أثبتت حسابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتعلقة بسوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد أنها غير صحيحة. لقد كان يظن أنه سيصبح بنفسه الأسد الذي يستطيع أن يفترس الكرد في شمال شرق سوريا، على اعتبار أنَّ سوريا والحكومة السورية أصبحتا تحت إمرته، وأصبح حلم القضاء على “قسد” والمعارضة الكردية قاب قوسين أو أدنى. لكن هبت الرياح بما لا تشتهي السفن، فبعد سقوط نظام الأسد وجدت الحكومة الانتقالية التي يقودها الثوار السوريون نفسها في مأزق أمام المطالب الدولية ببناء نظام ديمقراطي حر من ناحية، ومن ناحية ثانية وجوب احترام مطالب الأقليات بنظام فيدرالي عادل ومطالبة قوى المعارضة الأخرى بحكومة علمانية بعيدة عن الدين والحزب الواحد.
يعني هذا أن أمام حكومة الثوار السوريين طريقًا طويلًا لحل مشاكل الداخل، لذلك، فلا نستغرب من تصريحات أحمد الشرع، المسؤول الأول في الثورة السورية بأن سوريا غير قادرة على الدخول في أي صراع عسكري حاليًا وفي المدى المنظور، خاصة بعد أن تحطمت الآلة العسكرية السورية بفعل الضربات الإسرائيلية المستمرة. أما الحلول السياسية فستحتاج إلى شد وجذب قد يستمر لسنين طويلة من عمر النظام الجديد لأجل حلها وإعادة الحياة إلى هذا البلد المدمر المنهك اقتصاديًا وعسكريًا وأمنيًا ومجتمعيًا.
لذلك، نقول إن الحكومة السورية المؤقتة والقادمة لا تفكر بشن أي حرب ضد الكرد، وستعمل على المهادنة في أقل تقدير معهم. وهنا خسر أردوغان رهانه الأول. بالتأكيد سيفكر باللجوء إلى رهانه الثاني القاضي بتحريك بعض الفصائل المسلحة الموالية لتركيا لتحقيق الحلم الأردوغاني. لكن جميع الفصائل المسلحة أنهكتها الحروب والابتعاد عن الأوطان والأحباب لفترات زمنية طويلة، وهي باتت على أبواب بناء سلطة سلمية وتعويض الشعب بالسلام والأمان بدل الحروب، ولن تكون مستعدة للدخول في معارك لا ناقة لها بها ولا جمل.
اقرأ أيضا.. ماذا فعلت تركيا في سوريا؟
حتى وإن تحركت هذه الفصائل تثاقلاً ضد الكرد، ستجد هؤلاء حتمًا في أتم الجهوزية للقتال دفاعًا عن أرضهم وعن كيانهم، والكل يعرف قوة الكرد اليوم التي يحسب لها ألف حساب من حيث العدة والعديد والروح المعنوية. أما القوات التركية، فهي عاجزة عن أن تحسم الأمور بنفسها عسكريًا، ليس لضعفها ولكن لحرصها على عدم تجاوز الخطوط الحمر المرسومة دوليًا، فقد تلقت التحذيرات الأوروبية والأميركية بعدم السماح لها بخوض المعارك مباشرة مع الكرد، فبذلك تم قطع الطريق أمام أردوغان للتحرك ضد كرد غرب كردستان.
لم يتبق أمام أردوغان لتحقيق أهدافه سوى إعادة تنظيم داعش الإرهابي إلى الحياة، وهنا سيجد التحالف الدولي بالمرصاد. فالتحالف الدولي أساسًا متواجد في المنطقة للقضاء على الإرهاب الداعشي. إذاً، فحسابات أردوغان كانت خاطئة، ونشوة النصر بإسقاط الأسد بالنسبة إليه أصبحت غصة وجاءت بنتائج عكسية، بعدما أعطى أردوغان من حيث لا يدري دفعة قوية للكرد في شمال شرق سوريا نحو الاستقلال، وانقلب السحر على الساحر.
ما يزيد الطين بلة على الأتراك أن الحكومة العراقية كانت قد رحبت بوجود قوات سوريا الديمقراطية على امتداد أكثر من مئتي كيلومتر من الحدود العراقية السورية، واعتبرت تلك المسافة الحدودية مؤمنة ضد الإرهاب وضد فصائل المعارضة السورية وضد جبهة النصرة. وهذا يعني استحالة تعاون الحكومة العراقية مع أردوغان في الإطاحة بقوات سوريا الديمقراطية، خاصة بعد أن أصبح واضحًا للحكومة العراقية تدخلات تركيا الغادرة في الشأن السوري.
هل سيحمل أردوغان الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب نتائج سوء حساباته؟ أم أنه سيضطر لزيارة أربيل مجددًا لمساعدته على إيجاد حل يحفظ له ماء الوجه بعد أن أساء التقدير وأخطأ الحساب؟