ليست المرة الأولى التي أتناول فيها عبر صحيفة “العرب” اللندنية الخلافات بين تيارات حماس وشدة هذه الخلافات. سبق لي أن نشرت سلسلة مقالات تحليلية تشرح بدايات الخلاف وأسبابه وتداعياته على الحركة التي تشهد أزمة فكرية وتنظيمية وسياسية واقتصادية ناتجة عن عدة عوامل ظاهرة قبل بدء الحرب الدائرة في قطاع غزة.. وازدادت بعدها.
حماس تقف اليوم أمام أزماتها التي تعصف بها، معتمدة على مبدأ استمرارية خلط الأوراق داخلها تنظيميا، وبعلاقاتها مع دول إقليمية هربا من واقع تقترب به نحو مصير جُل الحركات الدينية بالانشطار إلى كيانات حسب تواجدها الجغرافي.
الحركة بعد خسائرها التنظيمية بسبب الاستهداف المباشر لقادتها وعناصرها إما باغتيالهم أو اعتقالهم، فقدت القدرة على الاتصال بين أجهزتها الحركية والأمنية، هذه الأجهزة المشتتة تشهد تخبطا وفوضى في إعادة ترتيب صفوفها بسبب الطوق والحصار العسكرييْن اللذين فرضتهما قوات الاحتلال الإسرائيلي على آخر معاقل الحركة في مدينتي رفح وخان يونس، خاصة بعد أن انهارت سيطرتها وحكمها في الشارع الغزي عموما، فعناصر الحركة المتبقية تم حصرها للإبقاء على الورقة الأهم بيد قائدها في القطاع يحيى السنوار، بتأمين الأسرى الإسرائيليين من خلال استمرار نقلهم وإخفائهم مستفيدين من غطاء الزخم السكاني الكثيف في مناطق تواجدهم نتيجة النزوح البشري من شمال القطاع إلى جنوبه.
الورقة الأقوى للحرب والتفاوض، كانت ولا تزال سبب تمرد يحيى السنوار وتشدده بأسلوب استعلائي حجّم به قادة حماس في الخارج، الذين زاد عليهم الضغط السياسي من قبل الوسطاء، مما دفع بإسماعيل هنية التوسل على أبواب نظام الملالي في طهران لحماية ما تبقى من الحركة من سياسات السنوار التي أهلكت القطاع وسكانه، بعد وضوح الدعم الإيراني لتياره داخل الحركة، وتوثيق قنوات الاتصال معه شخصيا.
قنوات اتصال قطعها السنوار مع قادة حماس الخارج، وأوصل رسائل للأطراف المعنية بالتفاوض مفادها أن الرؤية لإنهاء الحرب هي رؤيته، وأن القرار داخل حماس بيده وحده فقط، وهو ما جعل الوسطاء ودولة الاحتلال يميلون لصالح المفاتيح التي يمتلكها السنوار وسط تهميش لقيادات الحركة في الخارج الذين صعدوا من تحركاتهم الدبلوماسية في سبيل استرداد نفوذهم المسلوب داخل الحركة.
زيارة إسماعيل هنية إلى طهران تدلل على وجود تضارب مصالح بين تيارات الحركة، حيث يسعى كل تيار إلى تعزيز وجوده ومكانته في الحركة قبل أن تضع الحرب أوزارها، فصمود حماس غزة وقائدها يقابله الإبقاء على الدور المنضبط لحماس الخارج في الجبهة اللبنانية تحت راية وعين حزب الله.
الفجوة بين قادة حماس لن تردم؛ إسماعيل هنية وخالد مشعل يريدان التخلص من يحيى السنوار الذي بدوره يريد الإطاحة بهما ليعتلي سدة رئاسة المكتب السياسي للحركة برمتها. أما الإيرانيون فيسعون للاستفادة من الخلافات داخل الحركة باستثمارها وتوظيفها بما يحقق مصالحهم في المنطقة، وهو ما يصل إلى حقيقة راسخة اليوم، بأن إيران هي من تدير الصراع داخل حماس إدراكا منها أن انشقاقا حتميا داخل الحركة أصبح قاب قوسين أو أدنى، وهو انشقاق سيفضي إلى كيانين توظفهما لخدمة أجندات نظام من أدام الله ظله في طهران.