حرب الزّيت والسّكر بين حماس والغزيين
من بالغ الأسف أن يساهم فساد حركة حماس في تجويع الشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل وهو يعايش أصعب ظروفه وأقساها على الإطلاق
لم تتوقف إسرائيل يومًا عن استهداف المنظمات ومؤسسات الإغاثة المعنية بمد يد العون للشعب الفلسطيني النازح واللاجئ والمشرّد. وهذا أمر يحدث علانية قبل هجوم السابع من أكتوبر وإلى يومنا هذا، وما أثمر من حرب إبادة وتجويع ضد الشعب الفلسطيني بأكمله بغض النظر عن اختلاف دياناته ومشاربه وانتماءاته الفكرية والسياسية، بداية بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) ومرورًا باستهداف قوافل المساعدات الإنسانية والقائمين على تأمينها.
وغير مرّة تعرّض السكان، وخصوصًا في شمال القطاع على سبيل المثال لا الحصر، لقصف إسرائيلي، عندما كانوا يتجمّعون في انتظار قوافل المساعدات القادمة من الجنوب.
وأمام الغطرسة الإسرائيلية، لجأت السعودية والإمارات والأردن والولايات المتحدة ودول أخرى إلى إلقاء المساعدات من الجو. ولم يكن هذا إجراءً كافيًا، مع الأخذ بعين الاعتبار خطورته البالغة والتي أودت بحياة بعض الأهالي ممن سقطت عليهم صناديق مساعدات لم تفتح مظلاتها، أو غرقِ أشخاص آخرين وهم يحاولون اللحاق بصناديق سقطت في البحر.
ولا يغيب عن الذاكرة الحادث المأساوي للمطبخ المركزي الدولي، الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرًا له، وقتل 7 من موظفيه في غارة إسرائيلية على دير البلح وسط القطاع، على الرغم من أنّ هذه المؤسسة تنسّق نشاطاتها مسبقًا مع الجيش الإسرائيلي، وكانت النتيجة وقف عمل المطبخ المركزي في غزّة وهذا ما تبتغيه إسرائيل بوضوح.
وفي ظل المجاعة الحالية التي يعيشها سكان جنوبي قطاع غزّة هذه الأيام، يصطف يوميًا المئات منهم أمام مخبز “القلعة” الرئيسي والوحيد وسط محافظة خان يونس جنوبي قطاع غزة، عسى ولعل أن يحصلوا على ربطة أو نصف ربطة خبز، ليخففوا جوع أبنائهم، إلا أن عددًا كبيرًا منهم يعود صفر اليدين، بسبب “نفاد الكميات”.
يعيش الشعب الفلسطيني أحلك ظروفه وأقسى أوقاته، يحدث كل هذا وحماس تتحكم بجسارة بالمساعدات وتقوم بتخزينها وإخفائها عن الجوعى والنازحين.
بعد بداية الهجمة الإسرائيلية المسعورة على شمال قطاع غزّة، حدثت عدة أمور تؤكد أنّ حماس غارقة لأذنيها في الفساد وهي لا تستطيع، وحتى إن عزمت على ذلك، أن تغير قيد أنملة من وضع توزيع المساعدات الذي تشوبه المحسوبيات واللصوصية.
وهنا سأتحدث عن أكبر ثلاثة مخازن كانت حماس تسيطر عليها في شمال غزّة: بركس صافي، ومقر المؤن في مخيم جباليا. فبعد قصف الأخير وهروب عناصر حماس المكلفة بحراسته من الجوعى والنازحين، قام الناس بفتحه وصدموا بشدة بسبب تكديس المؤن ومساعدات الإغاثة والمواد الغذائية بداخله بينما الشعب الفلسطيني يتضور جوعًا.
وهناك أيضًا بركس نويجع، وهو يقع على دوار الجلاء في مدخل محافظة شمال غزة، وحاله كحال بركس صافي ومقر المؤن، فهو مليء ومكدّس بالمعلبات والمنظفات والبطانيات والخيم وغيرها.
إقرأ أيضا : لماذا سيفوز دونالد ترامب على كامالا هاريس
ومن الضروري التطرق لسياسة حماس في توزيع المساعدات، فأمير الجامع في كل منطقة هو المسؤول عن هذه المهمة، فالتوزيع يكون محصورًا بسكان المنطقة فقط، ولا يحق لأيّ نازح من منطقة أخرى الحصول على هذه المساعدات، ويتوجب عليه الذهاب لأمير الجامع في منطقته حتى لو كانت محتلّة.
ومن اللافت أيضًا قيام عناصر حماس بسرقة السكر والطحينية وزيت القلي “زيت السيرج” من كرتونة المساعدات، واحتكارها عند بعض التجار والمندوبين للتلاعب بأسعارها، وترك المعلبات فقط داخل كرتونة المساعدات الغذائية للغزيين. وبات من الطبيعي أن يجد الغزي كرتونة المساعدات الغذائية دون سكر أو زيت قلي أو طحينية.
فسعر كيلو السكر ارتفع من 3 شيكل قبل الحرب إلى 50 شيكل، ويصل اليوم بعد الحملة الإسرائيلية الهمجية على شمال غزّة إلى 180 شيكل. ولتر زيت القلي إلى 80 شيكل، ونصف كيلوغرام من الطحينية إلى 180 شيكل.
من بالغ الأسف أن يساهم فساد حركة حماس في تجويع الشعب الفلسطيني داخل الوطن المحتل وهو يعايش أصعب ظروفه وأقساها على الإطلاق. أمّا خارج الوطن، فقد تلقت حماس عشرات الملايين من الدولارات من تبرعات الشعب الموريتاني الشقيق وتحديدًا في شهر رمضان المبارك، ويصل رقم التبرعات المدفوعة لحماس إلى 250 مليون دولار حسب الدكتور سمير غطاس رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية. يسأل الشعب الفلسطيني، أين هي؟