قد يؤدي ضغط ترمب المتجدد على الدول حول العالم للبقاء ضمن نظام مالي قائم على الدولار الأميركي إلى نتائج عكسية، وفقاً لتوقعات مراقبي السوق.
يُرجح أن يظل الدولار مسيطراً على الاقتصاد العالمي في المستقبل المنظور فيما وصف مارك سوبل، الذي عمل في وزارة الخزانة الأميركية لأكثر من 40 عاماً، فكرة الدول الناشئة لإنشاء عملة موحدة خاصة بها بأنها مجرد “أوهام”.
رغم ذلك يرى الخبراء أن تدخل ترمب الأخير قد يضعف مكانة الدولار، ويزيد احتمالية إبرام مثل هذه الاتفاقيات، إذ إن ذلك يدفع الدول إلى البحث عن طرق لتجنب استخدام العملة الأميركية.
قال براد سيتسر، وهو زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية ومسؤول سابق في وزارة الخزانة الأميركية خلال رئاسة باراك أوباما، إن هذا التدخل يُظهر صورة غير جيدة، مضيفاً أن ذلك يرفع مستوى تهديد غير جدي بشكل غير مباشر، ويشير إلى ضعف الثقة بالدولار.
تهديدات ترمب
كان ترمب حذّر في عطلة نهاية الأسبوع ما يُعرف بدول “بريكس” من إنشاء عملة جديدة بديلة للدولار، مهدداً بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% إذا أقدمت على ذلك.
في حين قالت جنوب أفريقيا يوم الإثنين أنه لا توجد خطط لإنشاء عملة منافسة، جاءت تصريحات ترمب عبر شبكة “تروث سوشيال” تجديداً لمواقفه في حملته الانتخابية، ما يبرز أهمية أن تبقى الحكومات والمتداولون على استعداد دائم لمتابعة استخدامه لمنصات التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأربع المقبلة.
إقرأ أيضا : إتفاق ترامب مع بوتين سيؤدي إلى نتائج عكسية
أي محاولة لإزاحة الدولار عن عرشه تُعتبر مهمة بالغة الصعوبة؛ إذ شكّل الدولار نحو 88% من إجمالي التداولات اليومية في سوق العملات الأجنبية البالغ حجمها 7.5 تريليون دولار، بحسب أحدث تقرير يجريه بنك التسويات الدولية كل ثلاث سنوات لعام 2022. يظل الاقتصاد الأميركي الأكبر بلا منازع، وتُعتبر سندات الخزانة الأميركية من أكثر وسائل حفظ الأموال أماناً، بينما يبقى الدولار المستفيد الأول من التدفقات الآمنة.
قال رودريغو كاترال، محلل استراتيجي في بنك “ناشونال أستراليا” في سيدني: “الدولار لا يزال مهيمناً لأسباب عدة: فهو أكثر العملات سيولةً في العالم، ويُتداول بحرية، ويُستخدم كعملة إقراض عالمية”. لكنه أضاف أنه “إذا زاد ترمب الضغط على دول بريكس، فقد يُسرّع ذلك جهود التخلي عن الدولار”.
تهيمن دول “بريكس” على أكثر من 40% من احتياطيات البنوك المركزية عالمياً، وقد ناقشت تقليص الاعتماد على الدولار، بما في ذلك فكرة إنشاء عملة موحدة للتعاملات البينية. أكدت حكومة جنوب أفريقيا في بيان لها أن “المناقشات داخل بريكس تركز على التجارة بين الدول الأعضاء باستخدام العملات الوطنية”.
الحفاظ على الدولار كعملة احتياطيات
قالت سيندي لاو، رئيسة قسم الدخل الثابت في شركة “أفاندا إنفستمنت مانجمنت” (Avanda Investment Management Pte) في سنغافورة، إنه “رغم أن هذا التهديد بعينه لا يبدو واقعياً واحتمالاته ضعيفة، فإنه يذكّرنا بأن الرئيس المنتخب ترمب يرغب في الحفاظ على الدولار كعملة للاحتياطيات، ولن يخفّض قيمته بشكل استباقي”. أضافت أن “هذا يعزز أيضاً وجهة نظرنا بأن الرسوم الجمركية ستظل أداة تهديد رئيسية في ولايته، لتحقيق أهدافه واستخدامها كأداة تفاوض قوية”.
على الرغم من غياب تهديد مباشر لهيمنة الدولار يبقى المستقبل بعيد الأمد أقل وضوحاً. أبرمت البرازيل والصين سابقاً اتفاقيات لتسوية التجارة بعملتيهما المحليتين، بينما وقّعت الهند وماليزيا اتفاقاً لزيادة استخدام الروبية في المعاملات عبر الحدود. كما وقّع البنك المركزي في كل من تايلندا والصين في مايو مذكرة تفاهم لتعزيز المعاملات الثنائية بالعملات المحلية. ويُرجح أن تُشجّع تصريحات ترمب الأخيرة على زيادة مثل هذه الاتفاقيات.
قال أولريش ليوشتمان، رئيس قسم أبحاث العملات الأجنبية في “كوميرز بنك” في فرانكفورت: “من اليوم، سيشعر أي شخص خارج الولايات المتحدة يستخدم الدولار في معاملاته بأنه أداة سيطرة تفرضها واشنطن”. أضاف: “على المدى الطويل، لا يمكن لهذا الوضع أن يكون مستداماً، خصوصاً مع ازدياد تأثير هذه السيطرة كلما اتجهت السياسة الأميركية نحو مزيد من الأنانية في مجالات أخرى”.