وسط مكاسب وخسائر حقوقية، وصل ماراثون الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى محطته الأخيرة بإجراء الاقتراع اليوم الثلاثاء، لحسم الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، لصالح أحد المرشحَين المتنافسَين وهما الجمهوري دونالد ترامب (78 عاما) والديمقراطية كامالا هاريس (59 عاما).
وفي مباراة انتخابية ساخنة تصدر المشهد العديد من القضايا الحقوقية، أبرزها التضخم والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والهجرة والرعاية الصحية والإجهاض والمثلية الجنسية، وكذلك الموقف من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان.
والأحد الماضي، أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، نتائج متقاربة بين المرشحين المتنافسين بالولايات المتأرجحة في ظل تنافس لا يزال على أشده للوصول إلى البيت الأبيض، إذ أظهرت هاريس قوة في ولايتي كارولينا الشمالية وجورجيا، في مقابل تقدم ترامب في ولاية أريزونا، ونسباً متقاربة بين الاثنين في ولايات ميتشيغن وجورجيا وبنسلفانيا.
اقرأ أيضا.. كيف تُجرى عملية فرز الأصوات في الانتخابات الأميركية
وأوضحت “نيويورك تايمز” أن نتائج استطلاعات الرأي بشأن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة تعني أن السباق لا يزال غير مؤكد إلى حد كبير مع اقتراب الاقتراع للساعات الأخيرة، والذي يدلي فيه أكثر من 65 مليون ناخب بأصواتهم لاختيار الرئيس الـ47 في تاريخ البلاد.
ووفق خبراء ومحللين استطلعت “جسور بوست” آراءهم، فإن قضايا الهجرة والرعاية الصحية ستلعب دورا هاما حتى اللحظات الأخيرة من التصويت، لا سيما وأن المرشحَين المتنافسَين استخدما أدوات مختلفة في تناولها لجذب الكتل التصويتية.
قضية التضخم
يتعادل ترامب وهاريس في تلك القضية، إذ قدم كلاهما خلال السباق الانتخابي تصورات عديدة متباينة في مسعى لجذب الكتل التصويتية، حيث اتخذ ترامب من قضية ارتفاع نسبة التضخم ركيزة لإضعاف موقف هاريس باعتبارها كانت ضمن إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، إذ اعتاد المرشح الجمهوري اتهام السياسة الاقتصادية لبايدن بـ”الغموض”.
وتعهدت الحملة الانتخابية لترامب بتخفيض الضرائب وأسعار الطاقة والسلع والخدمات، فيما قدمت هاريس سياسة معاكسة لتجاوز نقطة الضعف في هذا الملف، والتي برزت في خطاباتها التي شددت فيها على أن الأثرياء والشركات الكبرى يدفعون نصيبهم العادل، وتعهدت بـ”القتال” من أجل الطبقة المتوسطة والشعبية، في مقابل اتهامها لترامب بـ”القتال من أجل أصحاب المليارات والشركات الكبرى”.
ملف الهجرة
يعد ملفا خلافيا وشائكا بين المرشحين المتنافسين ترامب وهاريس، إذ قدم الأول موقفا أكثر صرامة وحزما مع قضايا الهجرة والمهاجرين، منتقدا تسامح إدارة بايدن مع مستويات الهجرة غير الشرعية، لا سيما عبر الحدود الجنوبية مع دولة المكسيك.
فيما ركزت هاريس على إصلاح نظام الهجرة وإبراز تاريخها في ملاحقة العصابات العابرة للحدود والمتاجرين بالبشر، أثناء توليها منصب مدعي عام ولاية كاليفورنيا، مشيرة إلى أن ترامب يتحدث عن هذا الملف بصورة متشددة دون إجراء أفعال تحقق ذلك.
العدالة الاجتماعية
احتلت قضية العدالة الاجتماعية مكانة بارزة في السباق الانتخابي، ليبرز تفوق كامالا هاريس على دونالد ترامب، باعتبار الأخير داعما شرسا لسياسات السوق الحر، وتخفيض الضرائب على الشركات، وتقليل الإنفاق الحكومي مقابل توسيع المجال للقطاع الخاص.
