حزب الله يلجأ للدعاء
يتمنّى نصر الله أن يأتي الفرج من الله، في شهر رمضان المبارك. وليس مجافياً للحقيقة القول إنّه يحيل الجنوبيين إلى فكرة عامة وغير واضحة هي الانتظار «لبعض الوقت». فالرئيس الأميركي جو بايدن نفسه لا يعرف متى وكيف ستتوقّف الحرب التي يديرها عن بُعد.
أن يقول الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله إنّ «النصر هو لمن يتحمّل والأمر يحتاج إلى بعض الوقت، وخيارنا هو الصبر والعمليات في الجنوب تحتاج بعض الوقت»، فإنّه يوحي للبنانيين وللجمهور المؤيد للمقاومة أنّ الفرج قريب على الجبهة الجنوبية التي أتعبتها حرب الاستنزاف التي يخوضها مع إسرائيل منذ أكثر من خمسة أشهر.
لكن نصرالله قال في الوقت نفسه إنّ جبهات الإسناد «ستبقى إلى جانب «حماس» مهما طال الزمن». وبذلك تكلّم باسم اليمن والعراق لا لبنان فقط حين عدّد الدول الثلاث (مستثنياً سوريا مرة أخرى). يأتي كلام نصرالله بينما تتناقض التقديرات حول مآل المأساة التي تصنعها إسرائيل.
تتراوح هذه التقديرات بين توقّعات البعض بأنّ حرب غزة ستضع أوزارها قريباً عبر تجديد التفاوض على هدنة الأسابيع الستة في غزة، لعلّ نجاحها يقود إلى مسار يضع حدّاً للقتال، لأنّ العالم غير قادر على تحمّل تبعاتها الإنسانية غير المسبوقة في أي حرب شهدها العالم… وبين التقدير الذي يفيد بأن لا أحد يستطيع التكهّن متى ستنتهي. فالقيادة الإسرائيلية تضع أهدافاً تتطلب أشهراً إضافية من الدماء والدمار والتهجير والاقتلاع، ورئيس وزراء العدو قال إنّ اقتحام رفح الذي يصرّ عليه رغم التحذيرات الأميركية، يتطلب شهرين من الزمن. وتقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية يرى أن قتال الدولة العبرية مع «حماس» بهدف القضاء على قدراتها العسكرية، قد يستغرق سنوات.
لربّما يراهن «حزب الله» على تطوّر ما يؤدي إلى رفع «العبء» الذي يتحمّله جرّاء فتح جبهة الجنوب، بناء على المعطيات التي لدى طهران، لا سيّما بعد تقرير «فايننشال تايمز» عن اتّصالات أميركية – إيرانية. لكنّ هذه الاتّصالات في مسقط، حسب الصحيفة، تناولت التوتر في البحر الأحمر. الاحتمال الآخر هو أنّ «الحزب» مثل دول وقوى عديدة، لا يعرف متى ستنتهي الحرب، وأنّ الانخراط فيها لم يكن وفق تصوّر واضح للهدف من ورائه.
وسط التساؤلات لدى معظم اللبنانيين عمّا حقّقه هذا الانخراط من نتائج، سواء على مستوى مساندة غزة أم على مستوى ردع الجيش الإسرائيلي الذي يزداد شراسة ضد غزة ويصعّد ضرباته ضد لبنان ويوسّعها جغرافياً، يضطرّ «الحزب» وأمينه العام في كل إطلالة إلى تبرير قرار المساندة بلائحة من الاستنتاجات. فمقابل «تعب» المقاومة وأبناء المنطقة الحدودية هناك «تعب» الجيش والمجتمع والاقتصاد في إسرائيل.
يتمنّى نصر الله أن يأتي الفرج من الله، في شهر رمضان المبارك. وليس مجافياً للحقيقة القول إنّه يحيل الجنوبيين إلى فكرة عامة وغير واضحة هي الانتظار «لبعض الوقت». فالرئيس الأميركي جو بايدن نفسه لا يعرف متى وكيف ستتوقّف الحرب التي يديرها عن بُعد، ويختلف مع نتنياهو فقط على أساليبها. والدول الأوروبية لا حيلة لها في شأن وقف المقتلة التي ترتكبها القيادة الإسرائيلية الأكثر تطرّفاً بتاريخ الدولة العبرية. ولا يملك قادتها سوى النواح على الانعكاسات الإنسانية. لذلك تسلّح السيّد في خطابه أول من أمس بـ»الموقف الضاغط والمعارض للمتظاهرين في الولايات المتحدة الأميركية» ضد الحرب، معتبراً أنه «قد يفتح باباً للأمل… لأنه في نهاية المطاف الموقف الأميركي هو الموقف الحاسم».
ليس من عادة المقاومة أن تراهن على عوامل من هذا النوع لأنّ قيادتها لا تثق إلا بقوّتها التي تمكّنها من إعلان «الانتصار» فوق ركام الدمار، كما في كلّ مرة، بعدما تتوقّف المدافع والصواريخ. هذه المرة يسلِّم «الحزب» الأمر إلى القضاء والقدر، فيلجأ إلى الدعاء.