أن يتم الإعلان عن حكومة فلسطينية جديدة وفق ما تمليه صلاحيات الرئيس في القانون الأساسي الفلسطيني المقرر من المجلس التشريعي وفي خضم مرحلة حساسة تشهدها القضية الفلسطينية بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص فهذا أمر طبيعي، من منطلق أن السلطة الفلسطينية يستوجب عليها أن ترتب أوراقها باعتبارها الجهة المنوط بها تحمل الملفات الثقيلة التي تنتظر قطاع غزة ما بعد الحرب، بدءا بإعادة مظاهر السلطة والأمن وخطة الإعمار والإصلاح الاقتصادي. ولكن، أن تصف حركة حماس هذا الإجراء بأنه يجسد حالة الخروج عن التوافق الوطني، فهذا يستوجب تذكيرها بأن حكمها لقطاع غزة كان خرقا تاما للقانون، بعد أن استولت على مقار السلطة الفلسطينية في قطاع غزة سنة 2007 بالحديد والنار، وبعد معارك مسلحة حصدت أرواح 113 فلسطينيا في أسبوع، فضلا عن عشرات المعتقلين المنضوين تحت راية حركة فتح.
كانت حكومة الوفاق الوطني 2014 برئاسة رامي الحمد لله وما شابها من خلافات تسببت في استحالة تطبيق بنود اتفاق القاهرة 2011، ومنعت الحكومة من القيام بصلاحياتها الإدارية والمالية، وهذا كفيل بأن يضعنا أمام حقيقة أن حماس وفتح خطان متوازيان لا يلتقيان، فتح قدمت تنازلات في سبيل إنهاء حالة الانقسام بعد أن تراجع زخم القضية الفلسطينية عربيا ودوليا، وهو ما صب في صالح الاحتلال بعد أن قدم الانقسام حجة أخرى تعزز أسباب انهيار المسار التفاوضي واستحالة تطبيق حل الدولتين في ظل وجود سلطتين، إحداهما تحتكم للسلاح وترفض التفاوض وتنادي بالقضاء على إسرائيل.
أما حماس فقد لجأت إلى هذا الخيار مضطرة بعد ما خلفته حرب 2014 من دمار تجاوز إمكانياتها المادية بكثير، وبعد أن قلصت إيران من حجم مساعداتها المادية للحركة بسبب موقفها من الثورة السورية. استدعى ذلك من حماس أن تقوم بتلك المناورة طمعا في خزائن السلطة، لكن كان لها دائما تصورها الخاص المبني على حسابات سياسية حزبية وضعتها في ثوب سلطة موازية غير مستعدة لتقديم تنازلات على حساب حكمها.
اتفاق القاهرة 2017 والذي نص على أن تعود السلطة الفلسطينية التي تتخذ من الضفة الغربية المحتلة مقرا، إلى ممارسة سلطتها الكاملة مجددا على قطاع غزة بحلول الأول من كانون الأول/ديسمبر من نفس السنة، كان فرصة لتجاوز عقبات اتفاق 2011 ولإعادة الأمور إلى نصابها. وبخلاف بند تسليم معبر غزة الوحيد الذي جاء في اتفاق المصالحة بين حركتي حماس وفتح، بقيت جميع البنود حبرا على ورق إلى غاية استقالة حكومة الوحدة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله، حتى إن هذا البند سقط أيضا بعد أن سحبت السلطة موظفيها العاملين في معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر، نتيجة لتعرض طاقم السلطة الفلسطينية لمضايقات واعتقالات من قبل عناصر حماس.
إعلان الجزائر للمصالحة الفلسطينية عام 2022 والذي نص على اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، اضطر إلى حذف البند المخصص بشأن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية لكي لا يتم الحكم على فشل الاتفاق مبكرا، جاءت فيه تسعة بنود تضع مسارا لتحقيق وحدة الصف الفلسطيني، كما تضمن إشراك فريق عمل جزائري عربي للإشراف على متابعة تنفيذ بنود هذا الاتفاق، لكنه وكسابقه من الوساطات العربية، لم يصل إلى نتيجة واكتفى بتلك الصورة التذكارية التي جمعت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.
ومن وثيقة البرغوثي، ثم اتفاق مكة، مرورا باتفاقيات القاهرة إلى الدوحة والشاطئ، ووصولا إلى اتفاق الجزائر، أمضى الفلسطينيون سنين طويلة في الدوران في حلقة مفرغة في صراع أيديولوجي وسلطوي، قدم هدية مجانية للمحتل الذي عزز من خلال الفصل السياسي الواقع بين حماس وفتح فصله الجغرافي الواقع ما بين الضفة وغزة، وبذلك تداولت الإدارات الأميركية على إيجاد العبارات المناسبة التي تصف بها إجهاض حل الدولتين بأياد فلسطينية من دون أن تتوجه أصابع الاتهام لإسرائيل.
المثل يقول: السفينة التي يقودها أكثر من قبطان، إما أن تغرق أو تتوه في المحيط. والحمساويون اتفقوا على ألّا يتفقوا مع الفتحاويين منذ إعلان تأسيس حركتهم واختاروا أن تكون فلسفتهم الخاصة هي المنهج الوحيد لتحرير وقيام دولة فلسطين، على خلاف ما يراه أصحاب الإجماع في منظمة التحرير الفلسطينية صاحبة التمثيل الشرعي وبيت جميع الفلسطينيين، واتخذوا من سياسة الأمر الواقع منهجا لحكم قطاع غزة، رغم كل الظروف المريرة التي تكبدها الغزيون منذ استلامهم السلطة في غزة، واليوم وبعد “خراب مالطا” ودخول قطاع غزة في مرحلة مفصلية وخطيرة، نجد حماس مغتاظة من السلطة وفتح بسبب عدم إشراكها في الحكومة الجديدة واصفة ذلك “بالتفرد والانقسام”.. أليس هذا التناقض بأم عينه؟