جائزة نوبل للاقتصاد أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية بسبب «تاريخ الاستعمار»
كشفت مجلة “فورين بوليسي”، عن تسبب جائزة نوبل للاقتصاد لعام 2023 في حالة من الجدل الواسع وغير المسبوق في الأوساط الأكاديمية والإعلامية، حيث تم منح الجائزة لكل من دارون عجم أوغلو وسيمون جونسون وجيمس أ. روبنسون.
وقالت المجلة في تقرير لها، السبت، إن الانتقادات تركزت حول أطروحات الفائزين بالجائزة والتي تتناول تاريخ الاستعمار وتأثيره على المؤسسات السياسية والاقتصادية، ما أثار نقاشات عميقة حول طرق فهمنا للتاريخ وعلاقته بالتنمية الاقتصادية.
جاءت الانتقادات من الأكاديميين، حيث اعتبر العديد من العلماء أن الفائزين الثلاثة تجاوزوا ما هو متعارف عليه في تناول السرد التاريخي، وانتقد بعض المؤرخين أعمالهم ووصفوها بأنها تشبه “مدخلات ويكيبيديا مع الانحدارات”، ما يعني أنها تفتقر إلى الدقة والموضوعية.
تبسيط مفرط لعوامل التاريخ
ويرى هؤلاء النقاد -بحسب “فورين بوليسي”- أن مثل هذه الأطروحات تعكس تبسيطاً مفرطاً لعوامل التاريخ، كما أنها لا تأخذ في الاعتبار التعقيدات الثقافية والاجتماعية المتنوعة.
ويعد هذا النقد جزءاً من جدل أكبر حول كيفية فهم التاريخ وتأثيره على الوضع الاقتصادي والاجتماعي الحالي، فالأبحاث الاقتصادية غالباً ما تميل إلى أن تكون محصورة في نموذج واحد، ما يجعلها أقل فاعلية في فهم السياقات التاريخية المعقدة.
اقرأ أيضا.. التوترات السياسية تزيد من عزلتهم.. التمييز يحاصر 26 مليون مسلم في أوروبا
ويُظهر هذا الانقسام كيف أن بعض الأكاديميين يشعرون بأن الفائزين قد أغفلوا الأبعاد الإنسانية للتاريخ.
الفشل التاريخي
وقالت المجلة، إن الأطروحة الرئيسية للباحثين الثلاثة تتأسس على أن التاريخ الاستعماري، بما في ذلك أنماط الاستيطان الأوروبي، ساهم في خلق مؤسسات سياسية واقتصادية قوية في بعض الدول، بينما أدت أنماط الاستغلال إلى فشل آخرين.
ولكن استخدم الثلاثة نماذج مختلفة من الاستعمار لفهم كيفية تأثير العوامل الجغرافية على النجاح الاقتصادي، على سبيل المثال، أشاروا إلى أن بعض الدول التي تمتلك مؤسسات سياسية قوية كانت نتيجة لاستعمار صارم.
وأظهرت انتقادات أخرى أن هذه النماذج يمكن أن تكون مبسطة للغاية، فعلى سبيل المثال، تم الإشارة إلى حالة زيمبابوي، التي تمتلك مستوطنين أوروبيين ولديها بيئة مواتية ولكنها تعاني من الفشل الاقتصادي، كان هذا الاستثناء بمثابة تأكيد على أن العوامل الأخرى، بما في ذلك الديناميات السياسية والاجتماعية، تلعب دورًا أكبر مما تم الإقرار به في الدراسة.
تأثير العوامل الصحية
لم تتطرق الأطروحة بشكل كافٍ إلى كيفية تأثير العوامل الصحية، مثل انتشار الأمراض، على التنمية الاقتصادية في إفريقيا.
كانت الأوبئة عبر العصور، تؤثر بشكل كبير على إنتاجية السكان، ما زاد من تكاليف الحياة وأدى إلى معدلات مرتفعة من وفيات الرضع والأمهات، لذلك أظهر النقاد أنه يجب النظر إلى هذه العوامل بعين الاعتبار عند مناقشة الاستعمار وتأثيره.
وتشير الدراسات إلى أن عدم وجود حيوانات سحب مثل الخيول في بعض المناطق الإفريقية بسبب انتشار الذباب التسي تسي كان له تأثير كبير على قدرة المجتمعات على الإنتاج والتنمية، يتطلب الأمر من الباحثين معالجة قضايا البيئة الصحية بجوانبها المتعددة لفهم الديناميات الاقتصادية.
