السلطة الفلسطينية

حلّ الدولتين.. وتعدد الآراء

وبرزت الدولة الفلسطينية كأبرز نقاط الخلاف بين الحليفين، وأدَّت إلى نقاش واسع داخل الدوائر السياسية والفكرية في العاصمة الأميركية حول جدية الإدارة الأميركية، ومدى واقعية تطبيق حل الدولتين ونجاحه

الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو تقفان على ضفتين متقابلتين ومتناقضتين حول اليوم التالي في غزة، وأيُّ نوعٍ من التسوية يمكن أن يؤديَ إلى استقرار في المنطقة يسمح للرئيس الأميركي جوزف بايدن بأن يركّز على حملته الرئاسية في انتخابات يصفها الديمقراطيون بأنَّها مفصلية لمستقبل أميركا.

وبرزت الدولة الفلسطينية كأبرز نقاط الخلاف بين الحليفين، وأدَّت إلى نقاش واسع داخل الدوائر السياسية والفكرية في العاصمة الأميركية حول جدية الإدارة الأميركية، ومدى واقعية تطبيق حل الدولتين ونجاحه، وإذا ما كانت الظروف مناسبةً ومساعدةً لبناء هذه الدولة الآن. الرئيس بايدن، الذي لم تتعامل إدارته مع المسألة الفلسطينية كأولوية قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول)، أعلن في منتصف أكتوبر أنَّ رؤيا اليوم التالي يجب أن تكونَ دولة فلسطينية.

اليوم بعد خمسة أشهر من حرب غزة يدور النقاش حول قابلية حل الدولة للحياة بعدما حاولت إدارات أميركية عدة أكثرُ التزاماً من الإدارة الحالية، ووجود حكومات إسرائيلية أقلَ تطرفاً من الحكومة الإسرائيلية الحالية، وظروف دولية أكثر ملاءمة لحل الدولتين، ولم تنجح.

هناك فريق يرى أنه من غير الواقعي أن نتحدّث عن حل الدولتين في ظل الوضع الراهن، ويصف الدولة الفلسطينية بالسراب.

شبلي التلحمي، الخبير في معهد بروكينغز والمدرس في جامعة ماريلند، ومارك لينش، المدرس في جامعة جورج واشنطن، كتبا في مجلة «فورين افيرز» أن «فكرة أن تخرج دولة فلسطينية من تحت ركام غزة لا أساس له في الواقع»؛ لأن العناصر الضرورية لحل الدولتين لم تعد موجودة؛ بسبب وجود مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية اليمينية يعارضون هذه الدولة، وبسبب المستوطنات التي تجعل قيامَ دولة قابلة للحياة أمراً مستحيلاً، وبوجود سلطة فلسطينية لا تتمتَّع بالشعبية بين الفلسطينيين، وحيث مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة في أدنى مستوى لها.

ويحمّل هذا الفريق الولاياتِ المتحدة مسؤوليةَ ما وصل إليه الوضع «بسبب دفاعها عن أكثر الحكومات الإسرائيلية يمينيةً في تاريخ إسرائيل»، حسب ما كتبا. وأضافا أن إدارة الرئيس بايدن «لا يمكنها خلق السلام عبر الدعوة إليه فقط. لكن يمكنها الاعتراف بأن كلامها حول مستقبل فيه دولتان قد فشل، وأن تنتقل إلى التركيز على التعامل مع الوضع كما هو… وهذا يتم عبر التأكد أن إسرائيل تلتزم القانونَ الدوليَّ وحقوقَ الإنسان والأعرافَ الليبرالية لكل الذين يعيشون تحت سيطرتها». إضافة إلى ضرورة معارضة سياسات مثل طرد الفلسطينيين من غزة، واستمرار مصادرة الأراضي الفلسطينية في الضفة.

وهناك فريق آخر يرى أنه على الرغم من أنَّ كلا الطرفين (الإسرائيليين والفلسطينيين) أصبح مقتنعاً أنَّ الطرف الآخر «يريد قتلنا وليس السلام»، فإنَّ هؤلاء الذين من أبرزهم مارتن إنديك، المسؤول الأميركي السابق الذي عمل لعقود على عملية السلام، يعتقدون أن عقوداً من الدمار «والخداع والنكران»، لم «تقتل حلَّ الدولتين وإنَّما جعلته أقوى»، كما كتب إنديك في مجلة «فورين أفيرز».