فيما سعت المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية إلى التمسك بتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، من خلال تبني سياسات بزيادة الضرائب على الأثرياء لتمويل البرامج الاجتماعية، وتعزيز حقوق العمال، والدفاع عن حقوق الأقليات وغيرها.
الرعاية الصحية
كان ملف الرعاية الصحية رهانا كبيرا في ماراثون الانتخابات، إذ تقدمت هاريس على منافسها ترامب، وسط تطلع الناخبين إلى التمتع بمظلة رعاية صحية شاملة تقاوم حالات الطوارئ التي تنجم عن انتشار الأمراض والأوبئة مثلما حدث مع انتشار فيروس كورونا.
وعادة لا ينافس الجمهوريون في هذا الملف الحيوي، إذ واجه ترامب خلال فترة ولايته لرئاسة الولايات المتحدة (2017-2021) برنامج “أوباما كير” وتعهد بإلغائه، لكن جهوده في هذا الشأن تعثرت في الكونغرس وأغضبت ملايين الأمريكيين.
ويتنافس الديمقراطيون بجدارة في ملف الرعاية الصحية الميسرة، حيث اعتمدت هاريس في دعايتها الانتخابية على التعهد بدعم شرائح وطبقات عديدة وتوفير رعاية صحية شاملة والتوسع في برنامج “أوباما كير” والهجوم على سياسات ترامب في دعم الشركات والأغنياء في هذا المجال.
وأُقر قانون الرعاية الصحية الأمريكي، المعروف باسم “أوباما كير” في عام 2010 ويمثل إصلاحا لنظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، وكذلك توسيعا لنطاق التغطية منذ تأسيس ميديكير وميديكيد في عام 1965.
الحقوق السياسية والديمقراطية
وأعادت مقتضيات الانتخابية الرئاسية الأمريكية طرح هذا الملف على السطح، حيث تتقدم هاريس على ترامب بصورة لافتة، لا سيما في ظل استغلالها لسوابق ترامب في عام 2020، إذ هاجمته من منطلق أنه سيفرض أجندة تهدد أسس وثوابت الديمقراطية الأمريكية وينتقم من خصومه السياسيين عقب الفوز في الانتخابات، وألمحت إلى أنه مجرم مدان يواجه أيضا اتهامات بالتآمر لقلب هزيمته في انتخابات 2020 أمام جو بايدن.
الإجهاض والمثلية الجنسية
وبتعادل بين المرشحين المتنافسين، يظل هذا الملف حائرا بين موقف المحافظين والتقدميين، حيث اتخذته هاريس كركيزة لدعم وحماية لحقوق المرأة مع احترام حق الأديان باعتبارها من أشد الداعمين لحق الإجهاض، بينما يواصل ترامب التمسك برفضه لجذب قاعدة الناخبين المحافظين وأصحاب الميول الدينية.
في عام 2023، قررت المحكمة العليا الأمريكية إلغاء الحماية الفيدرالية على حق الإجهاض، وسجل نظام الرعاية الصحية نحو مليون حالة إجهاض في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، في أعلى معدل منذ أكثر من عقد، وفق بيانات إحصائية لمعهد غوتماكر (غير حكومي، يدعم الحق في الإجهاض).
وتتبنى هاريس بثبات المذكرة الرئاسية بشأن النهوض بحقوق الإنسان للمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية والمثليين وثنائي الجنس والعابرين جنسياً (مجتمع الميم) في جميع أنحاء العالم.
في المقابل، يهاجم ترامب الجهات التي تدعم المثلية الجنسية، والمتحولين جنسيا، ويتعهد مرارا بمحاربة بعض أفكار الحزب الديمقراطي والأيديولوجيات التي يتبناها في هذا الملف الشائك، قائلا: “سنهزم طائفة أيديولوجية النوع الاجتماعي، ونؤكد أن الله خلق نوعين اجتماعيين فقط”.
