انتهت الانتخابات الرئاسية الروسية الأسبوع الماضي بفوز ساحق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي حصل على نسبة 87 في المئة من الأصوات، وحصل منافسوه الثلاثة الذين سمح لهم بالترشح على باقي الأصوات.
كنت أتابع الانتخابات على وسائل إعلام روسية وغربية مع التركيز على قنوات أميركية وبريطانية وفرنسية، وكانت وسائل الإعلام الغربية تركز على أن انتخابات روسيا ليست انتخابات حرة نزيهة، إذ لا يزال الرئيس بوتين يحكم البلاد منذ عام 1999، ويدّعون أن المعارضين للرئيس بوتين ثلاثة، معارض في السجن ومعارض في المنفى والثالث في الدار الآخرة، ويدللون على ذلك بآخر معارضيه أليكسي نافالني الذي مات في زنزانته الشهر الماضي في ظروف غامضة، كما يقول معارضون، ولأسباب مرضية بحتة كما تقول الرواية الروسية الرسمية.
بدورها كانت ولا تزال وسائل الإعلام الروسية تتهكم على الديمقراطية الأميركية وتستمد مادتها بالتهكم من الساسة الأميركيين أنفسهم ومن وسائل الإعلام الغربية المتنوعة، ومما يذكر أن روسيا تسمح لوسائل إعلام غربية أن تبث من موسكو، لكن الإعلام الروسي يشير إلى نفاق الإجراءات الغربية بمنع وسائل الإعلام الروسية كافة من العواصم الغربية، بما في ذلك المواقع الإنترنتية، على رغم أن الغرب يدعم أكرانيا في حربها ضد روسيا باسم الحرية والديمقراطية والدفاع عنها.
ويركز الروس على ما يقوله حليفهم في الولايات المتحدة الأميركية، الرئيس السابق ومرشح الرئاسة الحالي دونالد ترمب، وقد كفى ترمب وسائل الإعلام الروسية ومؤيديها عناء البحث والتدليل، فهو لا ينفك عن ترداد أن الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أزاحته من البيت الأبيض لمصلحة منافسه الرئيس الحالي جو بايدن إنما أتت بالتزوير والتلفيق، وأن بايدن قد سرق منه الرئاسة زوراً وبهتاناً، كما يركزون على خطابات ترمب التي يكرر فيها المؤامرة عليه لاستبعاده وشطبه من سباق الانتخابات الرئاسية، إذ يواجه عشرات التهم من الجنائية إلى التهرب الضريبي والتلفيق وكشف أسرار الدولة، وبعضها كفيل بشطبه إذا ما دين بتهم جنائية قد تقوده إلى السجن.
وذهب ترمب إلى التهديد بأن فشله في الانتخابات في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل سيقود إلى حرب أهلية، وهو تهديد لم تشهد مثله الديمقراطيات الغربية الليبرالية خلال القرن الحالي، فالتهديد بحد ذاته يذكرنا بديكتاتوريات العالم الثالث، حيث يُفرض الرئيس فرضاً وإلا فإن مصير الشعب هو الطوفان وحرق البلد.
النظام الانتخابي الرئاسي الأميركي مختلف تماماً عن نظيره الروسي التقليدي، إذ يتوجه الناخبون يوم الانتخاب مباشرة نحو انتخاب رئيس لهم من بين قوائم المرشحين، لكن النظام الأميركي الانتخابي أكثر تعقيداً، وهو تعقيد يراه الروس الناقدون على أنه جزء من “اللاديمقراطية” الغربية، وهكذا.
وعلى رغم نسبة الرئيس الروسي الساحقة خلال الانتخابات الرئاسية الماضية إلا أنها تبقى شحيحة مقارنة بتلك التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2002 في العراق أيام الرئيس الراحل “المهيب الركن” صدام حسين قبل سقوطه بستة أشهر، إذ شارك في تلك الانتخابات – الاستفتاء 100 في المئة من عدد الناخبين المسجلين للانتخابات، ولم يغب منهم ناخب واحد، ولم يمرض منهم أحد، ولم يمت يوم الانتخاب ناخب واحد، وكل العراقيين شاركوا وكلهم صوتوا لمصلحة صدام حسين الذي “أتعب من بعده”.
متابعة التراشق الإعلامي الانتخابي الغربي- الروسي ذكرني بالطرفة الشعبية التي رأى فيها المنخل شبكة، فقال لها متسائلاً ومستهزئاً “لماذا تخرين الماء؟”.