يقترح إنديك الذي يعتقد أنَّ المواجهة بين بايدن ونتنياهو حتمية، وأن يقوم بايدن بمخاطبة الشعب الإسرائيلي مباشرة من فوق رأس نتنياهو، ليس لإقناعهم بحل الدولتين، وإنما لشرح ما يحاول القيام به لضمان الاستقرار لليوم التالي. ويقول إنديك إن الرئيس بايدن سيواجه أيضاً مشكلة «إقناع الفلسطينيين والقادة العرب؛ لأنه ليس لديهم سبب كافٍ للثقة بالتزامه دولة فلسطينية، خصوصاً أن هناك إمكانية ألا يكون في البيت الأبيض في 2025».

اقتراح إنديك هو «الموافقة على قرار جديد للأمم المتحدة يقوم بتحديث القرار 242 ويكرّس الالتزام الأميركي والدولي بحلَّ الدولتين ويستعيد قرار الجمعية العامة رقم 181 في الدعوة إلى دولتين لشعبين مرتكزة على الاعتراف المتبادل بدولة يهودية لإسرائيل، ودولة عربية لفلسطين». ويرى أنه يمكن أن يدعو القرار الطرفين إلى تجنب الأعمال الأحادية الجانب التي يمكن أن تعيق التوصل إلى حل الدولتين».

كما يمكن لهذا القرار، أن يدعو إلى مفاوضات مباشرة بين الأطراف، «في الوقت المناسب»، لحل كل مسائل الحل النهائي، وإنهاء النزاع.

يقول إنديك إنه «إذا تم تقديم هذا القرار ودعمته السعودية ودول عربية أخرى، وتم تمريره بالإجماع، لا يعود لإسرائيل ومنظمة التحرير أي خيار آخر، بل أن تقبله كما قبلت 242».

وهناك فريق واقعي آخر يرى أن الظروف المطلوبة لحل الدولتين غير متوفرة من قادة «يكونون أسياد بيتهم السياسي، وليس سجناء آيديولوجيتهم»، كما قال لي آرون ميللر الذي كان أحد أبرز فريق عملية السلام في وزارة الخارجية الأميركية. ورأى أن هناك حاجة إلى وساطة فعالة، ملاحظاً أنه لم نرَ وساطة أميركية كهذه منذ 1992 منذ إدارة الرئيس جورج بوش وجهود وزير الخارجية جيمس بيكر.

كما قال إن هناك حاجة إلى توافق إسرائيلي – فلسطيني على الهدف النهائي، وهو هنا حل الدولتين. من الواضح أن هذا الإجماع ليس موجوداً في ظل رفض إسرائيل «الإملاءات الدولية» في شأن حل الدولتين.

ويرى ميللر أن حل النزاع العربي – الإسرائيلي أو أي قضية سياسة خارجية ليس أولوية الإدارة الأميركية الآن، ويجب ألا يكون كذلك. وشرح ذلك قائلاً: «الواقع هو أن مستقبل الجمهورية الأميركية في خطر ومعظم الأميركيين يتفقون معي على ذلك». فالديمقراطيون يرون أنه على بايدن أن «يهزم ترمب»؛ ولذلك سيتجنب أي مخاطر يمكن أن تعيقه في ذلك، خصوصاً أنه سيتجنب معركة مع نتنياهو؛ لأن الكونغرس وترمب سيستغلان ذلك ضده.

بايدن يواجه معارضة من داخل حزبه ومن الأميركيين العرب والمسلمين أيضاً؛ بسبب رفضه دعم وقف لإطلاق النار في غزة. ففي انتخابات ولاية ميشيغان هذا الأسبوع، حيث وجود جالية عربية كبيرة شنَّ ناشطوها حملة لوضع كلمة «غير ملتزم» (بالتصويت) بدلاً من التصويت للرئيس. على الرغم من قلق مسؤولي الحزب الديمقراطي من تأثير ذلك على الانتخابات العامة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن محيط الرئيس وبعض قادة الحزب يأملون أنه إذا تغيرت الصورة في غزة، وحصل اتفاق إسرائيلي مع «حماس» أعاد السجناء وعاد الهدوء قبل الانتخابات، فإن هذه المعارضة للرئيس تتغير ويتغير التصويت.

للتوصل إلى ذلك بدأت الإدارة بضغط معتدل على نتنياهو عبر اعتبار المستوطنات «منافية» للقانون الدولي، ويستبعد الخبراء اعتراف إدارة بايدن بدولة فلسطينية، ولكن لا يستبعدون رعايته لقرار مجلس أمن يكون جزءاً من استراتيجيتها. وبرز بصيص أمل بإمكان التوصل إلى وقف للنار في أول الأسبوع المقبل، ولكن هذا الأمل لا يعني أن الدولة الفلسطينية وضعت على سكة الولادة. الواضح للمراقب هنا أنَّ كل كلام عن دولة فلسطينية سيبقى مجرد كلام في ظل الوضع السياسي الأميركي والدولي الراهن.

د. آمال مدللي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى