“وفقاً للعرف السياسي السائد فإن الجهة التي تذهب إلى المفاوضات تنجو من المساءلة حتى ولو استسلمت” وبهذه المعادلة بالضبط يمكن أن نفهم أن تعيين حركة حماس للسنوار مسؤولاً للمكتب السياسي للحركة، فهي قد لا تعني بالضرورة أن قادة حماس يقفزون من عربة السنوار بمقدار ما قد يعني ذلك أنه بمثابة خطوة لضمان سلامته وفريقه من المساءلة، في عملية تمهيد نوعية لإيجاد صفقة سياسية تهدف في النهاية إلى إنقاذ النخبة التي تقود غزة أولاً، وبما يضمن سلامة قادة حماس في الخارج ثانياً، في صفقة يفترض واضعوها، أنها نقطة التقاء ترضي كامل أطراف حماس في الداخل والخارج، وهو ما قد يرى فيه البعض أن ذلك كله بمثابة صفقة متفق عليها مع الطرف الإسرائيلي أو الأمريكي أو من غير ذلك كله، ولكنها صفقة لن ترضي بالضرورة أهالي غزة.
هذه النقطة عملياً تحل إشكالية مساءلة قادة غزة بعد الحرب، وتترك لهم النجاة في صفقة تصبح الآن هي الصفقة الرئيسية، فيما تصبح قضية الرهائن مسألة تكميلية، إذ إن الذهاب باتجاه صفقة سلامة القادة تفترض بشكل تلقائي أن تكون الصفقة القادمة شاملة وليست جزئية، بمعنى أننا لن نشاهد عملية افراج عن الرهائن بمعزل عن تحقيق اتفاق شامل باتت حركة حماس تراه ضرورياً بعد اغتيال هنية، بالتالي كانت العودة بالمكتب السياسي إلى غزة هي عملية مزدوجة، فهي أولاً ” تزيل شكوك السنوار من خذلان حماس الخارج له” وتعمل على السيطرة المعنوية على حالة الانقسام بين الداخل والخارج مع إحساس حماس الداخل أن الجناح السياسي في الخارج خذلها من خلال بحثه عن سلامته من المساءلة أو الاغتيال.
في المعادلة الثانية تكون “حماس الخارج” تتبرأ من التبعات السياسية التي ستعقب الاتفاق في حال توقيعه، لأن اتفاق اليوم التالي في غزة سيكون بمثابة خذلان كبير لجمهور حماس، والذي لا يزال يتوهم معجزة كونية ستؤدي لتغيير الموازين العسكرية على الأرض، ما يعني أن حماس الخارج ستكون قد ألقت بالملفين السياسي والعسكري في حضن السنوار، وهو وحده الذي سوف يتحمل التبعات السياسية والعسكرية وكامل النتائج عما حدث من السابع من أكتوبر وحتى اليوم التالي بعد الحرب.
في هذه الفكرة أيضاً تأخذ حماس الخارج نوعاً من النجاة من المسؤولية أمام جمهورها من جانب، وحتى أمام المظلة الدولية، ما سيتيح لقيادات الخارج البقاء طلقاء لا يتحملون أي مسؤولية تجاه ما حدث أو ما سيحدث، وهو ما يعني أن حماس الخارج ستعيد ارتباطها مع التنظيم الدولي للإخوان بشكل أوسع، بينما حماس الداخل ستكون إيرانية الهوى، وبهذه اللعبة السياسية، يتغير المشهد السياسي لحركة حماس، وتحافظ على الواجهة السياسية، بينما يصبح السنوار رأس المشكلة والذي عليه أن ينجو بنفسه.
أمام هذه الفرضية تبرز لدينا إشكالية اليوم التالي بعد الحرب، وما هي الآلية التي سيصل اليها الأطراف على الأرض، فمما لا شك فيه بالنسبة لأهالي غزة كان تعيين السنوار مسؤولاً للمكتب السياسي هو بمثابة كارثة عليهم، لأن أفق الحرب غير واضح، ولأن عقلية السنوار الإقصائية لا أحد يعرف إلى أين ستسير الأمور، ناهيك عن مسألة يخشاها الجميع في غزة، وهي أن يكون يومهم التالي في غزة بصحبة السنوار وكامل مليشيا كتائب القسام من خلال حصول السنوار على هدنة فقط، ولن تتيح هذه الهدنة سوى أن يؤدي دور الشرطي على سكان الخيام، ما يعني بالنسبة لأهالي غزة سنوات طويلة قادمة من المجهول بلا أفق سياسي ولا إعمار، ولا خارطة جغرافية واضحة أمام تصميم إسرائيل على اقتطاع أجزاء من غزة، إضافة الى مسألة الفصل بين الشمال والجنوب كما أن أمام غزة أقل من شهرين حتى يبدأ موسم شتاء جديد ستكون تبعاته كبيرة جداً على المستوى الإنساني والمعيشي.
إقرأ أيضا : الرد الإيراني على اغتيال هنية: نوعي أم كمي
بالتالي إن القلق الأكبر يكمن في ضياع الزاوية السياسية من المعادلة وبقائها معلقة في المجهول، والتي ستحتاج وقتاً طويلاً حتى يتم التوافق خلالها على كيفية إدارة قطاع غزة، لأنه من المستحيل أن يتم توقيع اتفاق سياسي جديد مع السنوار أو حماس برعاية دولية لأن أي اتفاق سياسي لا يمكن أن يحدث بمعزل عن السلطة الفلسطينية التي سوف تطالب بدور أساسي في غزة منزوعة السلاح، وبالتالي إن (كل ما سيحصل عليه السنوار هو اتفاق هدنة فقط) مع بقاء الأمور على حالها.
إذا سارت الأمور بهذا الاتجاه، فإنه “وفقاً للعرف السياسي فإن حماس سوف تنجو ولكن غزة سوف تستمر بالموت، وحتى لا يحدث ذلك فالمطلوب أكثر من هدنة.
نقلا عن العربية