الحرب في غزة ولبنان
يتقدم ترامب على هاريس في ملفات الصراعات والسياسة الخارجية، والذي يعد بالغ الأهمية خاصة لأصوات الناخبين من الجاليات العربية والإسلامية المهتمين بملف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان.
ويروج ترامب لخطر فوز هاريس قائلا إن “عدم وصوله للبيت الأبيض سيكون له تداعيات كارثية، خاصة على منطقة الشرق الأوسط، وقد نجد أنفسنا أمام حرب عالمية ثالثة”، متعهدا بوقف العدوان على غزة والحرب الروسية الأوكرانية، بينما تتخذ هاريس هذا الملف الشائك محورا للارتكاز على الموازنة بين دعم حقوق إسرائيل مع السعي لوقف إطلاق النار بقطاع غزة.
ترجيحات شبه متعادلة
بدوره، قال الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية والشؤون الأمريكية، سعيد صادق، إن “ترامب تقدم في قضايا الهجرة والاقتصاد والسياسة الخارجية والاستقرار، بينما تقدمت هاريس في ملفات الرعاية الصحية والإجهاض والمثلية الجنسية، ضمن عدة قضايا كانت محل سجال الماراثون الانتخابي”.
ويرى صادق في تصريح لـ”جسور بوست”، أن هاريس تحاول أن تستغل أيضا كونها أول امرأة قد تفوز وتدخل البيت الأبيض، فضلا على تعويلها على دعم الأمريكيين السود، وكل هذه مسائل نسبية قد لا تكون أولوية لدى مجمل الناخبين.
وأشار إلى حجم التصويت الكبير الذي تشهده الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية، وأن تلك القضايا التي كانت مسار المواجهة لعبت جزءا كبيرا في توجيه الناخبين نحو اختيار أحد المرشحين المتنافسين، لا سيما وأن كليهما استند على ركائز قد تجذب كتلاً تصويتية مختلفة.
وأضاف صادق: “ترامب يعول على تحقيق الاستقرار بالمنطقة حال فوزه، بخلاف هاريس التي وضح أنها لم تستطع عبر وجودها بالحكم كنائبة للرئيس بايدن حسم ملف حرب غزة على مدار عام كامل”، مؤكدا أن دول المنطقة تعول على فوز ترامب خاصة لضمان استقرار كما كان في عهده سابقا.
ورأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، الدكتور نبيل مخائيل، أن الولايات المتحدة الأمريكية أمام سباق رئاسي استطاعت قضايا عديدة تشكيل نتائج تصويتها مبكرا، لا سيما قضايا التضخم والسياسية الخارجية.
وقال ميخائيل في تصريح لـ”جسور بوست”، إن هناك إقبالا كبيرا هذه المرة على المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وقد تتجاوز ما كان في عام 2020، حيث تعزز قضايا مثل الهجرة والاقتصاد والصراعات بالمنطقة، فرص ترامب في الفوز برئاسة الولايات المتحدة، فيما تصنع قضايا مثل الإجهاض والديمقراطية والعدالة الاجتماعية فرصا أكبر لهاريس في الفوز كأول امرأة ترأس الولايات المتحدة.
واختتم أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن حديثه قائلا: “هناك تقارب بين المرشحين في استطلاعات الرأي، غير أن المتوقع أن تحسم الولايات المتأرجحة الفوز لترامب، وفي حالة فوز هاريس من المرجح أن تندلع احتجاجات قد تكون عنيفة ومطالب بإعادة فرز الأصوات”.
ومن المقرر أن يجري تنصيب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة يوم 20 يناير 2025 في مبنى الكابيتول الأمريكي، وعادة ما يحضر الرئيس المنتهية ولايته حفل التنصيب كرمز للانتقال السلمي للسلطة، على الرغم من مقاطعة ترامب في عام 2020.