انتقادات الاقتصاديين
وقالت “فورين بوليسي”، إن بعض الاقتصاديين الذين يتعاطفون مع عجم أوغلو وجونسون وروبنسون انتقدوا أعمالهم، على سبيل المثال، قدم أرفيند سوبرا مانيان، خبير في الاقتصاد الدولي، ملاحظات حول أن أطروحاتهم حول الاستعمار وتطوره ليست جديدة، وأنها تحتاج إلى إعادة تقييم دقيق.
وأضافت: انتقد مانيان البيانات المستخدمة في دراساتهم، مشيرًا إلى أنها قد تكون انتقائية وغير دقيقة، ما يثير تساؤلات حول مصداقية النتائج.
وتظهر هذه الانتقادات كيف أن النقاش حول تأثير الاستعمار لا يزال قائمًا، وأن الأكاديميين بحاجة إلى النظر في تجارب متنوعة لدول مختلفة بدلاً من الاعتماد على نماذج استنتاجية واحدة.
تأثير الاستغلال على الاقتصاد الأوروبي
أضافت المجلة، أن بعض الدراسات سلطت الضوء على كيفية مساهمة الاستغلال الأوروبي للأفارقة في تعزيز ثرواتهم، في كتاب هوارد دبليو. فرينش الأخير “مولود في السواد: إفريقيا، الأفارقة، وصنع العالم الحديث”، أكد أن حركة الملايين من الأفارقة المستعبدين عبر الأطلسي قد كانت من العوامل المحورية في صعود أوروبا الاقتصادي.
ووفقا لفرينش، وهو كاتب التقرير في “فورين بوليسي”، عكست نتائج البحث أن استغلال الموارد البشرية قد أثر بشكل مباشر على تشكيل المؤسسات السياسية في أوروبا.
يسلط هذا الأمر الضوء على التعقيد التاريخي الذي يتم تجاهله في العديد من النقاشات حول الاستعمار والتنمية، وتعكس أبحاث مثل هذه أن التاريخ لا يتمثل فقط في أفعال الاستعمار، بل يتطلب منا أيضاً فهم كيف أن استغلال الشعوب قد أثر على الأنماط الاقتصادية في العالم.
الأبعاد التاريخية
تمثل جائزة نوبل لهذا العام مثالاً على كيفية تداخل الاقتصاد مع التاريخ والعلوم الاجتماعية، وتضع النقاشات حول الفائزين الثلاثة الضوء على ضرورة إعادة التفكير في العوامل التي تحدد النجاح أو الفشل في التنمية.
وتكمن أهمية هذه المناقشات في أنها تعزز من الفهم الأعمق للدور الذي يلعبه التاريخ والإرث الاستعماري في تشكيل السياسات والاقتصادات الحالية.
وجادل الباحثون في أهمية تحليل التأثيرات المعقدة للاستعمار على الاقتصاد، بما في ذلك التأثيرات الثقافية والاجتماعية، فعندما نتناول نجاح أو فشل دول معينة، ينبغي أن نكون واعين للتاريخ المعقد الذي شكل تلك الدول
العدالة الاقتصادية
وقالت “فورين بوليسي”، إنه من المهم أن نفهم أن القضايا الاقتصادية ليست منفصلة عن التاريخ أو السياقات الاجتماعية، ويتطلب الأمر دراسة متعددة الأبعاد تأخذ بعين الاعتبار التفاعلات بين التاريخ، والصحة، والسياسات الاجتماعية لفهم لماذا تفشل بعض الأمم في تحقيق التنمية.
وأضافت، أنه بذلك يمكن أن تعزز المناقشات حول جائزة نوبل هذا العام الفهم المعقد للعدالة الاقتصادية، ما يدفع الباحثين إلى تجاوز النماذج التقليدية في تحليل الفروق التنموية.
وفي النهاية، لا تقتصر الآثار السلبية للاستعمار على فترة تاريخية معينة، بل تمتد آثارها إلى الحاضر، ما يتطلب منا مواجهة هذه الحقائق بطريقة شاملة وعميقة، ما يعنى أنه يجب أن تسعى الأبحاث المستقبلية إلى معالجة هذه القضايا من منظور شامل يعزز من فهمنا للتاريخ وعلاقته بالتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.