غزة

حرب غزة.. ومؤتمر منظمة شنغهاي

كانت غزة حاضرة أيضا ولعبت دورا كاشفا في مناظرة الرئيسين الأمريكيين الحالي جو بايدن، والسابق دونالد ترامب، وقد أبانت جانبا لا يتمّ الانتباه كثيرا إليه.

أشارت منظمة شنغهاي للتعاون، في بيانها إثر اجتماعها في أستانا أمس الخميس، إلى الحرب الإسرائيلية على غزة عبر إدانة شديدة «للأعمال التي أدت الى سقوط العديد من الضحايا المدنيين والوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة»، كما نوّهت بأن «المواجهة الجيوسياسية تتزايد»، مع تزايد «استخدام القوة وانتهاك القانون الدولي» وتضاعف «المخاطر التي تهدد الاستقرار في العالم».

معلوم طبعا أن هذه المنظمة الدولية التي تأسست عام 2001 وتشمل الصين والهند وروسيا وإيران وباكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وبيلاروسيا ومعها دول شريكة بينها تركيا والإمارات، تضم نحو نصف سكان العالم وتتوزع على مساحة واسعة من الكرة الأرضية.

أي أن هذه المنظمة تضم أكبر دول العالم الطامحة لتغيير أوضاع القوة الدولية التي تمثّلها الهيمنة الأمريكية والغربية على العالم، ورغم أنه لا يمكن اعتبار هذه الدول مجموعة متجانسة سياسيا أو اقتصاديا، وأن فيها بعض التوتّرات الجيوسياسية، كما هو الحال بين الصين والهند، وهناك شراكة مع تركيا، عضو الحلف الأطلسي الذي يتواجه مع روسيا في أوكرانيا، لكن هناك قواسم مشتركة تجمعها، أهمّها الرغبة في تغيير الوضع العالمي الذي تكرّس بعد الحرب العالمية الثانية بشكل يؤدي لتعديل ميزان القوى الفائض لصالح واشنطن وحلفائها.

هناك طابع آسيوي طاغ في منظمة شنغهاي، بشكل يعبّر جيوسياسيا عن صراع الشرق والغرب، وهو ما تم تجاوزه في منظمة بريكس الشقيقة التي تضم إضافة الى روسيا والهند والصين البرازيل وجنوب افريقيا (إضافة إلى مصر والسعودية والإمارات وإثيوبيا الدول التي انضمت هذا العام)، التي تعبّر أكثر عن امتداد عالمي عبر القارات، يتقارب، في أهدافه الاقتصادية، مع أجندة منظمة شنغهاي السياسية.

يشير مقال جماعي نشر في مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية إلى أن حدث السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023 كان لحظة فاصلة للعالم العربي وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تحوّل الرأي العام العربي بحدة ضد واشنطن، وأن هذا التحوّل أربك جهود الولايات المتحدة في صد النفوذ الصيني واحتواء إيران وفتح الباب بشكل أكبر لصالح بكين وموسكو.

يشير المقال إلى استطلاعات في 5 دول عربية أجرتها منظمة «الباروميتر العربي» وأشارت إلى حصول تراجع كبير في الآراء الإيجابية لسكان تلك الدول نحو أمريكا بعد حدث غزة، وأن ما خسرته الولايات المتحدة كان مكسبا للصين، بمعنى أن الاستياء العميق من المواقف الأمريكية ضد الفلسطينيين انعكس دعما أكبر للسياسات الصينية، وأن العديد من الدول العربية نأت بنفسها عن الولايات المتحدة الأمريكية وتقاربت، بشكل أو آخر مع بكين وموسكو وحتى مع إيران، والاستنتاج كان أن غضب المواطنين العرب، الذين تستخفّ واشنطن (والحكومات العربية أيضا!) به، أدى لعواقب وخيمة على أمريكا.

هناك عناصر مهمة يجب دراستها ضمن موضوع توازنات العالم الجديدة، (ولم تكن ضمن اهتمامات مقال «فورين أفيرز»)، إضافة إلى التقدّم العلمي – العسكري الكبير الذي تشهده الصين، والنفوذ الجيوسياسي الهنديّ المتسع عالميا، ودور روسيا العسكري في مواجهة الغرب، وظهور أدوار مهمة لقوى متوسطة، مثل إيران وجنوب افريقيا والبرازيل، وكانت الحرب على غزة بؤرة كبيرة للكشف عن تصدّعات وتقاربات عالمية جديدة.

كانت غزة حاضرة أيضا ولعبت دورا كاشفا في مناظرة الرئيسين الأمريكيين الحالي جو بايدن، والسابق دونالد ترامب، وقد أبانت جانبا لا يتمّ الانتباه كثيرا إليه، وهو أن ركاكة المتناظرين كانت تعبيرا عميقا عن الإمكانيات الكامنة في التدهور التدريجي للهيمنة الأمريكية، ولعلّنا نشهد حاليا فصله الأول فحسب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى