحمساوية لا يوفر للشعب الفلسطيني، وهو يعيش أصعب أيامه وأحلك لياليه، سوى القليل من الخيارات؛ إذ لا يمكن لسلسلة اتفاقات الوحدة بين السلطة وحركة حماس أن تحجب حقيقة أنه لم يجر اتخاذ خطوات حقيقية نحو الوحدة، تنزل فيها حركة حماس عن ظهر الشعب الفلسطيني ويتوقف قادتها، الذين يستجمون على الشواطئ التركية أو يعيشون في أرفه الفنادق القطرية، عن المزاودة على الشعب الفلسطيني والتحدث باسمه. فشتان بين من يحيا حياة قادة حماس الباذخة وبين الشعب الفلسطيني الذي يبحث البعض منه عن خيمة تقيه شمس الصيف أو أمطار الشتاء.
ليس ثمة طريق ممهدة للخروج من ورطة القرن، لكن من الصعب أن نتخيل حصول قدر كبير من التغيير دون ضغط من الغزيين وخروجهم في مظاهرات وقيامهم باعتصامات ضد حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل وضد استمرار حكم حماس للقطاع.
وهذا أمر يبعث على القلق وربما لن يكون يسيرا، فحماس لن تواجهه بالورد وأغصان الزيتون، بل قد تتسبب بقتل بعض الفلسطينيين المناوئين لاستمرار حكمها للقطاع، لأن من الصعب جدا أن نتصور إجراء انتخابات في الوقت الحاضر أو حتى بعد وقف الحرب. وطالما بقي سكان غزة، وجميع الفلسطينيين، على شفا حفرة من الموت، فمن الصعب أن نرى أي طريق للتقدم إلى الأمام، إلا بانسحاب حركة حماس من المشهدين السلطوي والعسكري في قطاع غزة.
اقرأ أيضا| عام على طوفان حماس المشؤوم
انسحاب حماس من إدارة قطاع غزة بات ضرورة فلسطينية ملحة، خاصة بعد عرقلتها لاتفاقية المعابر وانقلابها على ما تم الاتفاق عليه مسبقاً. وخير شاهد على ذلك التقرير الذي نشرته قناة “سكاي نيوز عربية”، حيث جاء في التقرير: “من بين العراقيل أمام إتمام اتفاق لجنة الإسناد مطالبة حماس بأن تضم اللجنة في عضويتها شخصيات محسوبة على حماس بالمخالفة للمقترح الأصلي بأن يكون أعضاء اللجنة من الشخصيات العامة غير المحسوبة على أي فصيل، وكذلك مطالبتها بتحصيل رسوم المعابر بمعرفة مندوبين من حماس ومراقبة نظم التشغيل التقنية للمعابر، وهي المطالب التي رفضتها حركة فتح”. كما تطالب حماس، وفقا للمصدر ذاته، بأن “تكون لجرحى حماس أولوية الخروج للعلاج خارج القطاع متى تم السماح بفتح المعابر أمام المصابين الفلسطينيين”.
رغم كل ما سببته حركة حماس من جروح للشعب الفلسطيني وهزائم مجلجلة وخسارات لا تعوض، تصر على استمرار حكمها للقطاع بل وتجبي رسوم المعابر، ليزداد ثراء قادتها الفاحش.
ما زالت حماس تعيش في أحلام اليقظة؛ فلن يعود إليها الدعم المالي القطري، ذاك المال الذي كان يحظى بمباركة إسرائيلية. وإن تواجد قادتها حاليا في الدوحة هو بسبب الأسرى الإسرائيليين، ولكن بعد صفقة التبادل التي ستحدث عاجلاً أم آجلاً سينتهي رصيد حماس وستنفد بطاريتها ولن يكون هناك أي مبرر لوجودها ليس فقط في قطر، بل في كل الدول التي كانت تحظى بدعمها بتشجيع من إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
كما أن العالم بأسره لن يقبل بوجود أي طرف يمثل حركة حماس في المعبر، ومعظم الدعم الغربي والعربي موجه نحو السلطة الوطنية وإن كان معنوياً ولكنه مهم. والأهم وجود طرف فلسطيني يحظى بثقة المجتمع الدولي ومقبول بالنسبة إليه للتعامل معه. فالسلطة، رغم كل النقد الذي يوجه لها بسبب ترهلها، كانت تتجنب أي أذى لشعبها وتهتم بسلامته وتبني له المستشفيات والمدارس وتشق الطرقات. ولكن طوال حكم حماس القسري لأهلنا في غزة لم تقم ببناء أي مستشفى أو مدرسة أو حتى حديقة، بل على العكس من ذلك أدى حكمها للقطاع إلى تجميد الكثير من المشاريع المتفق عليها بين السلطة الوطنية الفلسطينية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تأسيسا على ما سبق، إن وجود حركة حماس في المشهد الحاكم في قطاع غزة يسبب ضررا بالغا للشعب الفلسطيني وسيزداد هذا الضرر ويتفاقم باستمرار وجودها في المستقبل القريب.