جرعة أكسجين للاقتصاد الفلسطيني قد تشجع على مواصلة الإصلاحات
خطة الاصلاحات الاقتصادية مهمة ولكنها لا تكفي ما دامت العقبة الأكبر هي وجود احتلال يستعمل قوة الأمر الواقع ويجمد قطاعات حساسة كالسياحة والزراعة والصناعة ويمنع بذلك زيادة مداخيل السلطة وتنفيس الوضع الاقتصادي الخانق على الفلسطينيين.
أسبوعان بعد توقيع المفوضية الأوروبية والسلطة الفلسطينية على خطاب نوايا يحدد استراتيجية لمعالجة الوضع المالي والميزاني الحرج للإقتصاد الفلسطيني، تلقت خزائن السلطة الفلسطينية الأربعاء الماضي الدفعة المالية الأولى بقيمة 150 مليون يورو (162 مليون دولار) من أصل 400 مليون يورو المودعة في صندوق الطوارئ. ومن المفترض أن يسمح برنامج الدعم المتعدد السنوات للسلطة الفلسطينية بالوصول إلى التوازن المالي بحلول عام 2026 وضمان استدامتها المالية على المدى الطويل بعد ذلك.
جرعة الأكسجين الأوروبية تأتي في وقت تتوالى فيه التحذيرات من انهيار السلطة الفلسطينية جراء الحصار المالي الإسرائيلي والذي ازداد تعقيدا بعد سلسة العقوبات التي فرضها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش بعد السابع من أكتوبر والذي كان آخرها تجميد التحويلات المالية المستحقة للسلطة الفلسطينية والتي تجمعها إسرائيل على ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية على السلع والخدمات المستوردة نيابة عن الفلسطينيين، كرد فعل عقابي على اعتراف إسبانيا وأيرلندا والنرويج بالدولة الفلسطينية.
الاقتصاد الفلسطيني مكبل ببروتوكول باريس لعام 1994 الذي منح إسرائيل السيطرة الحصرية على حدود الأراضي، فضلا عن الحق في تحصيل رسوم الاستيراد وضريبة القيمة المضافة للسلطة الفلسطينية.
الفجوة بين إيرادات السلطة الفلسطينية وميزانية الإنفاق العام الأساسي آخذة في الاتساع بسرعة. وقد وصلت هذه الفجوة التمويلية إلى 682 مليون دولار، ومن المتوقع، بحسب تقرير البنك الدولي، أن تتضاعف خلال الأشهر المقبلة لتصل إلى 1.2 مليار دولار.
وفي شهر مايو/أيار الماضي، لم تتمكن السلطة الفلسطينية من دفع رواتب العاملين في القطاع العام إلا ما بين 50% و70% من رواتبهم. كما أنها غير قادرة على سداد قروضها المقتطعة من بنوكها الوطنية، مما يزيد من اعتمادها على المساعدات الخارجية لسداد ديونها.
يجمع سياسيون وخبراء ماليون واقتصاديون على أن معالجة الأزمة المالية التي تعيشها السلطة الفلسطينية أمر غير ممكن في الوقت الراهن مع عدم توفر مصادر مالية إضافية لحل أزمتها المالية، خاصةً وأن المنح الخارجية للميزانية تراجعت من متوسط 1.2 مليار دولار في 2012 إلى أقل من 220 مليون دولار في 2023. لكن حكومة السلطة الفلسطينية الجديدة برئاسة محمد مصطفى طرحت خطة تقشف في محاولة منها لاحتواء العجز الضخم لميزانية السلطة الفلسطينية الذي وصل الى 172 في المائة في عام 2024 مقارنة بعام 2023.
تقع على عاتق محمد مصطفى، رئيس وزراء السلطة الفلسطينية والذي استلم منصبه في خضم وضع مضطرب مسؤولية تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية التي تشترطها الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي مقابل استمرار الدعم الذي يحول دون انهيار مؤسسات السلطة، وقد بدأت ملامح الخطة تتضح بالفعل مع تنفيذ اجراءات تقشف صارمة شملت التقشف في النفقات العامة امتدت الى وقف استخدام المركبات الحكومية من قبل الموظفين في الدوائر الحكومية إلا أنه لن يتم المساس بجودة الخدمات والتعليم وهو ما تنص عليه جملة الشروط التي طالبت بها المفوضية الأوروبية.
بعد وقت قصير من تعيينه في الرابع عشر من مارس/آذار، أعلن رئيس الوزراء المعين محمد مصطفى عن أجندة إصلاح شاملة. وفي دعمه لإصلاح السلطة الفلسطينية، لكن ضعف مستوى الاستدامة المالية”، ووجود تبعية مقيتة للمساعدات الخارجية تكون دائما مقترنة بجملة من الشروط التي تبتز السلطة الفلسطينية يجعل هذه الأخيرة مضطرة الى أيجاد خطط بديلة في حال عدم توفر هذا الدعم المشروط ولن تجد السلطة الفلسطينية أمامها سوى زيادة الايرادات المحلية الضريبية وغير الضريبية اما عبر توسيع طاقة الاقتصاد المحلي او عبر تحسين الجباية الضريبية من خلال توسيع القاعدة الافقية للضرائب او من خلال الحد من ظاهرتي التهرب والتسرب الضريبي.
في إطار إصلاحاتها المالية، تهدف حكومة محمد مصطفى إلى تنويع عائدات الضرائب من قنوات مستقلة عن إسرائيل وخلق مناخ ملائم للاستثمار. وللالتفاف على بعض العراقيل التي تفرضها إسرائيل على عائدات السلطة الفلسطينية، تتحرك الحكومة لإنشاء مستودع جمركي تقول إنه سيقضي على تسرب الضرائب إلى إسرائيل وتمكين الحكومة الفلسطينية من تحصيل الجمارك على الواردات بشكل مباشر. كما تسعى حكومة مصطفى إلى تمكين البلديات من خلال تحويل بعض تحصيل الرسوم والضرائب والخدمات الحكومية من المؤسسات المركزية إلى هذه الحكومات المحلية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تعمل الحكومة حاليا على صياغة قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتسهيل الاستثمارات الخاصة في المشاريع والبنية الأساسية العامة واسعة النطاق، ومن المقرر إصداره بحلول نهاية عام 2024، وقانون ضريبي جديد يخفف العبء على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
لكن خطة الاصلاحات الاقتصادية لا تكفي ما دامت العقبة الأكبر هي وجود احتلال يستعمل قوة الأمر الواقع ويجمد قطاعات حساسة كالسياحة والزراعة والصناعة ويمنع بذلك زيادة مداخيل السلطة وتنفيس الوضع الاقتصادي الخانق على الفلسطينيين.