أثارت حملة التبرعات التي أطلقها “حزب الله”، من خلال “هيئة دعم المقاومة الإسلامية”، تحت شعار “ساهم بمشروع ثمن مسيّرة”، أو “شارك بمشروع ثمن صاروخ”، جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية، يكاد يوازي في جانبٍ منه، الجدل الذي أثاره المسار العسكري الذي اتّخذه الحزب في ثاني أيام “طوفان الأقصى”، حين فتح “الجبهة اللبنانية” تلقائيًا، بعنوان “الإسناد” للشعب الفلسطيني المُحاصَر في قطاع غزة.
فبمجرّد بدء انتشار المقاطع الترويجية للحملة، مرفقة بأرقام الهواتف الخاصة بهيئة دعم المقاومة للراغبين في التبرّع، حتى بدأت التفسيرات والتفسيرات المضادة للخطوة، حيث اعتبرها خصومه مؤشر “ضعف”، ودليلاً على “شحّ في الأموال” يعاني منه الحزب، بل إنّ البعض ذهب في “الاجتهاد” لحدّ الحديث عن تراجع التمويل الإيراني، بفعل الكلفة الباهظة التي تسبّبت بها ستة أشهر من الحرب، معطوفة على العقوبات الاقتصادية “الثقيلة”.
في المقابل، كان مؤيدو الحزب يضعون هذه الحملة في خانة “استعراض القوة”، الذي يتوخّى الحزب من خلاله أن يؤكد للقاصي والداني أنه لا يزال قادرًا على حشد الدعم والتأييد، باعتبار أنّ هذه الحملة يمكن أن تشكّل “اختبارًا” لشعبيّة الحزب في قلب بيئته الحاضنة، الأمر الذي يمكن أن يعطي “حربه” شرعيّة مضافة، في عزّ الضغوط والتهديدات، ليبقى السؤال: أيّ القراءتين أكثر واقعيّة؟ وأيّ رمزية تنطوي عليها حملة التبرعات هذه؟
“أزمة مالية”
على الرغم من أنّ الاعتقاد بأنّ “حزب الله” يريد فعلاً أن يعتمد على التبرعات من أجل شراء الصواريخ والمسيّرات، وبالتالي تمويل الحرب التي يخوضها من الجنوب، والتي يصرّ على عدم إنهائها قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، يبدو اعتقادًا غير منطقي، أو واقعيّ بالحدّ الأدنى، فإنّ “رسالة” حملة التبرعات التي أطلقها، وفق منطق معارضيه وخصومه، تكرّس وجود “أزمة مالية عميقة” يعاني منها، على حدّ تعبيرهم.
بحسب هؤلاء، فإنّ “حزب الله” من خلال هذه الحملة، يقول إنّه يواجه مشكلة مالية حقيقية، تتطلب منه أن يطلب من أهله ومؤيّديه “التبرع للمقاومة” حتى يكون قادرًا على شراء ما يحتاجه من عتاد وأسلحة، لمواصلة الحرب، أو ربما لمواجهة السيناريوهات الأسوأ، على غرار الحرب الشاملة، في ذروة التهديدات الإسرائيلية بـ”صيف ساخن” ينتظر اللبنانيين إذا لم يتمّ التوصّل إلى تسوية سريعًا، وهو احتمال يبدو أنه يبتعد أكثر فأكثر.
ويربط خصوم الحزب بين هذه الحملة، وما يُحكى عن “وضع صعب” تعيشه الجمهورية الإسلامية في إيران على المستوى المالي، خصوصًا بعد “الكارثة” التي حلّت بها في أعقاب تحطّم مروحية الرئيس إبراهيم رئيسي، في ظلّ ظروف اقتصادية معقّدة، يقول البعض إنّها فرضت على طهران “تقنين” كلفة الحرب، التي باتت برأي هؤلاء، “أكبر” من قدرة الإيرانيين على التحمّل، فكيف بالحريّ إذا ما توسّعت وتفاقمت.
“تلبية لنداء الجماهير”
لا تبدو تفسيرات خصوم الحزب، الذين يذهب بعضهم لحدّ الحديث عن “تراجع قدرات الحزب”، بل عن “ضعفه”، وبالتالي عن “عجزه” عن المضيّ في المواجهة، مقنعة لمؤيّدي الحزب، والعارفين بأدبيّاته، الذين “يسخر” بعضهم من حجم “التضليل الإعلامي” الذي يلجأ إليه الخصوم، أو بالحدّ الأدنى “التضخيم” الذي يعتمدونه، إزاء ما يفترض أن يكون أمرًا عاديًا، ولا يستحقّ كلّ هذا العناء من التحليلات والاستنتاجات، والتأويلات.
يذكّر هؤلاء بأنّ حملة التبرعات التي أطلقها الحزب في الأيام الأخيرة ليست الأولى من نوعها في تاريخ “حزب الله”، حتى تُعطى مثل هذه التفسيرات “الدونكيشوتية”، ويكفي للدلالة على ذلك وجود هيئة رسمية ضمن بنية الحزب معنيّة بهذه الأمور، وهي “هيئة دعم المقاومة” كما يدلّ اسمها، وسبق أن أطلقت العديد من الحملات في محطّات أساسية، بما فيها الحرب السورية، فضلاً عن كونها تستقبل التبرعات بصورة دائمة للراغبين.
الأهمّ من ذلك، بحسب ما يقول العارفون بأدبيّات الحزب، هو أنّ هذه الحملة بعكس ما يروَّج، تأتي “تلبية لنداء الجماهير” إن جاز التعبير، وهو ما يتجلى بوضوح في بعض تعليقات الناشطين المحسوبين على الحزب على مواقع التواصل، والذين أعربوا عن سعادتهم بـ”إشراكهم” في العمل المقاوم، ولو بصورة أخرى، بعيدًا عن ساحات القتال والميدان، خصوصًا ممّن يرغبون بالانخراط في المعركة، لكنّهم لا يشعرون أنّهم مؤهَّلون لذلك عسكريًا.
في قاموس “حزب الله”، قد لا تعني حملة التبرعات الكثير، ولا سيما أنّ “هيئة دعم المقاومة” دأبت على إطلاق مثل هذه الحملات، وهي التي تأسّست منذ العام 1990 لهذا الغرض بالتحديد. لكن في السياق اللبناني الداخلي، لا بدّ أن يكون لهذه الحملة “دلالاتها”، التي يضعها البعض في خانة “التعبئة”، أو ربما “اختبار الشعبية”، ردًا على محاولات تصوير الحزب على أنّه “معزول” حتى في قلب بيئته الحاضنة!